Share Button

 

إن المعرضين عن نصوص الوحي و إقتباس العلم من مشكاته من كنوز الذخائر _ كما سبق أن أسلفنا_ فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر مافاتهم قنعوا بأقوال إستنبطتها معاول الآراء فكرا وتقطعوا أمرهم بينهم لأجلها زبرا و أوحي بعضهم إلي بعض زخرف القول غرورا فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا عافانا الله وإياهم ولقد لفت إنتباهي وأنا أطوف بقصة الصديق يوسف عديد اللطائف ومنها :- 1- أن يوسف لما جلس علي سرير الحكم أوحي الله إليه أن يجعل طفل المهد الذي شهد ببرائته في مهده بعد أن شب عن الطوق وزيرا فألبسه خلعة و أركبه فرسا ونودي عليه في الأسواق هذا جزاء من شهد بالحق.
2- ماورد بشأن إختلاف العلماء في الإدعاء بسرقة يوسف إذ أدلي قتاده بدلوه فقال إن يوسف أخذ صنما ذهبيا كان لجده أبي أمه والقاه في البئر خشية علي دين عمته و ذُكِر أن عمته كانت تحوزه فلما طلب يعقوب ولده و ألح في ذلك استمهلته ان يبقيه اياما وكان بحوزتها منطقة إسحاق ( حزام ) وكانت رائعة نفيسة ثمينة بها عبق نبي الله إسحاق فحزمتها علي يوسف من تحت ثيابه ثم إدعت فقدها و أمسكته لأجل ذلك حتي ماتت ( يراجع في ذلك تفسير ابن كثير الجزء الثالث ). وغني عن البيان أن القانون الواجب التطبيق آنئذ كان يوجب علي السارق أن يُسترق لمن سرقه فتمسكت عمته به حبا له ليبقي في أحضانها تستظل بظله وتحيا بجواره تشتم عبق البنوة وريح النبوة الذكية وهو مايفسر إسترقاق يوسف لأخيه بنيامين حين وجدوا السقاية في رحله أعمالا لنصوص القانون المطبق علي النحو المتقدم
3- من اللطائف أن أحدهم إلتقي يوسف باشا يعلنه أنه يحبه حبا جما فابتسم يوسف إبتسامة عريضة وقال مالي والحب ! فوالله ماأحبني أحد إلا أبتليت عقبها بلاءً كبيرا فقد أحبني أبي فألقاني إخوتي في غيابة الجب يبغون قتلي و افترقت عنه ماشاء الله لي أن أفترق ثم أحبتني عمتي فاسترقتني حتي مماتها و أحبتني زليخا فألقوا بي في غياهب السجون ماشاء الله لي حتي خرجت .
من أجل ذلك حين إدلهمت الخطوب بالصديق يوسف رفع يديه إلي السماء مبتهلا يقول اللهم يا مؤنس كل غريب وصاحب كل وحيد وملجأ كل خائف وكاشف كل كربة وسامع كل نجوي ومنتهي كل شكوي ياحاضر كل ملأ ياحي ياقيوم إقذف رجاءك في قلبي حتي لا أرجو أحدا سواك وحتي لايكون لي هم أو شغل إلا بك و اجعل لي من كل ضيق وهم فرجا ومخرجا
4- يعلمنا الله تعالى أن السجين لا بد أنه سيخرج إلي الحياة
و أن المريض ستعود إليه عافيته و أن الغائب سيُرد إلي أهله
و أن الحزن سينقلب فرحا و أن الكرب حتما إلي زوال
فابتلاء المؤمن كله خير و مع الله لا يخيب رجاء
5- لما تقلبت الدنيا بيوسف أوجد الله له مخرجا فلقد ألقاه الحاسدون في الجب و باعه الباغون بثمن بخس و ألقاه العاشقون وراء القضبان لكن الفطناء إستوزروه و رفعه المحتاجون إلي العرش و سجد له المضطرون فلا الجب علامة الحب ولا السجن آية الكره ولا المُلك صنو الرضا ولا السجود دليل الطاعة
6- الأمر كله لله وحده فإخوة يوسف أرادوا قتله لكنه لم يمت
ثم أرادوا أن يلتقطه بعض السيارة فيضمحل و يمحي أثره
فارتفع شأنه و باعوه ليكون مملوكا لكن الله أراده ملكا
فإرادة الله فوق كل إرادة
7- هذا وقد أورد السدي أنه لما تُوفي يوسف جعلوه في حوض من رخام أبيض و دفنوه في أحد جانبي النيل في الفيوم فأخضب ذلك الجانب دون الآخر فنقلوه الي الجانب الآخر فأخضب بدوره هو الآخر فجعلوا ذلك الحوض في أوسط النيل بين عمودين من الصوان وجعلوا الحوض في سلسلة من حديد وسمروها بسلك حديدي في تلك الأعمده فلما فعلوا ذلك أخصب الجانبان من النيل جميعا .
وقد ذكر الإمام العزيزي أن يوسف بني مدينه الفيوم وأخرج منها الماء وجعل بها عشرة قناطر وأقام عليها أبوابا من الحديد وبني من جهة الشمال إلي جهة الجنوب حائطا طوله مائتي ذراع و أحكمه ليرد الماء إذا زاد النيل وكان علي خليج المنتهي عدة طواحين وقد إنتهي العمل بها في سبعين يوما فتعجب الملك من ذلك وركب هو و وزراؤه و رأوا ماصنعه يوسف فتعحبوا من ذلك وقالوا هذه الطواحين كانت تعمل في ألف يوم فسُميت من ذلك اليوم الفيوم .
وروي السدي أن موسي عليه السلام حمل جثة يوسف في تابوت من خشب وتوجه بها إلي بيت المقدس ودفن يوسف عند إبراهيم الخليل عليه السلام و أورد أنه من حين نقلت جثه يوسف من الفيوم تناقصت البركة منها في زرعها وغلالها ومواشيها .
8- وأخيرا أذكر أن يوسف حال إحتضاره دعا ربه
(رب قد أتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا و الآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين )
فبعد أن تمت النعمة عليه باجتماعه بأبويه وإخوته وما من الله به عليه من النبوة والملك سأل ربه كما أتم نعمته عليه في الدنيا أن تستمر معه في الآخرة ويعلن أن أسمي أمانيه أن يتوفاه مسلما وأن يلحقه بالصالحين وهم النبيون والمرسلون صلوات الله عليهم أجمعين
9- إنه من المناسب أن أذكر تقدير نبى الإسلام وخاتم الأنبياء وسيد المرسلين لنبى الله يوسف وقد رويَ أبو سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال مررت ليلة أُسرى بى إلى السماء فرأيت يوسف فقلت يا جبريل من هذا ؟
قال هذا يوسف قال كيف رايته يارسول الله ؟
فقال كالقمر ليلة البدر
وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُعطى يوسف وأمه ثلث الحسن .
وقال أبو إسحاق عن أبى الأحوص عن عبدالله قال كان وجه يوسف مثل البرق وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تُفتتن وعن أبى إسحاق عن عبدالله إبن أبي فروة كان يوسف إذا سار فى أزقة مصر يرى تلألأ وجهه على الجدران كما يرى نور الشمس والقمر .
وعن وهب إبن منبه كان النور يزهر بين عينيه ويظهر من بين جلده ولحمه كما يزهر المصباح فى الزجاجة البيضاء وإذا إبتسم بدت ثناياه كأنها دُر منظوم ، وجهه كالبدر ليلة تمامه وكماله .
وروى البخارى عن إبن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن الكريم إبن الكريم إبن الكريم إبن الكريم يوسف إبن يعقوب إبن إسحاق إبن إبراهيم وروى البخارى عن أبى هريرة انه قال سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم ؟ قال أكرمهم عند الله أتقاهم
قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبي الله إبن نبي الله إبن نبي الله إبن خليل الله .
وبعد فهذه قصة دبر الله الجليل فيها أمر يوسف كأعظم ما يكون التدبير فلما ألقاه إخوته فى غيابة الجب إلتقطه جبريل حتى لا يهلك و أعوز القافله فى الصحراء للماء ليخرجوه من البئر ثم أعوز عزيز مصر للولد حتى يتبناه ويتخذه إبنا ثم أرسل بالرؤيا تتهادى فى أحلام الملك و أعوزه فى تفسيرها ليخرج يوسف من السجن مرفوع الهامة ثم أعوز مصر كلها للطعام ليصبح عزيز مصر و قد إحتضنته مصر فأكرمته و أعزته و رفعت ذكره فالعالمين فمصر مهد الأنبياء و أرض النبوات و كنانة الله في الأرض .
والله تعالى إذا تولى أمرا هيأ له كل الأسباب و أخيرا فإنها قصة الخلود التى أوقدت فى كل نفس جذوه لا تخمد ولا تبيد أرادوا يوسف مقتولا فحفظه الله و أحياه و رفعه فوق عرش مصر فما أعجب تصاريف القدر ملك كريم يباع على أنه سلعة كريهة فيرفعه الله وينجيه و كذلك فِعل الله لأحبابه و أوليائه .
أرادوه عبدا ذليلا يرسف فى أغلاله فأعلاه الله و أتاه ملكا عريضا و سلطانا منيفا و أبدله بالعسر يسرا وبالضيق فرجا وبالخوف أمنا وبالقيد حرية وبالهوان على الناس عزا أرادوه موصوما فبرأ الله ساحته واظهر عفته وصدقه على رؤوس الاشهاد كان بمكنه الله القوى القهار أن يزلزل أركان السجن بقدرته ويهدمه على رأس من بنوه وشيدوه فيجعلهم نسيا منسيا كعصف ماكول لكنه بحكمته أرسل رؤيا منامية رقيقة تتسلل رشيقة إلى أحلام الملك فى هدأه الليل ليخرج يوسف على إثرها مصانا موفور الكرامة مرفوع الرأس و قد ظهرت براءته ليعلمنا أن نتعامل مع الأحداث الجسام بمزيد الصبر والروية الحكمة فى عفو وتسامح وثقة في نصر الله .
وما أحوج البشريه إلى هذه القيم التى تبنى الحضارات وتؤسس لبناء الأمم
هى قصة نجاح فى الدنيا إذ رفعه الله الى سدة الحكم و السلطة جزاءً وفاقا لنبله و عفته و طهراته و أمانته وفى الآخرة حين بعد عن الفاحشة بُعد الأرض عن جو السماء
وهى ملحمة إنتصار العفة على الخيانة والفاحشة
فسلاما على يوسف الصديق الذى صمد أمام هذا السيل العرم من الإبتلاءات و امتطاه جسرا للعبور الى الجنة كما صمد أمام المحن والأحقاد والخيانات المتبجحة والجحود الذميم و الأتراح والملمات بقلب كبير وعفو كريم يليق بنبى عظيم وصبر جميل أعقبه خير جزيل فتحقق ليوسف وأبيه ما كانا يؤملان فخرج من كل ذلك متجردا محبا راضيا وقد جسد الشرف والرجولة وأدب النفس و إرضاء الرب حين قال
“رب السجن أحب إلي مما يدعوننى اليه” فامتنع عن ذات الجمال والسلطان اشد الإمتناع واختار السجن على ذلك وهو فى غاية مقامات الكمال مع شبابه وجماله خوفا من الله وتقربا إليه وطمعا فى رحمته ليكون جُل غايته فى النهاية
أن يتوفاه الله مسلما وأن يلحقه بالصالحين وسلاما عليه إذ كان عظيما فى صدقه وعقله وتدبيره وأخلاقه الشخصية ظاهرها وباطنها فى السر والعلن متجردا مخلصا فى إيثاره وحبه للخير وللغير عظيما فى أمانته إذ عالج متئدا أمراض النفس البشرية بمزيد العفو والتسامح والاحتواء ليتعامل مع كل العواصف والأعاصير والزلازل بنفس ثابتة فاستوت مركبه على الجودي إذ شق أمواج الفتن فيها بسفن النجاة فابتعد بنفسه عن شهوة الإنتقام بعد أن أدرك إنها ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها ليقرر بحق أن جواد العبور إلى المستقبل أن تجعل الاخر وليا حميما من اجل ذلك خلد الله ذكره فى العالمين بأحسن القصص وسلاما على يعقوب النبى الانسان والاب المفجوع فى اولاده الذى كان أنموذجا فى صبره واحتماله للقوارع المتلاحقه بقلب كبير وسلاما عليه يوم لوعته وتسهده كأب رحيم قابل كل العواصف الهوجاء بثبات الأنبياء أمام المحن فصبر لفراق ثمره فؤاده ونور عينيه وهو يردد “فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون”
ثم صبره على أولاده و أسفه عليهم إذ اجترحوا بهوى أنفسهم ما يشيب لهوله الولدان ثم إمتثاله للقدر ثم عفوه الكبير الذى وسعه أن يقابل كل الأهوال و الملمات بتسامح وسعه أن يستغفر لهم الله غفار الذنوب ويرجوه لأجلهم فكاك قيودهم ما يربو على عشرين عاما حتى إستجاب الله له وغفر لهم وسلاما عليه يوم عاش أياما حاذقة المرارة ودهورا مظلمة كالليل البهيم بكي فيها حتى نشفت دموعه وجرى الدمع من عينيه التى إبيضت من كسرة البكاء فمّنْ الله عليه بلقاء يوسف وبنيامين وهدى قلوب باقى أبنائه وقبل توبتهم وصاروا أنبياء يحملون مشاعل النور لهداية البشرية
فوالله إنها لقصة لو صادفت آذانا واعية وقلوبا من الفساد خالية لرقت و خشعت و آمنت من كثرة العبر فبين دفتيها الأمل والرجاء والنور والضياء وصدق الله الجليل إذ قال :
“لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون”
اللهم إجمعنا بنبي الله يوسف وصفي الله يعقوب مع سيد الأنبياء والمرسلين فى جنتك التى لا يغشاها إلا المحبون المتسامحون و صل علي حبيبنا و قرة أعيننا صلاة جلال
و سلم عليه سلام جمال ما هبت النسائم و ما ناحت علي الأيك الحمائم ما طلعت شمس النهار و ما قد شعشع القمر
و الآل و الصحب و الأتباع قاطبة
ما جن ليل الدياجي أو بدا السحر

المستشار : عادل الرفاعى 🌹❤️

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *