Share Button

بقلم:

رافع آدم الهاشميّ

الباحث المحقّق الأديب

مؤسّس و رئيس

مركز الإبداع العالميّ

………

فُكاهيِّاتٌ بينَ الواقعِ وَ الخيال

………

في الليلةِ الماضيةِ، قبلَ أَن أَستيقظَ مِنَ النومِ، لَمْ يكُن باستطاعتي أَن أَنامَ لحظةً واحدةً مُطلَقاً؛ فقَد كانتِ الْحَربُ مُشتعلَةً أَماميَ، النيرانُ تأَتي مِن كواكِبٍ بعيدةٍ جدَّاً تَبعُدُ عَن مَجرَّتِنا هذهِ بسبعَةِ مليمتراتٍ فقَط!

– أُوووووه!!! يا للمسافةِ البعيدةِ هذهِ جدَّاً!!!

– سبعةُ مليمتراتٍ تكادُ تكونُ أَبعدَ مِنَ الشمسِ عَنِ البطيخِ الأَحمرِ وَ هُوَ لا يزالُ مزروعاً في الشجَّرةِ غيرِ الْمُثمرةِ أَبداً!!!

كانت أَصواتُ الأَسلحةِ الْمُستخَدمةِ في هذهِ الحربِ الضَروسِ تُدوِّي في أَنفي، وَ رائحةُ النيرانِ الْمُتطايرةِ منها تُعمي أُذنيَّ..

حاولتُ أَن أَدخُلَ أَرضَ المعركةِ؛ لأَرى عَن كَثبٍ ما الّذي يدورُ فيها بالتحديدِ، لذا: قرَّرتُ أَن أُغمِضَ أَنفي بدلاً عن عَينيَّ؛ لعلَّ كابوساً مُرعِباً يظهَرُ أَماميَ مُحمَّلاً بمشاهِدِ الحربِ الضَروسِ هذهِ! إِلَّا أَنَّني حتَّى دُونَ أَن أُغمِضَ أَنفي أَو عَينيَّ، شاهدتُ دُخَّاناً أَسوداً يتطايرُ في الهواءِ، فعلِمتُ أَنَّ مشاهِدَ الحربِ تكمُنُ وراءَ هذهِ البابِ الدُّخانيَّةِ السوداءِ، لذا: اقتربتُ برأَسيَ مِن هذهِ البابِ السوداءِ وَ أَدخلتُ نصفَ جسدي الأَعلى فيها، وَ نظرتُ داخلَ الدُّخانَ بإِمعانٍ شديدٍ..

كانتِ الصواريخُ تتطايرُ في الجَوِّ هُنا وَ هُناكَ، وَ في الجهةِ الْمُقابلةِ لها كانتِ الدبَّاباتُ تُطلِقُ نيرانها باتِّجاهِ الصواريخِ هذهِ لتصطادَ مَن يُطلِقونها، وَ على جانِبَيِّ أَرضِ الْمَعركةِ حاميةِ الوطيسِ هذهِ، كان هناكَ أُناسٌ كثيرونَ، في جانبِ الصواريخِ نساءٌ رشيقاتُ القِوامِ، نحيفاتُ الْجَسدِ، وَ في جانبِ الدبَّاباتِ نساءٌ بديناتُ القِوامِ، سَميناتُ الجسَدِ، وَ في وسطِ أَرضِ المعركةِ رِجالٌ كثيرونَ كثيرونَ كثيرونَ!!! وَ النِّساءُ في الجانبينِ الْمُتقابلينِ كُنَّ أَيضاً كثيراتٍ كثيراتٍ كثيراتٍ!!!

– لا أَدري كيفَ النيرانُ لا تصِلُ إِلى الرِّجالِ على رَغمِ أَنَّهُم يقِفونَ وسطَ أَرضِ المعركةِ بينَ النيرانِ الْمُتطايرةِ في السَّماءِ؟!!!

كانَ هُناكَ ضَجيجٌ واضِحٌ بينَ الرِّجالِ، وَ كانتِ النِّساءُ الرشيقاتُ النحيفاتُ يتراقصنَ بغُرورٍ كَبيرٍ أَمامَ النِّساءِ البديناتِ السَميناتِ، فيما اِشتدَّتِ النِّساءُ البديناتُ غَضَباً وَ أَصدرنَ أَوامرهنَّ بوجوبِ مواصلةِ الدبَّاباتِ إِطلاقَ النَّارِ باتِّجاهِ الصواريخِ دُونَ توقُّفٍ مُطلَقاً!!

اِقتربتُ برأَسيَ قليلاً إِلى أُولئكَ الرِّجالِ، وَ أَصغيتُ السمعَ لَهُم..

كانوا يتساءَلونَ فيما بينَهُم قائلينَ:

– أَيُّهُما الأَفضلُ بينَ الاثنينِ، (صواريخُ روسيا أَم دَبّاباتُ العَرَب)؟!

إِذ:

– وصفَ البعضُ مِنهُم النَّساءَ الروسيِّاتَ بالـ (صواريخ)، فيما وصفَ البعضُ الآخَرُ منهُم النِّساءَ العَربيِّاتَ بالـ (دبَّابات)!

ظلّوا يتحاورونَ فيما بينهُم، وَ كُلُّ فريقٍ يُدافِعُ عن رأَيهِ هُوَ، حتَّى وصلَ الأَمرُ إِلى أَن تبدأَ شَرارَةُ الجِدالِ، حينها: خشيتُ أَن يتشاجرَ الرِّجالُ إِثرَ ذلكَ، وَ إِن حدثَ الشِجارُ (لا قَدَّرَ اللهُ) فقَد تظهَرُ أَسلحةٌ جديدةٌ غيرُ الصواريخِ وَ الدبَّاباتِ في المعركةِ الضَروسِ هذهِ!!! وَ لكي أَفُضَّ النِّزاعَ بينهُم، سمحتُ لأُذنيَّ أَن تتحدَّثا بالنيابةِ عَن لساني، فقالتا لَهُم:

– هَل بمقدورِ الصواريخِ أَن تبقى معَ أَصحابها إِلى الأَبد؟

أَمْ:

– أَنَّها تُستخدَمُ لمرَّةٍ واحدةٍ فَقط وَ إِن انطلقَت إِلى الجوِّ لَن تعودَ إِلى مكانها مُجدَّداً لا محالة؟

في حينِ أَنَّ:

– الدبّاباتَ يمكِنُ لأَصحابها اِستخدامها مِراراً وَ تِكراراً إِلى ما يشاءُ الله!

ثُمَّ:

– أَليسَ للـ (دبَّابات) هَيبَةٌ وَ وِقارٌ وَ رسوخٌ مَتينٌ بما يَزرَعُ الرُعبَ في قُلوبِ الآخرينَ غيرَ أَصحابها أَكثرُ بكثيرٍ مِنَ الـ (صواريخ)؟

كذلك:

– أَليسَ لِكُلِّ سِلاحٍ فوائِدُهُ وَ استخداماتُهُ أَيضاً؟

إِذاً:

– أَيُّهُما الأَفضلُ بينَ الاثنينِ: صواريخُ روسيا أَمْ دَبّاباتُ العَرَب؟

و:

– لماذا؟

بالنسبةِ لي: أَرى أَنَّ لِكُلِّ سِلاحٍ فوائِدُهُ وَ استخداماتُهُ، وَ لا يُمكِنُ الاستغناءَ مُطلَقاً عن أَيِّ سلاحٍ مهما كانت نحافتُهُ أَو بدانتُهُ حَتَّى، وَ لذلك: لا يُمكِنُ الاستغناءَ عنِ النِّساءِ الرشيقاتِ النحيفاتِ، وَ كذلكَ: لا يُمكِنُ الاستغناءَ عنِ النِّساءِ البديناتِ السَميناتِ، فلا داعٍ لهذهِ المعركةِ جُملةً وَ تفصيلاً، وَ كما أَنَّ الأَسلَحةً مُنوَّعةُ الأَشكالِ وَ الأَحجامِ وَ الأَلوانِ أَيضاً، كذلكَ فالنِّساءُ منوَّعاتُ الأَشكالِ وَ الأَحجامِ وَ الأَلوانِ أَيضاً؛ حَيثُ أَنَّ لِكُلِّ امرأَةٍ مِن هذهِ النِّساءِ سِلاحُها الخاصُّ بها في الْمُحافظةِ على الْمَوَدَّةِ وَ الرَّحمَةِ بينها وَ بينَ شريكِ حياتِها، بغَضِّ النظرِ عَمَّا إِذا كانَ شريكُ حياتِها هذا يتوافقُ معها في الشكلِ وَ الحَجمِ وَ اللونِ، أَو لَم يَكُن يتوافَقُ مُطلقاً، لكُلِّ سلاحٍ امرأَتُهُ الخاصَّةُ بهِ الّتي تعرِفُ هيَ دُونَ سِواها مِنَ النِّساءِ الأُخرياتِ كيفَ تستخدِمُ سلاحَها هذا في سَقي أَشجارِ الْمَودَّةِ وَ الرَّحمَةِ في حَديقةِ التعاضُدِ الأُسريِّ معَ شريكِ حياتها، وَ في الوقتِ ذاتهِ أَيضاً هيَ دُونَ سِواها مِنَ النِّساءِ الأُخرياتِ الّتي تعرِفُ كيفَ تستخدِمُ سلاحَها في الدِفاعِ عن شريكِ حياتها؛ اِبتغاءَ الدِفاعِ عن بيتها وَ أُسرتِها حتَّى وَ إِن كانت أُسرتُها هذهِ تتكوَّنُ مِنها وَ من شريكِ حياتها فقَط!

وَ كما أَنَّ لِكُلِّ سِلاحٍ مُستخدميهِ، لذلكَ: لا داعٍ للنِّساءِ الصاروخيِّاتِ أَن يُحارِبنَ النَّساءَ الدبَّاباتَ، وَ لا داعٍ للنَّساءِ الدبَّاباتِ أَن يُصدرِنَ أَوامرهنَّ بوجوبِ إِطلاقِ النيرانِ بشكلٍ مُتواصلٍ تجاهَ الَطرفِ الْمُقابلِ لَهُنَّ؛ إِذ: لِكُلِّ واحدةٍ منهُنَّ شخصٌ خبيرٌ يُقَدِّرُ فيها إِمكانيِّاتها القتاليَّةَ، هذا الشخصُ الخبيرُ موجودٌ في مكانٍ ما، وَ سيتقدَّمُ إِليها طواعيَّةً في زمانٍ ما، فإِن كانَ قد تقدَّم لها، عليها إِذاً الحِفاظُ عليهِ باحتضانهِ المستمرِّ بينَ حنانها الفيَّاضِ؛ حتَّى تبقى جذوةُ الْحُبِّ بينهما مُشتعلةً إِلى الأَبد، كُلُّ ما عليها هيَ، سواءٌ كانت اِمرأَةً صاروخاً رشيقةً نحيفةً، أَو كانت اِمرأَةً دبَّابةً بدينةً سَمينةً، كُلُّ ما على الواحدةِ منهنُّ، بغضِّ النظرِ عن شكلهنَّ وَ حجمهنَّ وَ لونهنَّ، بل وَ حتَّى بغضِّ النظرِ عَن طولهنَّ أَيضاً، هُوَ أَن تزيدَ خبراتها في قُدراتها القِتاليَّةِ، وَ أَن تعملَ على مواصلةِ تطويرِ سِلاحِها؛ ليكونَ رادِعاً لِكُلِّ سِلاحٍ مُضادٍّ أَيَّاً كانَ، بهذهِ الطريقَةِ، تكونُ لِكُلِّ واحدةٍ منهُنَّ أَزهارُها الخاصَّةُ الّتي تُطلِقُها على ذلك الخَبيرِ مِنَ الرِّجالِ الّذي يُقَدِّرُ فيها إِمكانيِّاتها القتاليَّةَ، ليأَتيها مُحِبَّاً صادِقاً في حديقةٍ أُسَريَّةٍ غنَّاءٍ ثريَّةٍ بالْمَودَّةِ وَ الرَّحمَةِ دُونَ اِنقطاعٍ.

معَ الأَخذِ بنظرِ الاعتبارِ: أَنَّ روسيا حالُها حالُ أَيِّ دولةٍ عربيَّةٍ، وَ كِلاهُما (روسيا وَ أَيُّ دولةٍ عربيَّةٍ) حالُهُما حالُ أَيِّ دولةٍ أُخرى في العالَمِ كُلِّهِ، مِن حَيثِ الأَسلحةِ الّتي تمتلِكُها كُلُّ دولةٍ مِن دُولِ العالَمِ قاطبةً دُونَ اِستثناءٍ؛ لِكُلِّ دولةٍ أَنواعُ مُختلِفَةٌ مِنَ الأَسلِحةِ، بما فيها الصواريخُ وَ الدبَّاباتُ أَيضاً، وَ هذا يعني: أَنَّ أَسلحةَ روسيا لا تقتصِرُ على الصواريخِ فقط دُونَ الدبَّاباتِ، وَ الدولُ العربيَّةُ كذلكَ، لا تقتَصِرُ أَسلحتُها على الدبَّاباتِ فقط دُونَ الصواريخِ!

– وَ هل يمكنك الاعتقادُ بأَنَّ روسيا تخلو مِنَ الدبَّاباتِ بشكلٍ مُطلَقٍ؟!!

– وَ هل بإِمكانك التأَكيد على أَنَّ الدولَ العربيَّةَ لا تمتلِكُ الصواريخَ؟!!

إِذاً:

– في روسيا توجدُ نساءٌ بديناتٌ سميناتٌ كما توجَدُ نساءٌ رشيقاتٌ نحيفاتٌ أَيضاً!

– وَ في الدولِ العَربيَّةِ توجدُ نساءٌ رشيقاتٌ نحيفاتٌ كما توجَدُ نساءٌ بديناتٌ سميناتٌ أَيضاً!

عليهِ:

– مَن قالَ لَكُم (أَيُّها الرِّجالُ الواقِفونَ في أَرضِ المعركةِ حاميةِ الوطيسِ هذهِ) أَنَّ دبَّاباتَ العربِ لا تُعاضِدُها صواريخُ العَربِ أَيضاً؟!!

– وَ مَن قالَ لَكم أَنَّ الصواريخَ الروسيَّةَ لا تُعاضِدُها الدبَّاباتُ الروسيَّةُ أَيضاً؟!!

في كُلِّ دولةٍ من دولِ العالَمِ قاطبةً دُونَ استثناءٍ، بغضِّ النظرِ عَنِ العِرقِ أَو الانتماءِ أَو العقيدةِ، توجدُ الصواريخُ وَ الدبَّاباتُ سويَّةً معاً لا محالة، وَ هذا هُوَ حالُ الْمُجتَمعاتِ كافَّةً على مَرِّ الأَزمنةِ وَ العصورِ، فيها النِّساءُ الرشيقاتُ النحيفاتُ كما فيها النِّساءُ البديناتُ السميناتُ أَيضاً، الْمُهمُّ هُوَ القُدرةُ القتاليَّةُ في استخدامِ السلاحِ ذاتِ العَلاقةِ، سواءٌ كانَ السلاحُ صاروخاً، أَو كانَ السلاحُ دبَّابةً تدخُلُ في جوفِها كُلُّ الدبَّاباتِ أَيَّاً كانت.

وَ أَخيراً:

– أَليسَ في الرِّجالِ صواريخٌ وَ دبَّاباتٌ أُسوةً بالنِّساءِ كذلك؟!

فكَم مِن صاروخٍ أَحبَّ دبَّابةً فأَصبحَ شريكَ حياتها، وَ كَم مِن دبَّابةٍ أَحبَّت صاروخاً فأَصبَحَتْ شريكةَ حياتهِ! وَ كَم مِن صاروخٍ أَحبَّ صاروخاً مثلهُ، وَ كَم مِن دبَّابةٍ أَحبَّت دبَّابةً مثلها أَيضاً!!!

– إِنَّهُ تعاضُدُ الأَسلحَةِ بعضها معَ البعضِ الآخَرِ وَ معَ أَشباهها أَيضاً.

بعدَ أَن تحدَّثَتْ أُذنايَ للجميعِ شارحةً لَهُم وجهةَ نظري، وجدتُ أَنَّ الرِّجالَ قَد أَخذوا يتأَمّلونَ الكَلامَ بعقلٍ حَصيفٍ، إِلَّا أَنَّ نيرانَ المعركةِ لا تزالُ تتواصُلُ فيما بينها، وَ لا زالتِ الصواريخُ تنطلِقُ تجاهَ الدبَّاباتِ، وَ الدبَّاباتُ تُطلِقُ نيرانها تجاهَ الصواريخِ!

لستُ أَدري! قبلَ أَن أُخرِجَ نصفَ جسدي الأَعلى من ذلكَ الكابوسِ الْمُرعبِ، لماذا كنتُ أَسمَعُ دويَّاً في أَنفي يتردَّدُ على أُذنِ كُلِّ امرأَةٍ في أَرضِ المعركةِ تلكَ، يقولُ سائلاً الطرفَ الآخرَ الْمُتقابلَ، قائِلاً:

– أَيُّهُما الأَفضلُ بينَ الاثنينِ: صواريخُ روسيا أَمْ دَبّاباتُ العَرَب؟

هُوَ سؤالٌ أُوجِّهُهُ إِليك أَنت أَيضاً، إِلَّا أَنَّ جوابك لا بُدَّ أَن يكونَ بعدَ تفكيرٍ عميقٍ منك في همسةٍ صغيرةٍ أَهمِسُها بأُذنيك الواحدة تلوَ الأُخرى، قائلاً إِليك:

– اللحظةُ الّتي أَنت فيها لَن تتكرَّر أَبداً، فعليك بالبهجةِ وَ السَّعادةِ دائماً وَ أَبداً، وَ ليزرع قلبُك الطاهِرُ النقيُّ هذهِ البهجةَ وَ السَّعادةَ في قُلوبِ الجميعِ حُبَّاً خالصاً فيهِم قُربةً إِلى الله؛ لأَنَّنا بالْحُبِّ نحيا، وَ بالْحُبِّ نعيشُ، وَ بالْحُبِّ نتقرَّبُ أَكثرَ فأَكثرَ إِلى الْحَبيبِ الّذي هُوَ: الله.

…….

بالْحُبِّ يحيا الإِنسان.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *