Share Button
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن الزكاة هى البركة والنماء والطهارة والصلاح، وإن الزكاة شرعا تطلق على الحصة المقدرة من المال التى فرضها الله تعالى للمستحقين، وإن الصدقة زكاة، والزكاة صدقة ويفترق الاسم ويتفق المسمى، ويقول الله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة التوبة ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الصدقة برهان ” وقد ورد كلمة الزكاة في القرآن الكريم وتكررت ثلاثين مرة، وقد جاءت كلمة الزكاة مقترنة بالصلاة في آية واحدة سبعا وعشرين مرة وجاءت كلمة الزكاة ثمان مرات في السور المكية وسائرها في السور المدنية، وقد ورد كلمة الصدقة والصدقات إثنا عشر مرة كلها في القرآن المدني، ومنذ فجر الإسلام بمكة كانت رعاية الفقراء والمساكين موضع عناية بالغة واهتمام مستمر من القرآن الكريم فجعل إطعام المسكين من لوازم الإيمان ففي سورة المدثر وهى من أوائل ما نزل من القرآن الكريم قول الحق سبحانه وتعالى ” كل نفس بما كسبت رهينة، إلا أصحاب اليمين، فى جنات يتساءلون، عن المجرمين، ما سلككم فى سقر، قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين، حتى آتانا اليقين “
وكان أيضا الحض على رعاية المسكين، فيقول الله عز وجل فى سورة الحاقة ” وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه، ولم أدر ما حسابيه، يا ليتها كانت القاضية، ما أغنى عنى ماليه، هلك عنى سلطانيه، خذوه فغلوه، ثم الحجيم صلوه، ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه، إنه كان لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين” ويقول المولى عز وجل فى سورة الفجر ” كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين ” وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعوته للمجتمع إلى التضامن والتعاون على رعاية المسكين والعناية بأمره، ففى سورة الماعون جعل الله عز وجل قهر اليتيم وإضاعة المسكين من لوازم الكفر والتكذيب بيوم الدين فقال الله تعالى ” أرأيت الذى يكذب بالدين، فذلك الذى يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين” وأيضا فإن هناك حق للسائل والمحروم وابن السبيل فقال الله تعالى فى سورة المعارج ” إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا، إلا المصلين، الذين هم على صلاتهم دائمون، والذين فى أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم”
وما الحق المعلوم هنا إلا أنه جزء مقسوم قد فرضوه على أنفسهم وعينوه للسائل والمحروم، فالفارق بين هذا الحق و بين الزكاة أن هذا معلوم تحديدهم وتقديرهم أنفسهم، أما الزكاة فمعلوم بتحديد الشارع وتقديره، وكان هذا قبل أن تنزل الزكاة فكان الرجل يعطى من زرعه ويعلف الدابة ويعطى اليتامى والمساكين من حوله، وأما عن الركاز فهو ما وجد مدفونا في الأرض من مال الجاهلية ، وأهل الجاهلية هم من كانوا موجودين قبل بعثة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على أي دين كانوا، وقد أوجب الشرع فيه عند استخراجه الخُمس، وهى زكاة عند بعض العلماء، وفيئا عند آخرين، والباقي لمن استخرجه إن كان استخراجه من أرض يملكها، أو من خربة أو من أرض مشتركة كالشارع وغيره، وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله ، والركاز هو المدفون في الأرض، واشتقاقه من ركز يركز، مثل غرز يغرز، إذا خفي ، يقال ركز الرمح، إذا غرز أسفله في الأرض، ومنه الركز وهو الصوت الخفى، حيث قال الله تعالى فى كتابه الكريم ” أو تسمع لهم ركزا” وإن الأصل في صدقة الركاز هو ما روى عن أبو هريرة رضى الله عنهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” العجماء جبار، وفى اركاز الخمس” وهذا الحيث متفق عليه.
وهو أيضا مجمع عليه ، وقد قال ابن المنذر، لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه فرّق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب ، فقال فيما يوجد في أرض الحرب الخمس ، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة، وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، ليس كل مدفون يكون ركازا، بل كل ما كان من دفن الجاهلية، أي من مدفون الجاهلية، ومعنى الجاهلية هو ما قبل الإسلام، وذلك بأن نجد في الأرض كنزا مدفونا، فإذا استخرجناه ووجدنا علامات الجاهلية فيه، مثل أن يكون نقودا قد علم أنها قبل الإسلام، أو يكون عليها تاريخ قبل الإسلام، أو ما أشبه ذلك، وقوله” ففيه الخمس في قليله وكثيره ” فلا يشترط فيه النصاب، لعموم قول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” وفي الركاز الخمس ” ثم اختلف العلماء في الخمس، هل هو زكاة أو فيء ؟ وبناء على اختلافهم في ” أل ” في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ” الخمس ” هل هي لبيان الحقيقة أو هي للعهد ؟ فقال بعض العلماء إنه زكاة فتكون ” أل ” لبيان الحقيقة، ويترتب على هذا القول هو أن تكون زكاة الركاز أعلى ما يجب في الأموال الزكوية.
لأن نصف العشر، والعشر، وربع العشر، وشاة من أربعين، أقل من الخمس، وأنه لا يشترط فيه النصاب، فتجب في قليله وكثيره، وأنه لا يشترط أن يكون من مال معيّن، فيجب فيه الخمس سواء كان من الذهب أو الفضة أو المعادن الأخرى، بخلاف زكاة غيره، وإن الخمس المعهود في الإسلام، وهو خمس الغنيمة الذي يكون فيئا ويصرف في مصالح المسلمين العامة، وهذا هو الراجح، لأن جعله زكاة يخالف المعهود في باب الزكاة وأما من وجد كنزا وليس عليه علامات تدل أنه من دفن الجاهلية فهو في حكم اللقطة، وينتظر عليه سنة كاملة، ثم يحل له تملكه بعدها إلا أن يُعرف صاحبه قطعا فيجب دفعه له، أو تعويضه بقيمته في وقت التصرف به، ولا يجوز البحث عن الكنوز في أراض مملوكة لأحد، لأن هذا من التصرف في مال غيره بغير حق، ومن وجد مالا في أرضِ غيره فيجب أن يدفعه لصاحب الأرض، وينبغي للعقلاء أن لا يضيعوا أعمارهم في البحث عن مثل هذه الكنوز، فإنها مضيعة للأوقات والأعمار والأموال، مع ما يترتب عليها من عقوبات من الدولة، وقد يعيش المرء دهره كله ولا يجد قطعة نقدية واحدة.
وقد يشتغل المرء في الزراعة فيحرث أرضه ويوفقه الله لوجود ما يغتني به عمره كله، وقد يسلك كثير من الناس طرقا غير شرعية لاستخراج هذه الكنوز، فبعضهم يستعين بالسحرة والكهنة والمشعوذين، وآخرون يعتمدون على اتصالهم بالجن، وكل هذه الطرق غير شرعية، وهي توجب استحقاق الإثم العظيم على فاعله، وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، أن هناك من يحضّر الجن بطلاسم يقولها، ويجعلهم يخرجون له كنوزا مدفونة في أرض القرية منذ زمن بعيد، فما حكم هذا العمل؟ فأجاب بأن هذا العمل ليس بجائز فإن هذه الطلاسم التي يحضّرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب، والشرك أمره خطير فقال الله تعالى فى كتابه العزيز ” إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار” والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم، يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق، ويغرهم بما يعطيهم من الأموال، فالواجب هو مقاطعة هؤلاء، وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب في أمثال هؤلاء أنهم يحتالون على الناس ويبتزون أموالهم بغير حق.
ويقولون القول تخرصا، ثم إن وافق القدر أخذوا ينشرونه بين الناس، ويقولون نحن قلنا وصار كذا، ونحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوى باطلة، أنها هي التي منعت هذا الشيء، وأن الذي يحمل كثيرا من الناس على الجري خلف تلك الأوهام، وطلبها من السحرة والمشعوذين وأمثالهم، هو أن نفوسهم امتلأت بحب الترف، والتعلق بأوهام الغني، من غير أسبابه، وطلب المال من غير بابه، مع ما تركب في كثير من تلك النفوس من غلبة الكسل والركون إلى البطالة، وإن الذي يحمل على ذلك في الغالب زيادة على ضعف العقل إنما هو العجز عن طلب المعاش بالوجوه الطبيعية للكسب من التجارة والفلح والصناعة فيطلبونه بالوجوه المنحرفة، وعلى غير المجرى الطبيعي من هذا وأمثاله، عجزا عن السعي في المكاسب، وركونا إلى تناول الرزق من غير تعب ولا نصب في تحصيله واكتسابه، وإني أوجه النصيحة إلى من ابتلي بهذا الأمر وأقول لهم احذروا أن تمتطوا الكذب على الناس والشرك بالله عز وجل وأخذ أموال الناس بالباطل ، فإن أمد الدنيا قريب، والحساب يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل، وأن تصححوا أعمالكم، وتطيبوا أموالكم.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *