Share Button

لما حمي الوطيس فى معركة اليرموك فى الخامس من رجب من العام الخامس عشر من الهجرة وكان الروم قاب قوسين أو أدنى من أحراز النصر وإفناء الجيش المسلم عن بكرة أبيه بعد أن حاصروهم وأحاطوا بهم من كل جانب أحاطة السوار بالمعصم
وعند تلك اللحظات الفارقة فوجئ الناس بفارس مغوار من قادة المسلمين يتقدم الصفوف ويكسر غمد سيفه وينادى بأعلى صوته من يبايع على الموت ؟؟
وقبل أن تنقضى ثوان هب أربعمائة رجل تلبية لندائه ليكونوا كتيبة العشاق للشهادة في سبيل الله ثم نظم صفوفه وبدأ التحرك بتلك الكتيبة ليقتحم بهم جيش الروم ليفتح ثغرة فى صفوفهم ولما حاول قائد الجيش خالد بن الوليد أن يثنيه عن عزمه قال: إليك عنى ياخالد فقد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة أما أنا وأبى فقد كنا أشد الناس عداوة له فدعنى أُكفر عما سلف منى ولقد قاتلت الرسول صلى الله عليه وسلم فى مواطن كثيرة وأفر من الروم اليوم ؟!
أن هذا لن يكون أبدا ثم زأر زأرة ثم هب كالأسد الرئبال وأنطلق بفرسان كتيبته مندفعاً إلى قلب جيش الروم فما كان من جيش الروم إلا أن أمطروهم بوابل من النبال كزخات المطر محاولين وقف زحفهم دون جدوى حتى أستطاعت كتيبة الشهداء أن تفتح ثغرة فى صفوف الجيش المعادى فانقلبت الموازين لصالح جيش التوحيد إذ مزقت الهجمات المفاجئة أو صال جيش الروم فكانت الغلبة للمؤمنين. وجاء خالد بن الوليد يبحث عن قائد تلك الكتيبة بين المصابين فهو قريبه وصديقه ليعثر علية فى النهاية مضرجا فى دمائه مستشهداً فى ساحة الوغي تفوح منه رائحة المسك فوضع رأسة على فخده حتى فارق الحياة بعد أن وضع بصمة غيرت مجرى التاريخ فى صراع البشرية بين الخير والشر
والعجيب أن هذا القائد كان قبل سنوات قليلة ألد أعداء الله ورسوله إذ ورث هذا العداء كابراً عن كابر فأبوه أبو جهل فرعون هذه الأمة وبطلنا هذا الصحابى الجليل عكرمة رضى الله عنه وأرضاه والذى كان قبل سنوات فى عام فتح مكة ملاحقا مهدر الدم مطلوبا ليلقى جزاء أجرامه فقد أصدر الرسول صلى الله علية وسلم عفواً شاملا عن سكان مكة المحاربين إلا أنه استثنى من ذلك ستة أسخاص كان على رأسهم عكرمة لاقترافه جرائم كبرى عقوبتها الأعدام فهرب من مكة على متن سفينة لكن عاصفة هوجاء ضربتها فهُرع الجميع يرفعون أكف الضراعة إلى الله فعزم عكرمة على أنه إن نجاه الله من ذلك ليبايعن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وليضعن يده فى يده وسيجده أن شاء الله عفوا كريما (يراجع كتاب السنن الكبرى للبيهقى)
ثم رجع بعد ذلك وأسلم فعفا عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحتضنه وقبله وربت على كتفه و دعا له فأصبح من ذلك اليوم صحابيا كريما
وهكذا عالج الرسول صلى الله عليه وسلم عكرمة بالحب وداوي جراحات نفسه الغائرة بالمودة ولم يُعمل فيه سيف انتقامه ولم يحقر من شأنة ولم يرمه بأية أهانة بل أنه ترفع أن يوجه أليه حتى مجرد العتاب فداوي متئداً أمراض قلبة ونفسه بالعفو والصفح فهو الهادى البشير الذى بُعث هداية للناس و إلى طريق النور والسعادة وهو الذى بنى دولتة على الأخلاق النبيلة والمحبة العظيمة فغزا القلوب والألباب وحول الأعداء إلى أصحاب وأنصار يرفعون راية الحق عزيزة هاماتها قويه صواريها تعانق السحاب وتصافح النجوم الزاهرات
استطاع الحبيب المصطفى بعظيم عفوه ونبل مواقفه أن يغير قلوب الحاقدين إلى قلوب محبة متعانقة مع الخير مشبعة بروح العطاء فقد كان طيلة الوقت أنسانا رقيق القلب باسم الثغر دمث الخلق يلقى الناس بوجه طلق يحمل لهم الخير ولا يريد لهم إلا العيش السعيد وقد كان يخاطبهم بأجمل الكلمات يوقر منهم الكبير ويحنو على الصغير ويمد يده للضعيف ويحمل الكل ويساعد الغارم ويعين على نوائب الدهر وينشر ألوية الحب فوق كل أرض وتحت كل سماء فى الفيافي والقفار حتى أستطاع أن يجذب إليه كل القلوب والأنفس والأرواح حتى صار لدى كل واحد منهم وليس أحد أحب إليه منه ولا أجل فى عينة وما كانوا يطيقون أن يملأوا منه أعينهم أجلالا له فانتصرت دولة الحب على شرازم الكره وتحول أعداء الأمس وأوغاد الجاهلية إلى أعلام الحب وأبطال البشرية يقدمون المثل والقدوة ويعلمون الدنيا أنه بالحب تُصنع البطولات وتقام الحضارات وترقى الأمم وأن الحبيب المصطفى بنى بفيض محبته ما خربته الكراهية وأقام بالود ماهدمته الأحقاد وهكذا خرج الصحابى الجليل من رحم الشرك والظلم والكراهية والأحقاد وحضيض النسيان ليمثل على مسرح الحياة أعظم البطولات وأخلدها وليدك حصون الشرك والظلام بكل ما أتاة الله من قوة وبكل ما تسلح به من إيمان بعد أن امتدت إليه يد المحبة وأشرقت علية أنوار المودة المحمدية فمسحت على قلبة وجنانه و أضاءت دياجير ظلم حياته وكشفت عن معدنه وأزاحت عنه ظلام الكفر وفتحت بالحب ما أُغلق من أبواب وآفاق ومنافذ بالكره والأحقاد ليسطر بأحرف من نور أعظم الأنتصارات وأجلها وليبقى اسمه فى سجل المجد والخلود أبد الدهر
وسلاماً على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذى ملأ فجاج الأرض حبا ونورا وصنع بعفوه وصفحه قلوبا معمورة بذكر الله ليس فيها لغيره حظ ولا نصيب أن نطقوا فبذكره وأن تحركوا فبأمره وأن فرحوا فبعزه وأن ترحُوا فبعتبتة أقواتهم ذكر الحب وأوقاتهم بالمناجاة تطيب لايصبرون عنة لحظة ولا يتكلمون فى غير رضاه لفظة فأقاموا البطولات وغيروا وجه التاريخ وصنعوا لأنفسهم ولأمتهم مجداً تليدا سيبقى علامة فريدة على أن الحب يبنى الأمم ويهديها سبلها وأنه بالحب ترتفع رايات المجد عالية خفاقة تناطح الجوزاء وتزاحم الشمس عند الجلاء
🌹 مستشار عادل رفاعى🌹

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *