Share Button

فى طريق النور ومع الحق فى القرآن الكريم ” الجزء الحادى عشر “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الحادى عشر مع الحق فى القرآن الكريم، فإن قول الحق والتخلص من الكذب والنفاق، هو طريق المجتمع نحو التقدم، ومن الواجب أن أول من ينطق بكلمة الحق هم الدعاة إلى الله والعلماء والمربون، فعلى الدعاة اليوم العمل على إخراج الناس من هذا المستنقع العفن الذى تردوا فيه من عدم قول كلمة الحق أو الاحتفاء بها، وكأن الأمر لا يعنيهم، ويكون ذلك بطرح النماذج المشرقة لسلف الأمة الذين وقفوا وقفات مشرفة ضد أهل الباطل أو من بيدهم الأمر، ولقد كان اهتمام العلماء بالوقوف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان الحق والدعوة إليه، وبيان الباطل والتحذير منه من أهم سمات المسلمين الأوائل، فعلى كل منا أن يسأل نفسه هل قضى ما عليه فيما يرى من منكرات في مجتمعاتنا وفي أسواقنا؟ وهل قام كل منا بالواجب الملقى على عاتقه، ولم تأخذه في الله لومة لائم؟ أم أنه بدأ يحسب ويضرب أخماسا في أسداس وتخاذل في نهاية المطاف عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب على كل قادر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ” من رأى منكم منكرا فليغيرة بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” ولو أن كل منا قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما آلت الأمور إلى ما أصبحنا عليه الآن، ونخشى إن لم يتداركنا الله برحمته أن يعمنا الله بعقاب من عنده، يعم الصالح والطالح، فقد قالت زينب ابنة جحش فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نعم، إذا كثر الخبث ” رواه البخارى ومسلم، فعلى كل منا أن يؤدى ما في مقدوره، وليعلم أنه موقوف بين يدى الله تعالى غدا فسائله عما فعله وهو عز وجل الذى سيحاسبه يوم القيامة عما فعل أو ضيع، ويجب أن نخشى إن استمر حالنا بعدم قول الحق، بل ووقوفنا مع أهل الباطل، أن يستبدل بنا ربنا غيرنا، ليكونوا لكلمة الحق أهلا وناصرا ومؤيدا، فإن كلمة الحق هى قذيفة ربانية في وجه الباطل، تزلزل كيانه، وتحطم أركانه، وتقهره وتهلكه، والحق ناطق ساحق ماحق، والباطل مخبط مخلط زاهق، فعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة صنما، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول ” جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” رواه البخارى، والحق وإن ناوأه المناوِئ، وكاد له الكائد، وحاول أن يمكر بأهله الماكر، وأراد أن يطمس صورته، فإنه سيأتي يوم يقول فيه من كان على ذلك الباطل ” الآن حصحص الحق ” وسيعترف بأنه كان على باطل وضلال، فإن كلمة الحق كالمطر النازل من السماء حيث تسيل به الأودية، وتفيض به العيون، وتسقى به الأرض بعد موتها، وينتفع بها الخلق منافِع شتى، وأما الباطل فلو كان كثيرا كثيفا، فمآله إلى زوال وسفال واضمحلال، وإن كلمة الحق ما كانت تقال لتقمع، بل لكي يظهر أثرها ويسطع، ويزهق الباطل ويقلع، ولئن ابتلى صاحبها فلا بد له من أصدقاء صدق يدافعون عنه، ولا يبقونه لظلم السجّان، ولا لطغيان السلطان، ولا لتجاهل الأصحاب والخلان.

وتأمل في حالة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حينما كان يعرض الإسلام على القبائل والوفود، ويطلب منهم نصرتهم؛ وذلك لأن كلمة الحق عزيزة، وصاحبها عزيز، فلا بد من نصرته وحمايته، فالحق لا بد له من قوة تحميه، وتزيح العقبات والعراقيل التي تواجهه، وكلمة الحق ما هي إلا جرأة نفسية، وقوة داخلية، يدفعك إيمانك الصادق لكي تقولها، بكل ثبات وإباء، ورسوخ وشموخ، وانتماء لها واستعلاء، تشعرك بأنك حر في زمن كثر فيه العبيد، حيث انطلقت من عقال العبودية لساحة وباحة الحرية فهنيئا لك، وإن كلمة الحق تحتاج لأشخاص يقولونها ويقولون بها، ويثبتون عليها ولا يتراجعون عنها لأنها حق، والحق لا رجعة فيه، وكلمة الحق إن صدرت عن رجل أكبره الناس بها واحترموه وقدروه، فما بالك إن صدرت عن المرأة، فتحية كبيرة لنساء قائلات بالحق كن فيه أجرأ من الرجال، وكلمة الحق لها ضريبة اشتكى منها كثير ممن قالها، وهي بعد كثير من الناس عن قائلها، إما خوفا مِما سيحصل لهم من أذى السلطان أو الناس، أو أن كثيرا من الناس لا يعجبهم الصدع بالحق لأن لسان حالهم كلسان حال من قال “ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين” ومما جاء عن أبى ذر الغفارى رضى الله عنه قوله ” وما زال بى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حتى ما ترك الحق لى صديقا ” فكلمة الحق ثقيلة على النفس، ولهذا لا يتحملها إلا القليل، لكن إن أرضيت بها الرحمن، فسيجعل لك من بعد عسر يسر، فكلمة الحق قد تكون سهلة ميسرة إن كانت لا تغضب من قلتها أمامهم.

لكنها مُرة للغاية إن قلتها أمام من تظن أنهم سيأبونها ويعرضون عنها، ويثنون أعطافهم نكاية بصاحبها، لكن حسبك أن تقرأ ما قاله الصحابي الجليل أبو ذر الغفارى رضي الله عنه عندما قال أمرني خليلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ” ومنها وأمرنى أن أقول بالحق وإن كان مُرا، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأمرنى أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهن مِن كنز تحت العرش” رواه أحمد، وكلمة الحق مُرة فلا تزدها مرارة بمرارة أسلوبك، وهي مقولة قيلت سابقا، وهي مقولة حق كذلك، فمن يريد أن يتكلم بالحق فعليه باللطف والرفق واللين والحلم والعلم، لعلها تصادف قلبا خاليا، فيتمكن قائلها من إيصالها إليه، وتذكر قوله تعالى كما جاء فى سورة طه ” اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى” فأمرهم الله تعالى باللين والرفق مع ذلك الطاغية، مع أنه تعالى يعلم فى سابق علمه أن فرعون لن يتذكر ولن يخشى، ولكنها المهارة في تأدية الحق، فكلمة الحق تقال في أى مكان، فهي كلمة نورانية، وحجة ربانية، ومنحة إلهية، ولقد أخرج البخارى ومسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم، أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم وهكذا هي دعوة الإسلام القائمة على الحق والصدق والقوة، ومن يريد أن يكون مسلما حقا، فعليه أن يستعد لهذا الحق، وإن من شرف كلمة الحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها من أعظم الجهاد.

حيث قال صلى الله عليه وسلم ” إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر” رواه الترمذى، فكلمة الحق كما أنها تقال أمام السلطان، فلابد من قولها أمام الجماهير والإخوان والأصحاب والحشود، ولربما يكون قولها أمامهم أصعب من أن تقال أمام السلطان، وكلمة الحق لا يستحيى منها ولا ينبغي الخجل من قولها، فإنها كلمة أصلها ثابت وفرعها في السماء لأنها كلمة طيبة ولا بد أن تكون كذلك، فعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه” رواه الترمذى، فكلمة الحق تكون في الغضب والرضا، ولربما يقول الشخص كلمة الحق في الرضا، لكنه لا يقولها في الغضب لأنه إن اعتراه غضب فقد يمنعه من قول كلمة الحق أو قبولها، فحري بنا أن نسأله تعالى أن يرزقنا قول الحق فى الغضب والرضا، فلقد كان الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول مخبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أما إنى قد دعوت فيهما يعنى فى الركعتين بدعاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوبه ” اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحينى ما علمت الحياة خيرا لى، وتوفنى إذا كانت الوفاة خير لى، أسألك خشيتك فى الغيب والشهادة، وكلمة الحق فى الغضب والرضا والقصد فى الفقر والغنى ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك وأعوذ بك من ضراء مضره، ومن فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين” رواه النسائى واحمد، ولقد لقي سلفنا من صنوف العنت والاعتداء والشيء الكثير حتى أوصلوا إلينا الحق.

وأمانة الدين كاملة غير منقوصة، وما غيرت أمواج المناوئة والمناكفة من ثباتهم شيئا، فقد خرج أبو بكر الصديق رضى الله عنه في بداية الدعوة إلى قريش، وعزم على أن يسعهم كلمة الحق، فخطب فيهم بالإسلام، وكان أول خطيب يدعو إلى الله ورسوله، فتناوله الأعداء بالضرب المبرح على جسده ووجهه، حتى ما عرف أنفه من وجهه، فحملوه إلى بيته وما يشكون في موته، وهذا أبو ذر الغفارى رضى الله عنه لما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم “ارجع إلى قومك غفار، فأخبرهم حتى يأتيك أمرى” فقال والذى نفسى بيده لأصخن بها بين ظهرانيهم “ويقصد قريش” فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه وأتى العباس فأكب عليه فاستتقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه فاستنقذه منهم ” رواه البخارى ومسلم، ونقل ابن هشام أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا يوما فقالوا والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود أنا، قالوا إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال دعونى فإن الله سيمنعنى قال فغدا ابن مسعود رضى الله عنه حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، ثم قرأ ” بسم الله الرحمن الرحيم ” رافعا صوته ” الرحمن علم القرآن” ثم استقبلها يقرؤها، فتأملوه، فجعلوا يقولون ماذا قال ابن أم عبد؟ قالوا إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه، فجعلوا يضربونه في وجهه.

وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له هذا الذي خشينا عليك، فقال ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها، قالوا لا، حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون، فبهذه الشجاعة في قول الحق الإسلام انتصر، وبهذه الجبال الشوامخ الدين انتشر، وليس بالخضوع والخنوع، والانحناء عند أول هبة ريح، وإننا اليوم لفي أمس الحاجة لمثل هذه الشجاعة في الصدع بكلمة الحق، وبيان أن عزة المسلمين في دينهم، وليس في قوانين غيرهم، وأن حضارة الغرب ما هي إلا بريق زائل، وسحابة صيف عن قريب تقشع، فتكشف عن وجهها العنصري، المعادي لشريعة الإسلام، وإن هناك وسائل تعين المسلم على الثبات على الحق ، فمن وسائل الثبات على الحق هو الإقبال على القرآن الكريم، فهو حبل الله المتين، فهو عصمة لمن امسك به، ومنجاة لمن عمل به، ومما يعين على الثبات على الحق التزام شرع الله والعمل به، وكان سفيان الثورى رحمه الله يقول لإبراهيم بن أدهم ” يا إبراهيم، اسأل الله تعالى أن يقبضنا على التوحيد” ومما يعين على الثبات على الحق ذكر الله تعالى، ومما يعين على الثبات على الحق اعتقاد أن النصر للحق وللمسلمين لا محالة، وأن المستقبل للإسلام، ومما يعين على الثبات على الحق هو صحبة العلماء والأتقياء والصالحين الذين يدلون على الخير ويحذرون من الشر، فكن شجاعا فى قول الحق، وكن شجاعا قوى القلب ولا تخف من التوجسات والزوابع، وتوكل على الحي القيوم.

قد يكون كارتون لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏سماء‏‏ و‏نص‏‏

تعليق واحد

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *