Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن دين الإسلام والإيمان يخاطب الألباب والوجدان ، ويضرب الأمثال الممزوجة بالحجة والبرهان ، بل إن الإسلام حث العبد على التأمل فيما يثير المشاعر والوجدان وما به تسمو الروح وتتزين بالإيمان ، وكان من أساليب إثارة الشعور والوجدان لإصلاح القلوب المواعظ والتذكير .

والموعظة من وعظ، وهو النصح والتذكير بالعواقب، وهو تذكيرك للإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب ، ولا شك أن مواعظ القرآن الكريم هي سبيل صلاح القلوب وتعافيها من القسوة والران والغفلة والطغيان ، ولقد كان الرسول الكريم محمد صل الله عليه وسلم ، يحيي النفوس ويصلح فساد القلوب بالمواعظ، وجعل الموعظة وسيلة من وسائل تزكيتها .

فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه ، قال: “وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟

قال: “أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ” رواه الترمذي .

وإن من أعظم ما يصلح المرء ويثبته على دين الله والاستقامة عليه هو الموعظة الحسنة وهي الكلام المشتمل على ما يقرِّب إلى الله تعالى ودار كرامته من ذكر الجنة والتشويق إليها وذكر النار والتخويف منها وما كان فيه من البشارة والنذارة التي تحمل المرء على فعل المأمورات وترك المحذورات .

وكذلك محاسبة نفسه للقيام بأسباب سموها وتزكيتها وطهارتها لينال الفلاح الذي كتبه الله لمن زكّى نفسه فقال تعالى ” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ” والموعظة الحسنة مما أمر الله عز وجل بها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن “

ودلّت هذه الآية الكريمة على أن من آداب الدعوة إلى الله الدعوة بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب والترهيب الذي يحمل المرء على فعل الطاعة وترك المعصية ، فهذا من أعظم الوسائل لترقيق القلوب وتليينها ، وقد كان من هدي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم موعظة أصحابه .

فقد كان صلى الله عليه وسلم ، إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته واحمرّت عيناه كأنه منذر جيش يقول صبّحكم ومسّاكم ، وقال النعمان بن بشير رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخطب يقول : ” أنذرتكم النار ، أنذرتكم النار ” حتى لو أن رجلاً بالسوق لسمعه من مقامي هذا حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه “

وهذا يدل على عظم الموعظة و أن الناس بحاجة إليها لأن النفس تجتاحها الغفلة ويلهيها التقلب في الدنيا ويبعدها اللهو واللعب و الانغماس في الشهوات ، فإن معيار ذلك هو قلبك ، فإذا وجدت قلبك أيها العبد يتأثر إذا وُعظ ويرقُّ إذا ذُكر فهو علامة الخير لك .

فقال تعالى : ” إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ” و إذا رأيت نفسك تنصت لآيات الله وتصغي لكلام الله وتنتفع إذا ذكّر بها فهو علامة خير وهدى ورشاد ، فقال تعالى واصفاً عباده أهل الإيمان ” والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمَّاً وعمياناً ” .

و أعظم ما يوعظ به المرء هو كتاب الله تعالى الذي قال الله عز وجل عنه ” يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ” فهذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا قد اشتمل على أحكام عادلة و أخبار صادقة ومواعظ نافعة ومن لم يكن القرآن له واعظاً فلا واعظ له .

ثم لتعلم أن من هدي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يتخوّل أصحابه بالموعظة خشية السآمة ، ولهذا من السنة أن لا يكثر من الوعظ ولا يداوم عليه حتى لا يسأم الناس : أما معرفة الحلال والحرام و أحكام دين الله تعالى ومعرفة ما يقرّب إلى الله تعالى فهذا يحتاج المرء إليه في كل وقت وحين ، ولا يخلط بين معرفة ذلك وبين الوعظ .

وقد خرج هارون الرشيد يوما في رحلة صيد فمرّ برجل يقال له بُهلول قد اعتزل الناس وعاش وحيدا، فقال هارون: عظني يا بُهلول قال: يا أمير المؤمنين ، أين آباؤك وأجدادك؟ من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيك؟ قال هارون: ماتوا، قال: فأين قصورهم؟ قال: تلك قصورهم، قال: وأين قبورهم؟ قال: هذه قبورهم .

فقال بُهلول: تلك قصورهم، وهذه قبورهم، فما نفعتهم قصورهم في قبورهم؟ قال: صدقت، زدني يا بهلول، قال: أما قصورك في الدنيا فواسعة فليت قبرك بعد الموت يتسع، فبكى هارون وقال: زدني فقال: يا أمير المؤمنين: قد ولاك الله فلا يرى منك تقصير ولا تفريط، فزاد بكاءه وقال: زدني يا بهلول .

فقال: يا أمير المؤمنين: هب انك قد ملكت كنوز كسرى، وعُمرت السنين فكان ماذا؟ أليس القـبر غـاية كـل حيٍ، وتُسأل بعده عن كل هذا؟ قال: بلى، ثم رجع هارون ولم يكمل رحلة الصيد تلك، و انطرح على فراشه مريضاً، ولم تمضِ عليه أيام حتى نزل به الموت.

فالموعظة مطلوبة من كل مسلم، حسب علمه وقدرته، وبآدابها وشروطها ، فنحتاج للموعظة في البيوت مع الأهل والأولاد، ونحتاجها مع الزملاء والأصدقاء، ونحتاجها في المجالس والمنتديات، ونحتاجها في مساجدنا ومدارسنا، ونحتاجها في التناصح والتذكير متى ما دعت إليها الحاجة.

فإن الموعظة باب من أبواب الدعوة إلى الله، وأسلوب من أساليب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ، فعلى الإنسان كلما شعر بقسوة قلبه أن يبحث له عن واعظ يذهب إليه ليذكره ويعظه ، كما يذهب إلى الطبيب الماهر ليعالجه من أمراض الجسد ، فالمواعـظ دواء القلوب وتجديد العلاقة والصلة بعلام الغيوب.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *