Share Button
إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع الصحابى الجليل عقبة بن عامر الجهنى، وقد توقفنا مع مسجده بالقاهره، ويحيط بجدران المسجد مجموعة من الشبابيك الجصية المحلاة بالزجاج الملون، وبالقبة قبر عقبة بن عامر، وهي في الركن الغربي القبلي للمسجد، وعليها مقصورة خشبية وهي منقوشة من الداخل، وتعتبر قبة عقبة من أجمل وأكبر القباب التي أنشئت في العصر العثمانى فهى مضلعة من الخارج أما رقبتها فقد كسيت ببلاطات القيشانى، والقبة منقوشة من الداخل برسوم زيتية، ومكتوب على الإزار الخشبي الذي يحيط بجدران المربع كأية الكرسى، وعلى القبر مقصورة خشبية وأمامه شاهد من الرخام نقش على أحد وجهيه آية الكرسى وعلى الوجه الآخر ما نصه ” هذا مقام العارف بالله تعالى الشيخ عقبة بن عامر الجهنى الصحابى رضى الله عنه وقد جدد هذا المكان المبارك الوزير محمد باشا سلحدار، في سنة ألف وستة وستين.
وفى داخل القبة يوجد قطعة من حجر أسود لماع، ويدعى سدنة الضريح أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع قدمه عليها، وكذلك أنشأ محمد باشا السلحدار بجوار جامع سيدى عقبة زاوية جعلها مكتبا لتعليم اليتامى القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وتشتمل الزاوية على، محراب دائرى مبنى بالحجر الفضى النحيت الأحمر وعلى جانبيه شباكان من النحاس الأصفر، ويعلو المحراب نافذة، مستديرة مملوءة بالخشب الخرط الجميل كما أنشأ سبيلا كسى أرضه بالرخام المتعدد الألوان، أما صهريج السبيل فيقوم على أربعة عقود ويتوسطه قبة وبيارة على فوهتها خرزتان، تعلو أحدهما الأخرى العليا من الرخام والسفلى من الحجر وبجانب البيارة حاصل للماء يصل منه الماء إلى حوضى المزملتين، الكبرى منهما فرشت أرضيتها بالرخام الملون النفيس والأخرى يجرى اليها الماء في مجرى من الرصاص، وأما عن الصحابى عقبة بن عامر.
فقد روى الإمام مسلم بسنده عن عقبة بن عامر، أنه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا في غنم لي أرعاها فتركتها ثم ذهبت إليه، فقال بايعني، فبايعته على الهجرة، وذكر ابن سعد في الطبقات، أنه عندما بايع عقبة النبي صلى الله عليه وسلم سأله النبي صلى الله عليه وسلم، بيعة عربية تريد أم بيعة هجرة؟ فقال بل بيعة هجرة، فبايعني على الهجرة وأقمت، بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأخذ بزمام بغلته ويقودها في الأسفار، وكان عقبة قارئا فقيها عالما بالفرائض شاعرا فصيح اللسان، وقائدا من قادة الفتح المرموقين وواليا من ولاة الإسلام المعدودين، وقد جعل عقبة همه في أمرين اثنين، هم العلم والجهاد، وانصرف إليهما بروحه وجسده، وبذل لهما من ذاته أسخى البذل وأكرمه، وكان عقبة من أحسن الناس صوتا بالقرآن الكريم، فتصغى لترتيله أفئدة الصحابة الكرام، وتخشع له قلوبهم وتفيض عيونهم بالدمع من خشية الله.
وقال أبى عبد الرحمن الجبلى أن عقبة بن عامر كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، حتى قال له عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أعرض عليا شيئا من كتاب الله يا عقبة، فقرأن فبكى عمر بن الخطاب، حتى بللت دموعه لحيته، وقد شهد عقبة رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدا وما بعدها من الغزوات، وكان أحد الكماة الأشاوس المغاوير، الذين أبلوا يوم فتح دمشق أعز البلاء وأعظمه، فكافأه أبو عبيدة بن الجراح على حسن بلائه بأن بعثه بشيرا إلى عمر بن الخطاب في المدينة ليبشره بالفتح، فظل ثمانية أيام بلياليها من الجمعة إلى الجمعة يغذ السير دون انقطاع، حتى بشر الفاروق عمر بالفتح العظيم، ثم إنه كان أحد قادة جيوش المسلمين التي فتحت مصر فكافأه أمير المسلمين معاوية بن أبي سفيان بأن جعله واليا عليها ثلاث سنوات، ثم وجهه لغزو جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط، وقد بلغ ولع عقبة بالجهاد فى سبيل الله.
أنه وعى أحاديث الجهاد في صدره واختص بروايتها إلى المسلمين، كما كان عقبة من رواة الحديث، وروى عنه من الصحابة جابر، وابن عباس، وأبو أمامة، ومسلمة بن مخلد، وأما رواته من التابعين فكثيرون، ويقول الناسخ بن غنيم قال ابن الجوزي في كشف المشكل، أنه جملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خمسة وخمسون حديثا، وقد أخرج له في الصحيحين سبعة عشر حديثا، وكان عقبة ولع بالجهاد والرماية إلى درجة أنه كان إذا أراد أن يتلهى تلهى بالرمى وفي عهد الخليفة أبو بكر الصديق فقد خرج عقبة إلى فتوح الشام، وفي عهد عمر بن الخطاب كان البشير إلى المدينة بفتح دمشق، ثم وقف مع معاوية بن أبي سفيان أيام الفتنة، وقد ولاه معاوية بن أبى سفيان مصر، خلفا لأخيه عتبة بن أبي سفيان، فسار فيها أحسن سيرة حتى بعثه معاوية لفتح رودس، وبعث مسلمة بن مخلد الأنصاري خلفا له على مصر، ودامت ولاية عقبة على مصر سنتين وثلاثة أشهر.
ثم شارك بعد ذلك في حصار القسطنطينية تحت إمرة يزيد بن معاوية، ولما مرض عقبة بن عامر مرض الموت الذى مات فيه، فقيل أنه جمع بنيه فأوصاهم فقال لهم يا بنى أنهاكم عن ثلاث فاحتفظوا بهن لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثقة، ولا تستدينوا ولو لبستم العباء وهو كساء مفتوح من الأمام، ولا تكتبوا شعرا فتشغلوا له قلوبكم عن القرآن، وتوفي عقبة بن عامر سنة ثمانى وخمسين من الهجرة ودُفن بجبانة المقطم بالقاهرة، وقبره معروف ومشهور، وكان أوصى قبل موته بسبعين فرس بجعابها ونبالها في سبيل الله، وقد روى عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة وخمسين حديثا، أكثرها رواها عنه المصريون، ولقد كان عقبة بن عامر وقبيلة جهينة في طلائع الجيش العربي الإسلامي الذي انطلق لفتح الشام في شهر صفر فى العام الثالث عشر هجرية، وقال ابن سعد فلمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ندب الخليفة أبو بكر الصديق رضى الله عنه، إلى الشام فخرج عقبة بن عامر فشهد فتوح الشام، وكان عقبة بن عامر وقبيلته في الجيش الرابع الذي تولى قيادته عمرو بن العاص في فتح غزة ومناطق من فلسطين ثم اجتمعت الجيوش الأربعة في موقعة اليرموك وغيرها، وفي فتح دمشق في شهر رجب فى العام الرابع عشر من الهجرة، كان عقبة بن عامر أحد الصحابة الذين تسلموا ودخلوا مدينة دمشق يوم افتتاحها، وقال ابن حجر، وشهد عقبة بن عامر الفتوح، وكان هو البريد إلى عمر بفتح دمشق، وكان لعقبة بن عامر إسهاما وافرا في الفتح العربي الإسلامي لمصر بمعية عمرو بن العاص، وقد كان له دور بارز في فتوح البهنسا في صعيد مصر وجنوبها، وقال الواقدي كان في القلب أى قلب الجيش، عمرو وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر الجهني وبقية الصحابة من الأمراء أصحاب الرايات ممن شهد الوقائع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *