Share Button

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

نكمل الجزء الثانى ومع الصحابى الجليل أبو إمامه الباهلى، وإن من الخصال التي اشتهر بها ابو امامة الباهلي الصبر وكتمان المصيبة، وعدم الشكوى للناس، والشكر على النعمة، كان صبارا شكورا يتسع قلبه لهموم اثقل من الجبال، ولكنه يتحملها بايمان لأنها مقدرة عليه، ولم تكن الدنيا تساوي عنده شيئا لذلك عاش معرضا عنها غير راغب فيها، ولقد كان ابو امامة ممن بايعوا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بيعة الرضوان تحت الشجرة يوم صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة، وقال ابو امامة: يا رسول الله، انا ممن بايعك تحت الشجرة.

فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: “انت مني وانا منك” وكان ابو امامة مفهوها بالعلم، مشغوفا بالمعرفة، وما ان يسمع كلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الا ويحفظها عن ظهر قلب، ولما سئل عن سر تفضيله العلم على العبادة قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، احدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العالم على العابد كفضلي على ادناكم، ان الله وملائكته واهل السموات حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير.

وقال أبو أمامة رضى الله عنه، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيدي ثم قال لي: ” يا أبا أمامة، إن مِن المؤمنين مَن يَلين له قلبي” وكان كثير الصيام هو وامرأته وخادمه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” عليك بالصوم، فإنه لا مِثل له” وقد جاء رجل إلى أبي أمامة وقال: يا أبا أمامة، إني رأيت في منامي الملائكة تصلي عليك، كلما دخلت وكلما خرجت، وكلما قمت وكلما جلست، قال أبو أمامة: اللهم غفرا دَعونا عنكم، وأنتم لو شئتم صلّت عليكم الملائكة، ثم قرأ قول القرآن :”(يا أيها الذين آمنوا اذكروا اللّهَ ذِكراً كثيراً وسبحوه بُكرة وأصيلاً، هو الذي يُصلي عليكم وملائكتهُ ليُخرجَكم مِن الظلمات إلى النورِ وكان بالمؤمنين رَحيما ”

وعن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم” وعن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال: بعثت أنا ورجل من قريش إلى هرقل ندعوه إلى الإسلام، فنزلنا على جبلة فدعوناه إلى الإسلام، فإذا عليه ثياب سواد، فسأله عن ذلك قال: حلفت ألا أنزعها حتى أخرجكم من الشام، قال: فقلنا له: والله لنأخذن مجلسك هذا، ولنأخذن منك الملك الأعظم أخبرنا بهذا نبينا.

قال: لستم بهم، ثم ذكر قصة دخولهم على هرقل واستخلائهم، فأخرج لهم ربعة فيها صفات الأنبياء إلى أن أخرج لهم صورة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا هي بيضاء، فقال: أتعرفون هذا؟ قال: فبكينا، وقلنا: نعم، فقام قائمًا ثم جلس فقال: والله إنه لهذا قلنا: نعم قال: فأمسك ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لأنظر ما عندكم، ثم قال: لو طابت نفسي بالخروج من ملكي لوددت أني كنت عبدًا لأسدكم في ملكه حتى أموت، قال: فلما رجعنا حدثنا أبا بكر فبكى ثم قال: لو أراد الله به خيرًا لفعل، ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم واليهود يعرفون نعت النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد وعَظ أبو أمامة الباهلي فقال: عليكم بالصبر فيما أحببتُم وكرهتم، فنعم خصلة الصبر، ولقد أعجبتكم الدنيا وجرّت لكم أذيالها، ولبست ثيابها وزينتها إن أصحاب نبيّكم كانوا يجلسون بفناء بيوتهم يقولون: نجلس فنُسلّمُ ويُسلّمُ علينا، وقال أبو أمامة: المؤمن في الدنيا بين أربعة: بين مؤمن يحسده، ومنافق يُبغضه، وكافر يُقاتله، وشيطان قد يُوكَلُ به، وقال: حبّبوا الله إلى الناس، يُحببكُم الله، وقيل أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ان الله جعل السلام تحية لأمتنا وامانا لاهل ذمتنا، فكان ابو امامة يسلم على كل من لقيه.

فلا يمر على احد سواء كان مسلما او غير مسلم، صغيرا او كبيرا، الا قال: سلام عليكم، سلام عليكم، ولم يسبقه احد بالسلام الا مرة واحدة، حيث اختبأ يهودي خلف شجرة ثم خرج فجأة وسلم عليه، فقال له ابو امامة: ويحك يا يهودي، ما حملك على ما صنعت؟ فقال له اليهودي: رأيت رجلا يكثر السلام، فعلمت انه فضل، فأردت ان آخذ به، فقال له ابو امامه ان هذا من ادب الاسلام الذي تعلمناه من الرسول صلى الله عليه وسلم.

وما تعلمه ابو امامة من الرسول صلى الله عليه وسلم ايضا بر الوالدين، وقد حدث ان كانت ام ابي امامة مريضة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز لغزوة بدر، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمرضها، فطلب الى ابي امامة ان يبقى بجوار امه يرعاها، لأن رعاية الوالدين لا تقل اجرا عن الجهاد في سبيل الله، وبالفعل بقي ابو امامة بالمدينة وماتت امه اثناء المعركة، ولما انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعاد الى المدينة زار قبرها وترحم عليها.

وعن سعيد الأزدي ، قال : شهدت أبا أمامة وهو في النزع ، فقال لي : يا سعيد، إذا أنا مت ، فافعلوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لنا : إذا مات أحدكم فنثرتم عليه التراب ، فليقم رجل منكم عند رأسه ، ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع ، ولكنه لا يجيب، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنه يستوي جالسا ، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنه يقول : أرشدنا يرحمك الله، ثم ليقل : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا.

وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنك رضيت بالله ربا ، وبمحمد نبيا ، وبالإسلام دينا، فإنه إذا فعل ذلك ، قال منكر ونكير : اخرج بنا من عند هذا ، ما نصنع به وقد لقن حجته ؟ قيل : يا رسول الله ، فإن لم أعرف أمه، قال : انسبه إلى حواء، وتوفي أبو إمامه رضى الله عنه، سنة إحدى وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة، ويقال: مات سنة ست وثمانين، في خلافة عبد الملك بن مروان، وقيل أنه آخر من توفى من الصحابة في الشام .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *