Share Button

فى طريق النور ومع الحق فى القرآن الكريم ” الجزء الثامن “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع الحق فى القرآن الكريم، وإنه يجب معرفة معنى اسم الله الحق، فإنه قد وردت آيات قرآنية كثيرة تذكر اسم الله الحق سبحانه وتعالى ” يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين” وقول الله عز وجل ” فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم” ويقول ابن جرير في تفسير الآية الكريمة ” وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون”أى بمعنى أنه رجع المشركون يومئذ إلى الله الذى هو ربهم ومالكهم الحق لا شك فيه، ورُفعت الحُجب وصار الأمر حقا، أي ما عاد هناك ريبة، صار الغيب شهادة فيعلمون أن الله هو الحق، وذكر في تفسير الآية الكريمة ” فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى يصرفون” وأى بمعنى أيها الناس، فهذا الذى يفعل هذه الأفعال، فيرزقكم من السماء والأرض، ويملك السمع والأبصار، ويخرج الحي من الميت والميت من الحي، ويدبر الأمر، “والله ربكم بالحق” أى لا شك فيه ” فماذا بعد الحق إلا الضلال” يقول فأى شيء سوى الحق إلا الضلال، وهو الجور عن قصد السبيل، ويقول فإذا كان الحق هو ذا، فادِّعاؤكم غيره إلها وربا، هو الضلال والذهاب عن الحق لا شك فيه، وإن منهج البحث عن الحق سهل، ومعرفة الافتراء من الصدق لازم, فإنها دعوة إلى القيام لله بعيدا عن الهوى، بعيدا عن المصلحة، معتمدا على مراقبة الله وتقواه، متجردا من الرواسب والمؤثرات, ثم التفكر ثانيا فيمن جاء بهذا الحق؟ ما مصلحته؟ وما بواعثه؟ وماذا يعود عليه منه؟ إنه لا يريد عوضا من أحد، بل يرجو ثوابه ممن كلفه.

ولا يتطلع أبدا إلى أجر من أحد, فيقول الله تعالى كما جاء فى سورة سبأ ” قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله وهو على كل شئ شهيد ” ثم التفكر فى هذا الحق، فهو الحق الذى يقذف به الله، فمن ذا يقف للحق الذي يقذف به الله؟ لا أحد، فالطريق أمامه مكشوف, فيقول تعالى كما جاء فى سورة سبأ ” قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب، قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ” فإذا جاء الحق بقوته فقد انتهى أمر الباطل، وما عادت له حياة, فيقول تعالى كما جاء فى سورة سبأ ” قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد” وإنه لكذلك، فمنذ جاء القرآن استقر منهج الحق واتضح، ولم يعد للباطل إلا مماحكة ومماحلة أمام الحق الواضح الحاسم، ومهما يقع من غلبة مادية للباطل في بعض الأحوال والظروف، إلا أنها ليست غلبة على الحق، إنما هي غلبة على المنتمين إلى الحق، غلبة الناس لا غلبة المبادئ، وهذه موقوتة ثم تزول، وأخيرا, يقول الله تعالى كما جاء فى سورة سبأ ” قل إن ضللت فإنما أضل على نفسى وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى إنه سميع قريب” وقد وعد الله عباده أن يطلعهم على شيء من خفايا هذا الكون، ومن خفايا أنفسهم على السواء، حتى يتبين لهم أنه الحق، هذا الدين حق، وهذا الكتاب حق، وهذا المنهج حق, ولقد صدقهم الله وعده، فكشف لهم عن آياته فى الآفاق وفى الأنفس، ووعد الله ما يزال قائماً فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة فصلت ” سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد ” وإنها لرحمة من الله تعالى.

فكلما ابتعد الناس عن زمن النبوة، وعن منهج النبوة، فتح الله لهم من أبواب العلم ما يردهم إلى الله، ويذكرهم به، ويسهل عليهم أمور معاشهم، فالبشرية بعد الضلال والشرود من جراء العلم أخذت عن طريق العلم تثوب إلى الدين، وتعرف أنه الحق عن هذا الطريق, ولم تكن فتوح العلم والمعرفة في أغوار النفس بأقل منها في جسم الكون، فقد أطلع الله البشر على أسرار وخصائص في الجسم البشرى، وعرفوا تركيبه وتكوينه ووظائفه وغذاءه، وأمراضه وعلاجه، وعرفوا من أسرار حركته ما يكشف عن خوارق لا يصنعها إلا الله البارى، وإن الله وحده الذى خلق هذا الكون، له الحق وحده أن يشرع لعباده ما يشاء، وليس لأحد من خلق الله أن يعتدى على خلقه، فيشرع لهم غير ما شرعه الله وأذن به كائنا من كان, فالله مبدع هذا الكون، ومدبره بالأوامر الكلية التي اختارها تعالى له، والحياة البشرية إن هي إلا ترس صغير في عجلة هذا الكون الكبير، فينبغي أن يحكمها تشريع يتماشى مع أوامر الكون الأخرى، ولا يتحقق هذا إلا حين يشرع لها محيط بالكون وما يجرى فيه، وكل ما سوى الله قاصر وعاجز عن تلك الإحاطة بلا جدال، فلا يؤتمن على التشريع لحياة البشر مع ذلك القصور، وكيف يرضى الناس بمخلوق مثلهم أن يشرع لهم, فقال الله تعالى كما جاء فى سورة المؤمنون ” أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم ” ولقد شرع الله تعالى للبشرية من الدين ما يوافق طبيعتها وفطرتها، ووضع الأصول لذلك.

وترك للبشر استنباط التشريعات الجزئية التي تتجدد مع تجدد الحياة في حدود المنهج الكلي للدين، فإذا اختلفوا في شيء، رجعوا به إلى تلك الأصول الكلية التي شرعها الله تعالى للناس، لتبقى ميزانا يزن به البشر كل تشريع جزئي، وكل تطبيق حادث على مدار الزمن، وبذلك يتوحد مصدر التشريع، ويكون الحكم لله وحده وهو خير الحاكمين, وما عدا هذا المنهج فهو خروج على شريعة الله عز وجل، وعلى دين الله تعالى، ومع وضوح هذا إلا أن بعض الناس يجادلون في هذا، ويجرءون على استمداد التشريع من غير ما شرع الله، زاعمين أنهم يختارون لشعوبهم ما يسعدهم، كأنما هم أعلم من الله، وأحكم من الله، ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم، والله تبارك وتعالى هو الحق الذي يحب الحق ويدعو إليه، ويكره الباطل ويحذر منه، وما ترك أحد الحق إلا جرته الشياطين إلى الباطل, فاليهود لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم جرتهم الشياطين إلى الكفر والكذب كما قال سبحانه وتعالى عنهم كما جاء فى سورة البقرة ” ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر” وإن الحق هو ما أوحاه الله تعالى إلى رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى، المتضمن للعلم النافع، والعمل الصالح، والخلق الفاضل، فإذا جاء هذا الحق زهق الباطل, فكما لا يجتمع النور مع الظلام، ولا الليل مع النهار، ولا الحر مع البرد.

كذلك لا يجتمع الحق مع الباطل لأن كل واحد منهما يطرد الآخر، والباطل زهوق، ولكنه قد يكون له صولة ورواج إذا لم يقابله الحق، فعند مجيء الحق يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك, ولهذا لا يروج الباطل إلا في الأزمنة والأمكنة الخالية من العلم بالله وأسمائه وصفاته، والعلم بآياته وبيناته، والعلم بدينه وشرعه، ولذلك مدح الله تعالى أهل الحق ممن يتواصون بنشره وتعليمه، فقال تعالى كما جاء فى سورة العصر ” والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” وسنة الله التي لا تتبدل أن الحق إذا جاء زهق الباطل، فالباطل لا يمكن أن يثبت للحق, فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” وإن ظهور الباطل وبقاءه منتفشا فترة من الزمن, ليس معناه أن الله تعالى تاركه, أو أنه من القوة بحيث لا يغلب, أو بحيث يضر الحق ضررا باقيا قاضيا, أو أنه متروك للباطل يقتله ويرديه, كلا, إنما هي حكمة وتدبير من الحكيم الخبير هنا وهناك, يملي سبحانه وتعالى للباطل ليمضي إلى نهاية الطريق، وليرتكب أبشع الآثام وليحمل أثقل الأوزار، ولينال أشد العذاب باستحقاق, فيقول تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين” فالله عز وجل يملي للظالم حتى يزداد طغيانه، ويترادف كفرانه، حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال.

فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة هود ” وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد ” ويبتلي الله سبحانه الحق ليميز الخبيث من الطيب، ويعظم الأجر لمن يمضي مع الابتلاء ويثبت, فقال الله تعالى كما جاء فى سورة النساء ” فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما” وإن الحق هو الصراط المستقيم الذى كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم، وهو يتضمن معرفة الحق، وإيثاره، وتقديمه على غيره، ومحبته، والانقياد له، والدعوة إليه، والصبر عليه، وجهاد أعدائه، وما سواه فهو صراط أهل الباطل، أهل الغضب والضلال، فقال سبحانه وتعالى ” اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الظالين” ومن رحمة الله بالخلق وعنايته بهم أن بعث إليهم الرسل الكرام تبين الحق وتميزه من الباطل، بحيث يصير مشهودا للقلب كشهود العين للمرئيات، وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه، والتي لا يعذب أحدا ولا يضله إلا بعد وصوله إليها, فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة التوبة ” وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شئ عليم” وكذلك فإن الحق هو الذى بعث الله به رسله، وجعل إبلاغه إليهم وإلى العلماء من بعدهم، وبعد ذلك يضل الله من يشاء، ويهدي من يشاء, فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة إبراهيم ” وما أرسلنا رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وهو العزيز الحكيم”

فالرسل الكرام تبين الحق, والله تعالى يضل من يشاء, ويهدي من يشاء, وسماع الحق لفظه ومعناه وقبوله خاص بمن أراد الله تعالى هدايته, فقال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الزمر ” والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ” وإن الناس صنفان عالم, وأعمى, فأهل الجهل بمنزلة العميان الذين لا يبصرون، وأهل الجهل صم بكم عمي، وكما لا يستوي الأعمى والبصير كذلك لا يستوي العالم والجاهل فقال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الرعد ” أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب” وإن لمعرفة الحق، والاستفادة منه، والعمل به، وقبوله، لا بد من النور الخارجي وهو القرآن الذى فيه تبيان كل شيء، والنور الداخلي وهو الإيمان ومحله القلب، وإذا امتلأ القلب بالإيمان وتزين به فرّق بين الحق والباطل، وأحب الطاعات، وأبغض المعاصى وإن صلاح البشرية بأمرين، بالإيمان, والعمل الصالح، وإن الحق لا يحق والباطل لا يبطل فى أي مجتمع بمجرد البيان النظرى للحق والباطل، ولا بمجرد الاعتقاد النظري بأن هذا حق وهذا باطل، وإن كانت الهداية تنزل على من شاء الله من عباده، ولكن الحق لا يحق ولا يوجد في واقع الناس، والباطل لا يبطل ولا يذهب من واقع الناس إلا بالتضحية وبذل الجهد لإعلاء كلمة الله، وتحطيم سلطان الباطل حتى يعلو سلطان الحق، وذلك لا يتم إلا بأن يغلب جند الحق ويظهروا، ويهزم جند الباطل ويندحروا.

قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏ و‏نص‏‏

تعليق واحد

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *