Share Button

سورة «الناس» كان نزولها بعد سورة «الفلق» ، وتُسمى سورة المعوذة الثانية، والسورتان معا تسميان بالمعوذتين
نزولها: سورة الناس فيها قولان:
أحدهما: أنها مدنية، أي نزلت بالمدينة ،رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها مكّيّة، أي نزلت بمكة ،رواه أبو كريب عن ابن عباس.
عدد آياتها: ست آيات.
عدد كلماتها: عشرون كلمة.
عدد حروفها: تسعة وسبعون حرفا، وهي ثاني المعوذتين ، وفيها الاستجارة والاحتماء برب العالمين ، من شر أعدى الأعداء ، إبليس وأعوانه من شياطين الإنس والجن ، الذين يغوون الناس بأنواع الوسوسة والإغواء.
مناسبتها لما قبلها : سورة الناس امتداد لسورة «الفلق» التي قبلها، ومتممة لما يستعاذ بالله منه..
و«المعوذتان» أشبه بسورة واحدة، ولهذا فقد جمعهما اسم واحد. وهو «المعوذتان» .
-وقد ختم الكتاب العزيز بالمعوذتين وبدئ بالفاتحة ، ليجمع بين حسن البدء ، وحسن الختم ، وذلك غاية الحسن والجمال ، لأن العبد يستعين بالله ويلتجئ إليه ، من بداية الأمر إلى نهايته.
[ قل أعوذ ] أي: قل- أيها الرسول الكريم- أعوذ وألتجئ وأعتصم واستجير
«برب الناس» أي: بمربيهم ومصلح أمورهم، وراعى شئونهم … إذ الرب هو الذي يقوم بتدبير أمر غيره، وإصلاح حاله … وكان العياذ في سورة «الفلق» بربّ «الفلق» ، أي رب المخلوقات جميعها.. وهنا في سورة الناس، يأتي الأمر بالاستعاذة، بربّ الناس، من الناس، وهم بعض ما خلق الله سبحانه وتعالى.
وقوله [ برب الناس ] أي بخالق الناس ، ومربيهم ، ومدبر شئونهم ، الذي أحياهم وأوجدهم من العدم ، وأنعم عليهم بأنواع النعم ، قال المفسرون : إنما خص الناس بالذكر- وإن كان جلت عظمته رب جميع الخلائق -تعريفا وتكريما لهم ، من حيث إنه تعالى سخر لهم ما في الكون ، وأمدهم بالعقل والعلم ، وأسجد لهم ملائكة قدسه ، فهم أفضل المخلوقات على الإطلاق
قال ابن الجوزي :” فإن قيل: لم خص الناس هاهنا بأنه ربُّهم، وهو ربُّ كل شيء؟ ففيه جوابان:
أحدهما: لأنهم معظَّمون متميزون على غيرهم.
والثاني: لأنه لما أمر بالاستعاذة من شَرِّهم أعلم أنه ربهم، ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم. والإضافة هنا في قوله [ أعوذ برب الناس ] للتشريف والتكريم وفي الآيتين بعدها.
[مَلِكِ النَّاسِ ] أي المالك لأمرهم ملكا تاما. والمتصرف في شئونهم تصرفا كاملا … فهو سبحانه “مالك جميع الخلق ، حاكمين ومحكومين ، ملكا تاما شاملا كاملا ، يحكمهم ، ويضبط أعمالهم ، ويدبر شئونهم ، فيعز ويذل ، ويغني ويفقر
[إِلهِ النَّاسِ] أي معبودهم الحق الذي لا رب لهم سواه ،”والذي يدين له الناس بالعبودية والخضوع والطاعة لأنه هو وحده الذي خلقهم وأوجدهم في هذه الحياة، وأسبغ عليهم من النعم ما لا يحصى … “ولما كان في الناس ملوك قال عزّ وجلّ: مَلِكِ النَّاسِ ولما كان فيهم من يعبد غيره قال عزّ وجلّ: إِلهِ النَّاسِ. قال القرطبي : وإنما قال [ ملك الناس إله الناس ] لأن في الناس ملوكا فذكر أنه ملكهم ، وفي الناس من يعبد غيره ، فذكر إنه إلههم ومعبودهم ، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به ويلجأ إليه ، دون الملوك والعظماء ، وترتيب السورة بهذا الشكل في منتهى الإبداع ، وذلك لأن الإنسان أولا يعرف أن له ربا ، لما يشاهده من أنواع التربية [ رب الناس ] ثم إذا تأمل عرف أن هذا الرب متصرف في خلقه ، غني عن خلقه فهو الملك لهم [ ملك الناس ] ثم إذا زاد تأمله عرف أنه يستحق أنْ يعبد ، لأنه لا عبادة إلَّا للغني عن كل ما سواه ، المفتقر إليه كل ما عداه [ إله الناس ] وإنما كرر لفظ الناس ثلاثا ولم يكتف بالضمير ، لإظهار شرفهم وتعظيمهم والاعتناء بشأنهم ، كما حسن التكرار في قول الشاعر :
لا أَرى المَوتَ يَسبِقُ المَوتَ شَيءٌ نَغَّصَ المَوتُ ذا الغِنى وَالفَقيرا …
وبدأ- سبحانه- بإضافة الناس إلى ربهم، لأن الربوبية من أوائل نعم الله- تعالى- على عباده، وثنى بذكر المالك، لأنه إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مدركا، وختم بالإضافة إلى الألوهية، لأن الإنسان بعد أن يدرك ويتعلم، يدرك أن المستحق للعبادة هو الله رب العالمين.
قال الجمل: وقد وقع ترتيب هذه الإضافات على الوجه الأكمل، الدال على الوحدانية، لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة، علم أن له مربيا، فإذا درج في العروج …
علم أنه- تعالى- غنى عن الكل، والكل راجع إليه، وعن أمره تجرى أمورهم، فيعلم أنه ملكهم، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم، أنه المستحق للألوهية بلا مشارك فيها …
وإنما خصت هذه الصفات بالإضافة إلى الناس- مع أنه- سبحانه- رب كل شيء- على سبيل التشريف لجنس الإنسان، ولأن الناس هم الذين أخطئوا في حقه- تعالى-، إذ منهم مَنْ عبد الأصنام، ومنهم مَنْ عبد النار، ومنهم مَنْ عبد الشمس إلى غير ذلك من المعبودات الباطلة التي هي مخلوقة له- تعالى-.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم قيل: «برب الناس» مضافا إليهم خاصة؟ قلت: لأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس. فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم، الذي يملك عليهم أمورهم، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالى أمرهم.
فإن قلت: «ملك الناس. إله الناس» ما هما من رب الناس؟ قلت: هما عطفا بيان، كقولك: سيرة أبى حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس، ثم زيد بيانا بإله الناس … فإن قلت: فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة؟ قلت: أظهر المضاف إليه الذي هو الناس لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار … والإطناب بتكرار الاسم [ رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ] زيادة في التعظيم لهم ، والاعتناء بشأنهم ، ولو قال ” ملكهم ، إلههم ” لما كان لهم هذا الشأن العظيم. وهَذِهِ ثَلَاثُ صِفَاتٍ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ، عَزَّ وَجَلَّ؛ الرُّبُوبِيَّةُ، وَالْمُلْكُ، وَالْإِلَهِيَّةُ: فَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَإِلَهُهُ، فَجَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مَخْلُوقَةٌ لَهُ، مَمْلُوكَةٌ عَبِيدٌ لَهُ، فَأَمَرَ الْمُسْتَعِيذَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِالْمُتَّصِفِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ الْمُوَكَّلُ بِالْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا وَلَهُ قَرِينٌ يُزَين لَهُ الْفَوَاحِشَ، وَلَا يَأْلُوهُ جُهْدًا فِي الْخَبَالِ. وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَم اللَّهُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ: “مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ وُكِل بِهِ قَرِينة”. قَالُوا: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “نَعَمْ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ” وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ زِيَارَةِ صَفِيَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْتَكَفٌ، وَخُرُوجِهِ مَعَهَا لَيْلًا لِيَرُدَّهَا إِلَى مَنْزِلِهَا، فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيي”. فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: “إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ ” “من الإنسان” مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا، أَوْ قَالَ: شَرًّا”.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ (خرطومه) عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ الله خَنَس، وَإِنْ نَسِيَ الله ، الْتَقَمَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ”. ” غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شعبة، عن عَاصِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ يُحَدث عَنْ رَديف رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عَثَر بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمارهُ، فَقُلْتُ: تَعِس الشَّيْطَانُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، تعاظَم، وَقَالَ: بِقُوَّتِي صَرَعْتُهُ، وَإِذَا قَلْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَصَاغَرَ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ”
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَلْبَ مَتَى ذَكَرَ اللَّهَ تَصَاغَرَ الشَّيْطَانُ وغُلِب، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ اللَّه تَعَاظَمَ وَغَلَبَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَاءَ الشَّيْطَانُ ، فَأَبَسَ بِهِ كَمَا يَأْبِسُ الرَّجُلُ بِدَابَّتِهِ ، فَإِذَا سَكَنَ لَهُ زَنَقَهُ ، أَوْ أَلْجَمَهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَأَنْتُمْ تَرَوْنَ ذَلِكَ ، أَمَّا الْمَزْنُوقُ فَتَرَاهُ مَائِلاً كَذَا ، لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ ، وَأَمَّا الْمَلْجُومُ فَفَاتِحٌ فَاهُ لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وللحديث بقية .
بقلم/ محمد سعيد أبوالنصر

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نص‏ و‏طعام‏‏‏
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *