Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن هناك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ، فعن أنس مالك رضى الله عنه قال ، قال عمي أنس بن النضر ( سميت به ) ولم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليه فقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه .

أما والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع ، قال : فهاب أن يقول غيرها ، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام القابل ، فاستقبله سعد بن مالك فقال : يا أبا عمرو أين ؟ قال : واها لريح الجنة ، أجدها دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية .

فقالت عمتي الربيع بنت النضر : فما عرفت أخي إلا ببنانه ، ونزلت هذه الآية ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) رواه البخارى ومسلم والترمذى .

وبين أيدينا رجل من هؤلاء الرجال وصحابى من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أفقه الأمة، وأبرها قلوباً، وأقلها تكلفا، وأصحها قصوداً، وأكملها فطرة، وأتمها إدراكا، وأصفاها أذهانا، فهم شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعوا خبر أهل الكتاب عنه، بل والأخبار من الجن قبل أن يبعث .

ثم عاينوا الوحي بعد أن بعث وأحسوا بثقله، ورأوا خاتم النبوة بين كتفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم بأمور من الغيب فرأوا تحققها عياناً، ورأوا استجابة دعائه، وشموا رائحة الطيب من عرقه، وعاينوا مس يده ليناً وبرودة، وشربوا من مكان شربته في الإناء شراباً أحلى من العسل، وأطيب من المسك، وشاهدوا تكثير الطعام، وسمعوا تسبيحه وهو يؤكل بين يديه، ورأوا الماء ينبع من بين كفيه، وحنين الجذع إليه .

والتآم الشجر عليه، وشكوى البعير إليه ، وتسابق نوق الهدي إليه للنحر، وأخبار الذراع بما فيه من السم، فلا عجب أن يبلغ إيمانهم الثريا وأن يكونوا أعظم الأمة، وأفضلها منزلة، وأن تكون استنباطاتهم أفضل من استنباطات غيرهم، وأن يكون قولهم حجة، يُحتج بها، وإجماع الصحابة ليس فوقه مرتبة من بعد الرسول الكريم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن أحدنا أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ في الأجر مد أحدهم، ولا نصفه.

والصحابى عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرجي الأنصاري ، قد شهد بيعة العقبة الأولى وهو أحد الخمسة الأول من الأنصار الذين شاركوا في جمع القرآن في عهد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اشتهر بأنه لا يخاف في الحق لومة لائم، فقد خالف معاوية في عهد الخليفة عثمان بن عفان عندما ذهب إلى الشام يثقف أهلها.

وقد ولد عبادة بن الصامت في المدينة قبل الهجرة بثمانٍ وثلاثين سنة، فهو أصغر من رسول الله بخمسة عشر عامًا ، وأبوه الصامت بن قيس لم يدرك الإسلام، وتُوفي على دين قومه، أما أُمه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك من الخزرج، فقد أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عبادة بن الصامت رضى الله عنه من أوائل الذين أسلموا من الأنصار، وذلك في السنة العاشرة من بعثة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .

أي قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ومنذ أن أسلم عبادة بن الصامت رضى الله عنه ارتبط برسول الله ارتباطا وثيقا، وتعلق به تعلقا شديدا، فلم يكن من مشهد من مشاهد الإسلام إلا وحضره، ولم يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة، ولم يسرى إلى مكان إلا وكان معه، وقد روِي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وواحد وثمانون حديثا.

وعبادة بن الصامت رضى الله عنه من الرعيل الأول الذي عاش خير حياته وأعظمها وأثراها مع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، الرعيل الذي صهره النضال وصقلته التضحية، وعانق الإسلام رغبا لا رهبا، وباع نفسه وماله ، وقد استعمله رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ،على الصدقات .

وقال له: “اتقِ الله، ألا تأتي يوم القيامة ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثُؤَاج” فقال عبادة رضى الله عنه فوالذي بعثك بالحق، لا أعمل عمل اثنين ، وبايع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على ألا يخاف في الله لومة لائم ، وكانت بطولاته العسكرية قد تجلت في مواطن كثيرة .

فعندما طلب عمرو بن العاص رضى الله عنه مددا من الخليفة لإتمام فتح مصر، أرسل إليه أربعة آلاف رجل، على رأس كل منهم قائد حكيم، وصفهم الخليفة قائلا: “إني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجل بألف رجل”. وكان عبادة بن الصامت رضى الله عنه واحدا من هؤلاء الأربعة الأبطال.

وكان عبادة بن الصامت رضى الله عنه ممن بايعوا رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الأولى، أو كما عرفت ببيعة النساء ، قال عبادة بن الصامت رضى الله عنه : “كنت ممن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلا، فبايعنا رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء .

وذلك قبل أن تفترض الحرب، على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم ذلك فأمركم إلى الله ، إن شاء عذَّب وإن شاء غفر” وتمت بيعة العقبة الثانية التي فيها النصر والحماية، وقال نبي الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : “أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم”.

فقالوا: يا رسول الله، نبايعك. فقال: “تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والنفقة في العسر واليسر، لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة”. فبايعوه على ذلك .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: “أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس” فكان عبادة بن الصامت رضى الله عنه أحد نقباء الخزرج ، وعندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أرادات الأنصار ان يكون سعد بن عباده هو خليفة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن المهاجرين رفضوا ذلك .

وكان أبو بكر الصديق في طائفة من المدينة، فجاء فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وقال أبو بكر الصديق: فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا، مات محمد صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة ، ثم انطلق أبو بكر وعمر رضى الله عنهما يتقاودان حتى أتوهم، فتكلم أبو بكر ولم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره.

وقال: ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا سلكت وادي الأنصار” ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: “قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم” فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء.

ولمّا حضرت عبادة رضى الله عنه الوفاة قال “أخرجوا فراشي إلى الصحن”، ثم قال: “اجمعوا لي مواليَّ وخدمي وجيراني، ومن كان يدخل عليَ”. فجُمِعوا له .

فقال: “إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي عليَ من الدنيا، وأول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعلّه قد فرط منّي إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو ” والذي نفس عبادة بيده ” القِصاص يوم القيامة، وأحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي”. فقالوا: بل كنت مؤدبا. قال: “اللهم اشهد”.

ثم قال: “أمّا لا، فاحفظوا وصيتي: أُحرج على إنسانٍ منكم يبكي عليَ، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا وأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كلّ إنسان منكم المسجد فيصلي ثم يستغفر (لعُبَادة) ولنفسه ، فإن الله تبارك وتعالى قال: ( واستعينوا بالصبر والصلاه )

وقال ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تُتبعني نار، ولا تضعوا تحتي أرجوانا ، وكانت وفاته رضى الله عنه سنة أربعه وثلاثون من هجرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بمدينة الرملة في فلسطين، وهو يناهز الاثنين وسبعين عاما.

فهؤلاء الذين فتحوا الأمصار، وأخبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، أنها ستفتح لأجل الصحابة، ولأجل من صحبهم، ولأجل من صحب من صحبهم، أفضلية القرون الثلاثة الأولى، فمكانتهم عند الله عظيمة، فإن الله سبحانه وتعالى أحيا والد جابر، وكلمه كفاحا بعدما استشهد .

وقال: ” يا عبدي، تمن علي أعطك، قال: يا رب تحييني، فأقتل فيك ثانية، قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني: أنهم إليها لا يرجعون” . فرضى الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *