Share Button

 

هذه قصة بالغة الروعة والحسن عُنيت بالوشائج الإنسانية و الأواصر الفطرية وقد حاولت أن أسكب من رحيق قلمي في أذن الزمان وقلب الوجود بعض ماجادت به القريحة من وحي تلك القصة فهي قصة قلب كبير من الفطرة الأزلية السرمدية فإن القلوب تسمع وتري وتتلفت إلي روحٍ عالية كانت خلائقها الروحانية هي الشاهد علي أن في دنيانا نسائم من فراديس الجنان ولقد كان قلب الصديق يوسف معرضاً أن يخمد من لفح اليأس إن دامت الخيانات وكثرت الطعنات وكان من شأن ذلك أنك لاتري في ردود أفعاله وحركاته غير المتوقع للقلب الذي أضاعه تقلب القلوب إلا أن الله عصمه بنفسٍ واثقة وروح مطمئنة بخصائص موحدة وقلب راض بقضاء الله ونصره فوحده الله يعلم بقناعاته اليقينية أنه قلب نابض بكل معاني الحياة لأنه لم يخلق ليموت وكيف يموت وهو مقدود من صخر الوجود؟؟
فيوسف عاني صنوفا من المحن والإبتلاءات
*محنة كيد الاخوة
*محنة الجب والخوف والترويع في جنباته المظلمة
*محنة الرق وهو ينتقل بين أيادي وأشخاص كالكلأ المستباح وعلي غير إرادته ودون رغبته وبغير أن تحوطه عناية من أهله وعشيرته
*ثم محنة زليخا إمرأة العزيز وفي طياتيها محنة النسوة ومن قبلها محنة الإغراء والإغواء والشهوة والفتنة المستعرة المحمومة
*ومحنة السجن بظلماته و أغلاله بعد رغد العيش في القصور
*ثم محنة من نوع آخر هي السلطان المطلق إذ هو يتحكم في أقوات الناس ورقابهم و أرزاقهم و طعامهم الذي يقتاتون عليه
*ثم محنة المشاعر البشرية وهو يلقي من إخوته حقدا وحسدا وغيره وإجراما أدي الي إلقائه في الجب وكان السبب المباشر لكل تلك المحن والقوارع التي صبر عليها وخرج منها كلها صلبا متجردا مخلصا كل غايته حتي في لحظات الإنتصار أن يتوفاه الله إليه مسلما فحسب وأن يلحقه بالصالحين بعد كل المحن والإبتلاءات والصبر الطويل ثم الإنتصار بعد الإنكسار
أن قصة يوسف أعطت نماذج بشرية متنوعة فهي تتعامل مع النفس البشرية في واقعيتها الكاملة لتفرز نماذج متميزة
أولها: نموذج يعقوب الوالد المحب الملهوف علي ولده والنبي الموصول بالسماء في الوقت ذاته
ثانيها: نموذج أخوة يوسف وبواعث الغيرة وهواتف الحسد والحقد والمؤامرة والكذب والمناورة ومواجهة آثار الجرم والضعف والحيرة أمام تلك المواجهة بشخصية رصينة واحدة في كل المراحل وشتي المواقف
ثالثها: نموذج زليخا بكل غرائزها ورغائبها وإندفاعاتها وفتنتها الأنثوية الطاغية إلي جانب طابعها الشخصي في تصرفاتها المستهترة والعنيدة
رابعها: نموذج النسوة من الطبقة العالية المترفة والأضواء التي تحطنْ بهن وكلام النسوة وإغرائهن ليوسف وتهديد إمرأة العزيز له في مواجهتهن والدسائس والمناورات في القصور
خامسها: نموذج العزيز ذاته في مواجهته جريمة من أبشع جرائم الشرف في رخاوة وميوعة في رد الفعل بعد أن إستوثق من خيانة زوجته وضعف النخوة لديه وغلبه الرياء وستر الظواهر لإنقاذها
سادسها: نموذج الملك وملامح الحشد من الشخصيات والمواقف والمشاهد والحركات والمشاعر
سابعها: ذلك التنوع في عرض الشخصيات علي مسرح الأحداث وتنوع مواقفها في سيناريوهات بديعة محكمة دقيقة
ثامنها: موقف أخوة يوسف والأحقاد الصغيرة تكبر وتتضخم حتي تتغول عليهم أنفسهم فتحجب عن ضمائرهم هول الجرم وبشاعته ثم تزين لهم المخرج المناسب مع كونهم أبناء نبي كريم ثم هُم تنفجر أحقادهم حين قالوا
” إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ”
ثم تتفجر ينابيع الحقد تارة أخري حين رأوا حزن والدهم علي يوسف فقالوا
” تالله تفتأ تذكر يوسف حتي تكون حرضا أو تكون من الهالكين”
ثم أطل برأسه مجددا حين إستنشق يعقوب عبير يوسف فقالوا ” تالله إنك لفي ضلالك القديم ”
ثم قهر إمرأة العزيز في اندفاعها الهائج حين وقعت صريعة عشقها وشغفها بيوسف و إنجذابها ليوسف لشهواتها الجامحة الفتية والتي أعمتها عن كل شئ ولا حتي بالحياء الأنثوي ثم الكيد في تبرئة نفسها أو حماية من تهوي من جراء التهمة التي إلتصقت به زورا ثم في إختيارها عقوبة السجن التي لاتودي بحياته أو رد الكيد للنسوة في تبجح بشهوانيتها ثم هي لما استدعاها الملك لما تزال المرأة المحبة مع ما أحدث بها الزمن والعمر والظروف التي لابست المواقف فتقول بملئ فيها ” الآن حصص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين”
وهنا معضلة الحب التي لا صلة في فهمها ولا تقريبها إلي الفهم فهي تثبت أن العاشق يعطي في ناحية خياله قبل الناس جميعا ولكنه ينتقص من ناحية عتابه مع حبيبه فهما سحران تظاهرا وكم من إمرأه جميلة تراها أصفي من ماء السماء ثم تثور يوما فلا تدل ثورتها علي شئ إلا كما يدل المستنقع علي أن الوحل في قاعه “فأغضِب المرأة تعرفها”
“” يُرَاجَع كتاب السحاب الأحمر للأديب : مصطفي صادق الرافعي “”
وللحديث بقية …
المستشار : عادل الرفاعي 🌹❤️

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *