Share Button

 

أورد الإمام أبو قدامة المقدسي بكتابه التوابين أن ابن السماك قال حدثني عمر ابن ذر عن مجاهد : أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة تساقط عنه جميع زينة الجنة و لم يبق عليه من زينتها إلا التاج و الإكليل و جعل لا يستتر بشيء من ورق الجنة إلا سقط عنه فالتفت إلي حواء باكيا و قال :
استعدي للخروج من جوار الله هذا أول شؤم المعصية
قالت : “يا آدم” ! ما ظننت أن أحداً يحلف بالله كاذباً ذلك أن إبليس قاسمهما علي الشجرة ، و آدم في الجنة هارباً استحياءً من رب العالمين ، فتعلقت به شجرة ببعض أغصانها فظن آدم أنه قد عُوجل بالعقوبة فنكس رأسه يقول : العفو ! العفو !
فقال الله و عز وجل :
يا آدم أفراراً مني ؟
قال : بل حياءً منك سيدي
فأوحي الله إلي الملكين أن أخرجا آدم و حواء من جواري فإنهما قد عصياني
فنزع جبريل عليه السلام التاج عن رأسه و حل ميكائيل عليه السلام الإكليل عن جبينه
فلما هبط من ملكوت القدس إلي دار الجوع و المسغبة بكي علي خطيئته مائة سنة و قد دني برأسه علي ركبتيه حتي نبتت الأرض عشبا و أشجارا من دموعه حتي نقع الدمع في نقر الجلاميد (الصخر) و أقعيتها.

و عن وهب ابن منبه أن آدم عليه السلام لبث في السخطة سبعة أيام ثم إن الله أطلعه في اليوم السابع و هو منكس محزون كظيم فأوحي إليه: يا ‘آدم’ ! ما هذا الجهد الذي أراك اليوم و ما هذه البلية التي قد أجحف بلاؤها و شقاؤها !.
قال آدم :
عظمت مصيبتي يا إلهي و أحاطت بي خطيئتي و خرجت من ملكوت ربي فأصبحت في دار الهوان بعد الكرامة و في دار الشقاء بعد السعادة و في دار العناء و النصب بعد الخفض و الدعة و في دار البلاء بعد العافية و في دار الظعن و الزوال بعد القرار و الطمأنينة و في دار الفناء بعد الخلد و البقاء و في دار الغرور بعد الأمن
إلهي! فكيف لا أبكي علي خطيئتي أم كيف لا تحزنني نفسي أم كيف لي أن أجتبر هذه البلية و المصيبة يا إلهي ؟

قال الله تعالي له:
ألم أصطفك لنفسي و أحللتك داري و اصطفيتك علي خلقي و خصصتك بكرامتي و ألقيت عليك محبتي و حذرتك سخطي ؟
ألم أباشرك بيدي و أنفخ فيك من روحي و أسُجِد لك ملائكتي
ألم تَكُ جاري في بحبوحة جنتي تتبوء حيث تشاء من كرامتي فعصيت أمري و نسيت عهدي و ضيعت وصيتي ؟
فكيف تستنكر نقمتي فوعزتي و جلالي لو ملأت الأرض رجالاً كلهم مثلك
(يسبحون الليل و النهار لا يفترون) الأنبياء ٢٠ ”
ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين و إني قد رحمت ضعفك و أقلت عثرتك و قبلت توبتك و سمعت تضرعك و غفرت ذنبك فقل : لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك ظلمت نفسي و عملت السوء فتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم فقالها آدم ثم قال له ربه قل : لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك ظلمت نفسي و عملت السوء فاغفرلي إنك أنت الغفور الرحيم فقالها آدم ثم قال له ربه : قل : لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك ظلمت نفسي و عملت السوء فارحمني انك أرحم الراحمين.

“يراجع كتاب التوابين للامام ابن قدامة المقدسي من ص ٨ : ص ١٠”

و قال آدم ربنا ظلمنا أنفسنا و ان لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين.
و قولته هذه أكسبته الرضوان الاعلي امام كلمة إبليس أنا خيرُ منه خلقتني من نار و خلقته من طين و التي هوت به أسفل سافلين فقد باع القرب بالبعد و العقل بالهوي و الدين بالدنيا
فالله يُقدِّم عبدا منكسرا يرنو إليه بأمل علي عبد شامخ لا يري إلا نفسه
و قد أورد الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين أن الله إذا أراد بالعبد العاصي خيراً ألقاه في ذنب يكسره به و يعرف قدره و يكفي به عباده شرا و ينكس به رأسه و يستخرج به منه داء العُجْب و الكبر و المنة عليه و علي عباده فيكون هذا الذنب أنفع لهذا من طاعات كثيرة و يكون بمنزلة شرب الدواء ليستخرج به الداء العُضال
كما قيل بلسان الحال في قصة آدم و خروجه من الجنة بذنبه
يا آدم لا تجزع من كأس زللٍ كانت سبب كيسك فقد استخرج بها منك داء لا يصلح أن تجاورنا به و ألبست بها حلة العبودية
يا آدم إنما ابتليتك بالذنب لأني أحب أن أظهر فضلي و جودي و كرمي علي من عصاني
يا آدم كنت تدخل عليَّ دخول المملوك علي الملوك و الآن تدخل عليَّ دخول العبيد علي الملوك.
يا آدم إذا عصمتك و عصمت بنيك من الذنوب فعلي من أجود بحلمي ؟ و علي من أجود بعفوي و مغفرتي و توبتي و أنا التواب الرحيم ؟
يا آدم لا تجزع من قولي لك أخرج منها فلك خلقتها و لك تهبط إلي دار المجاهدة و ابذر بذر التقوي و أمطر عليك سحائب الجفون فإذا اشتد الحب و استغلظ و استوي علي سوقه فتعال فاحصده
يا آدم ما أهبطك من الجنة إلا لتتوسل إليّ في الصعود و ما أخرجتك منها نفياً لك عنها
ما أخرجتك إلا لتعود
يا آدم أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المدلين
( يابن آدم إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك علي ما كان منك ولا أبالي ، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يابن آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة . رواه الترمذي”
‘يُراجع كتاب مدارج السالكين الجزء الأول لابن القيم ص ٢٣٠ : ٢٣١’
و قد ورد أن ناسكاً كان يسأل ربه في طوافه بالبيت ثم غلبته عيناه فنام فسمع قائلاً يقول أنت تسألني العصمة و كل عبادي يسألوني العصمة فإذا عصمتهم فعلي من أتفضل و أجود بمغفرتي و عفوي ؟
و علي من أتوب ؟ و أين كرمي و عفوي و مغفرتي و فضلي ؟
يابن آدم لو آمنت بي لا تشرك بي شيئا أقمت حملة عرشي و من حوله يسبحون بحمدي و يستغفرون لك علي فراشك.
و في حديث أبي ذر ( يا عبادي إنكم تخطئون بالليل و النهار و أنا أغفر الذنوب جميعاً)
فمن علم أني ذا قدرة علي المغفرة غفرت له ولا أبالي
( قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) الزمر ٥٣ ”
يا عبدي لا تعجز فمنك الدعاء و عليّ الإجابة، و منك الإستغفار و عليّ المغفرة ،و منك التوبة و عليّ تبديل سيئاتك حسنات
“يراجع المصدر السابق”
هذا و قد أورد ابن قدامة المقدسي بكتابه التوابين عن وهب ابن منبه أنه قال :
أن آدم قد اشتد بكاؤه و حزنه لما كان من عظم المصيبة حتي إن كانت الملائكة لتحزن لحزنه و تبكي لبكائه فبكي علي الجنة مائتي سنة فبعث الله إليه بخيمة من خيام الجنة فوضعها له في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة
و صدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ قال :
لو أخطأتم حتي تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم
” رواه ابن ماجه بسند صحيح ”

اللهم إنا نعلم أنك أفرح بتوبة عبدك من الظمآن الوارد و من العقيم الوالد و من الضال الواجد
فاللهم أرزقنا توبة نصوحا تغفر بها ذنوبنا و تكفر بها سيئاتنا و ترفع بها عنا إصرنا و تقيل بها عثراتنا و تغسل بها حوباتنا و تبلغنا بها رضاك و الجنة و تعتق بها رقابنا و رقاب أهلينا من النار بفضلك و كرمك يا عزيز يا غفار
يا من لا تسكن النفوس إلا بحبه ولا تطمئن القلوب إلا بذكره ولا يدرك نجاح إلا بتوفيقه ولا يقع أمر إلا بإذنه و لا تُنال سعادة إلا بطاعته.

احفظنا في الحال و المآل و سلاماً علي أبينا آدم و قد رضي الله عنه و غفر ذنبه
و سلاماً علي النبي الرفيع و النور البديع و الحبيب المصطفي
الرسول المقرب و الفجر الساطع و النجم الثاقب و العروة الوثقي و نذير أهل الأرض الشفيع يوم العرض الساقي للناس من الحوض صاحب لواء الحمد
ما هبت النسائم و ما ناحت علي الأيك الحمائم
ما طلعت شمس النهار و ما قد شعشع القمر ما جن ليل الدياجي أو بدي السحر

المستشار : عادل رفاعي 🌹❤️

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *