Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الصحابى الجليل وكاتب الوحى زيد بن ثابت، وقد توقفنا عندما قرر الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان رضى الله عنهم أجمعين ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان رضى الله عنه، مَن أكتب الناس؟ فقالوا له كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيد بن ثابت، فقال، فأي الناس أعرب؟ فقالوا له، سعيد بن العاص، وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عثمان رضى الله عنه، فليُمل سعيد وليكتب زيد، واستنجدوا بالصحابى الجليل زيد بن ثابت، فجمع زيد بن ثابت أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت أم المؤمنين السيده حفصة بنت عمر رضى الله عنهما وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل، ولقد خرج الصحابى الجليل زيد بن ثابت مع قوم من الأنصار إلى غزوة بدر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رده لصغر سنه وجسمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أترابه إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، يرجون أن يضمهم للمجاهدين وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم، ونظر إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، شاكرا وكأنه يريد الاعتذار، ولكن رافع بن خديج وهو أحدهم تقدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائلا ” إني كما ترى، أجيد الرمي فأذن لي ” فأذن له، وتقدم سمرة بن جندب وقال بعض أهله للرسول ” إن سمرة يصرع رافعا ” فحياه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأذن له، وكان وقتها قد بقي ستة من الأشبال وكان منهم زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، وقد بذلوا جهدهم بالرجاء والدمع واستعراض العضلات، ولكن أعمارهم صغيرة، وأجسامهم غضة، فوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بالغزوة المقبلة، وهكذا بدأ زيد بن ثابت مع إخوانه دوره، كمقاتل في سبيل الله.
بدءا من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة، وقد شهد أيضا غزوة تبوك مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان بعد وفاة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، اجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون والأنصار لاختيار خليفة منهما، فقد قال الأنصار للمهاجرين رجل منا ورجل منكم، ولكن زيد بن ثابت كاتب الوحي قال رأيا سديدا جعل الناس جميعا ترضى بحكمه، فقال رضى الله عنه “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من المهاجرين ونحن أنصاره، وإني أرى أن يكون الإمام من المهاجرين ونحن نكون أيضا أنصاره” ولقد أسفر التخطيط السليم والجهود العملية المبذولة لاستثمار موهبة الصحابى الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه عن تحقيقه لإنجازات عظيمة، قدم من خلالها زيد بن ثابت رضي الله عنه باقة من تلك الإنجازات لدينه وأهله وقضيته، وقد انتفعت منها الأجيال اللاحقة.
وما زلنا نحن اليوم نأخذ منها الكثير وننتفع بها، فكان بعد أن تمكن زيد بن ثابت رضي الله عنه من إتقان الكتابة جيدا، فقد اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون كاتبا للوحي، ولقد تعلم رضي الله عنه اللغة السريانية التي كان اليهود يتعاملون بها قراءة وكتابة، وفي وقت قياسي وبأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أتقنها فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال “أمرني رسول الله أن أتعلم السريانية” وقد أصبح عالما بالفرائض وعلم المواريث، فكان المرجع في هذا العلم لبقية الصحابة والتابعين، وبذلك كان يمارس موهبته في الرياضيات ويخدم من خلالها أهله، فلقد كان زيد بن ثابت رضي الله عنه من علماء الصحابة، فعن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب، فقال “تنحّ يا بن عم رسول الله” فقال عبد الله “هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا ” وعبدالله بن عباس رضي الله عنه معروف مَن هو.
إنه حبر الأمة وعالمُها، وقد اختاره أمير المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لإنجاز أشرف مهمة يقوم بها إنسان، وهي كتابة القرآن الكريم كلام الله تعالى لأول مرة، بجمعه مرة واحدة في كتاب واحد، وكان العمل بمرحلتين في عهد أبي بكر رضي الله عنه وعثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه هو رئيس فريق العمل ورأس الحربة فيه، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه ” فقال أبو بكر، إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفنى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن الكريم، قلت كيف تفعلان شيئًا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر، هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذى شرح الله له صدر أبي بكر الصديق وعمر.
فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال” ولقد كان اختيار الخليفة أبي بكر الصديق، لزيد بن ثابت رضي الله عنهما شخصيا لهذه المهمة موفقا، وقد جاء هذا الاختيار وفقا لمجموعة من الأسباب، وهى أنه رضي الله عنه من كتاب الوحي أولا، وممن يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وهذا يعني أنه متخصص بنوع العمل، ويمتلك الخبرة الفنية الكافية لمباشرته، وأنه شاب موهوب، والشباب فئة عمرية تتميز بالقوة البدنية والفكرية، والنشاط الذهني الإيجابي الفعال، والصبر والمطاولة، والذاكرة الثابتة، والإقدام في العمل، والدقة في أداء الأعمال، وأن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان عاقلا، وحين وصفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالعقل لم يكن يقصد رضي الله عنه العقل العام الذي يتصف به معظم الناس ويستثنى منهم المجانين، ولكن القصد هنا إعمال العقل، ومستوى التفكير العالي لزيد بن ثابت رضي الله عنه.

وإمكانياته في تمييز وتحليل المسائل المعقدة بشكل واضح باستخدام عقله، ومستوى الأفكار الإبداعية الناتجة من استخدام العقل في العمل، وأنه غير متهم، ما يعني أن له تاريخا نظيفا ومشرفا في العمل لخدمة الإسلام ودولته، وأنه رضي الله عنه معروف بصدقه وأمانته وشدة ورعه، فلا يُختار لمثل هذه المهام المتردد وغير المؤمن بقضيته، أو الخائن، وعن عامر قال، كان فداء أهل بدر أربعين أوقية أربعين أوقية، فمن لم يكن عنده علم عشرة من المسلمين الكتابة فكان زيد بن ثابت ممن علم، لقد كان رضى الله عنه مثقفا متنوع المزايا، يتابع القرآن حفظ، ويكتب الوحي لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويتفوق في العلم والحكمة، وحين بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم، في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي، وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرته، أمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فتعلمها في وقت وجيز.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *