Share Button
بقلم :الدكتورة سمر عبد العظيم
استهل بأبيات ختم بها الشاعر السوداني الهادي آدم قصيدته أغدا ألقاك التي اسعدتنا بها أم كلثوم علي ألحان عبد الوهاب
“وغدا تأتلف الجنة أنهارا وظلا
وغدا نسمو فلا نعرف للغيب محلا
وغدا ننسى فلا نقسى على ماض تولى
وغدا للحاضر الزاهر نحيا ليس الا
قد يكون الغيب حلوا
انما الحاضر ….. أحلى”
تكتسب هذه الأغنية قبولا واسعا لأنها تختتم علي أمل و رؤية للحب في اطار حياة لا يعوزها الاحتمالات
تعودنا أن تقهرنا قصص الحب في نهايات خانقة تشعرك أن الحب خلق فقط ليعذب أهله. فما بين الأطلال و “أنا وليلي” يحمر وجه الحب خجلا علي عذاب اصاب به كل من فتح نافذته له. كذلك تناول الحب في الروايات والأعمال الدرامية دائما ما يأتي مقرونا بالفقد و الإحباط والأماني الضائعة.
كأن ابداعنا يأبي الا أن يتجلي مع الشجن ولا يستنفره الا القلوب المحطمة ونتناسي في ذلك ماخلق الحب من أجله من الفة وسكن وتواصل في طبقات من الكون لها خصوصية شديدة لكل انسان، فسبحان الله الحبيب المجيب هو وحده من يستطيع أن يسخر طبقات لا نهائية من الكون لعباده وما شابها أبدا نقص ولا عزت يوما علي بشر.
رغم أن الخالق حبا هذا الكون باحتمالات لا نهائية و معين من الحلول لا ينضب الا أننا حين نبدع في الحب نتبني نظرة أحادية تجعل الناس دائما أمام اختيارات صعبة وكأن الكون لا يطرح في الحب الا حلا أحاديا يميز انسان ويقهر الباقين. هذه الرؤية لا تختلف كثيرا عن رؤية مجتمعاتنا حول النجاح والتميز. فمجتمعاتنا العربية بالتحديد تتبني اسلوب المنافسة وتعززه حتي في نجاح الافراد فينتج عن ذلك احساس دائم بعدم الرضا والتطلع الغير حميد للمزيد في اسرع وقت وكأننا كلنا نتنافس علي معين نجاح وابداع واحد علي وشك النضوب. لنا في طبيعة رب العالمين حكمة وعظة فالكون الرائع لم ولن يكف ابدا عن تقديم الجمال والروعة مادة لوحي الابداع و حروف الأبجدية رغم محدوديتها لم تكف ولن تكف عن الرقص بين أبيات الشعراء بتركيبات لا نهائية وابداع لا ينضب أبدا مهما نهل منه.
الحب هو لغة خلقت لترمي حبال تواصل غير مرئية بين البشر، فحين خلقنا يبدو أننا ما فطرنا فرادي ولكن في عالم ما كنا واحد قبل أن نصير كثيرين وكنا مكتملي الهيأة قبل أن يعترينا نقص. وفي هذه الحياة نعيش رحلة بحث عن اشباع وكأننا لازلنا نتذوق بقايا اكتمالنا الذي خلقنا عليه ونصبو اليه. وهكذا يصير لحياتنا هدف حتي وان لم نعلنه ونعلمه، نسير في هذه الحياة بحثا وان لم نعلم مانبحث عنه تقودنا خلايانا ووحدات بنائنا اليه.
الحب هو أداة الاستشعار التي تؤلف بين الناس وتأتي بهم من دروب الحياة المختلفة الي تلاقٍ.
فليس ظلما ولا قهرا ان أتي الحب في وقت ضائع او متأخر أو في ظروف غير اعتيادية فقد أتي وهذا ما يهم لأنه ان جاء، جاء ليرشد الي اكتمال واشباع ولم يأتِ ليقهر أو ليحزن. فمستويات التواصل كثيرة ولاتنتهي حتي ان عجز عقلنا عن فهم ذلك لكن الإيمان يستدعي الفهم أن هذا الكون ليس كون الحل الفردي انما هو كون الاحتمالات اللا نهائية و كلها متاحة لنا برحمة خالقه وعلينا أن نفتح لها قلوبنا فحين نصدق نري ولن نري حتي نصدق.
علي مبدعي مجتمعاتنا أن يفتحوا آفاقهم كذلك وأن ينقذوا الحب من الذبح بين سطور الشعراء وأن ينقذوا القلوب من شجن مخيف يجعل من الحب ضعفا يهرب منه الأقوياء فما رأيت ظلما أكثر من حياة تبدأ فينفق صاحبها ولم يتلون قلبه بالحب، تلك حياة ضائعة وقصة ابداع مبتورة.
في قرآننا الكريم ذكر الحب في ستة وسبعين أية وذكر في مقام الجائزة والمفاز «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» لم يذكر أبدا كمعذب ولا كأداة قهر
ان كان ربنا يعدنا الحب وكأنه غنيمة فلم ننعته نحن بما ليس فيه؟ لم نخاف منه وندفنه كأنه خطيئة؟ الحب قدر فطرنا عليه ومن الإيمان التسليم للقدر والإيمان أن للقدر تصاريف ماجاءت لظلمنا حتي وان تعذر علينا فهم الحكمة منها.
لا يمكن التعامل مع الحب علي أنه في اطار منعزل وقد بني الكون كله علي كلمة الحب ووصف الخالق نفسه أنه “محبة” فالحب أصل الأشياء ودونه يعيش العالم في تيه لا يرجي النجاة منه
أري انه من الضروري أن نعيد صياغة الحب في ابداعنا فننزع منه ما الصقنا به منذ قديم الأزل ونعيده لشكله الذي انبت عليه منذ بداية الخلق، شعور بعيد عن التملك والاحساس المجوف بالانتصار فالحب رابط خاص لا يمكن التنازع عليه ولا تحده علاقات اجتماعية ولا مسافات ولا يشبعه علاقات حسية فالاشباع في الحب يأتي حين تصيبه فيصيبك فتعلم أنك قد عشقت روحك بمعشوق كنتما كيان واحد قبل الانشطار. هذا هو الاكتمال الذي نعيش نبحث عنه وحين يأتي، يأتي معه فتح لأبواب موصدة في نفسك تطل من خلالها شخصا جديدا. فكل منا له في نفسه منطقة موصدة لها قفل مفتاحه في مكان ما في الكون ان وجده انفرجت نفسه علي مصراعيها وتجلي منها شخص جديد يحوي جمالا لم تألفه من قبل.
تخيلوا كونا يسير فيه الناس وقد فتحت قلوبهم علي عالم اللا محدود والطاقات المبدعة، عالم يفتح الحب مغاليقه لأن الناس سلمت له بدلا من العذاب به.
آن أوان الانتقال من عذاب عنترة بن شداد:
سَلا القلبَ عَمّا كان يهْوى ويطْلبُ
وأصبحَ لا يشكو ولا يتعتبُ
صحا بعدَ سُكْرٍ وانتخى بعد ذِلَّةٍ
وقلب الذي يهوى العلى يتقلبُ
ونستشرف ابداعا جديدا
ارهاصات_فارغة
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *