Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع الخليفه الراشد عمر بن عبد العزيز وقد وقفنا عندما أجابه الحسن البصرى عن الإمام العدل، وقال له فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملَّكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدَّد وشرَّد العيال، فأفقر أهله وفرَّق ماله، وقد أحبّ عمر أهل البيت وأعاد إليهم حقوقهم، وقال مرة لفاطمة بنت علي بن أبي طالب: يا بنت علي، والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحبّ إليَّ منكم، ولأنتم أحب إليَّ من أهل بيتي، وقد بدأ عمر بن عبد العزيز برد المظالم بنفسه، وقد روى ابن سعد: لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال: إنه لينبغي أن لا أبدأ بأول من نفسي، فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع، فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم، فقال: هذا مما كان الوليد بن عبد الملك أعطانيه.

وكان ذلك مما جاءه من أرض المغرب، فخرج منه، وقد بلغ به حرصه على التثبت أنه نزع حلي سيفه من الفضة، وحلاه بالحديد، قال عبد العزيز بن عمر: كان سيف أبي محلى بفضة فنزعها وحلاه حديدا، وكان خروجه مما بيده من أرض أو متاع بعدة طرق كالبيع، فلما استخلف نظر إلى ما كان له من عبد، وإلى لباسه وعطره وأشياء من الفضول، فباع كل ما كان به عنه غني، فبلغ ثلاثة وعشرين ألف دينار، فجعله في السبيل، أو عن طريق ردها إلى أصحابها الأصليين، وهذا ما فعله بالنسبة للقطائع التي أقطعه إياها قومه، كما أرجع عمر للرجل المصري أرضه بحلوان بعد أن عرف أن والده عبد العزيز قد ظلم المصري فيها، وحتى الدار التي كان والده عبد العزيز قد اشتراها من الربيع بن خارجة.

وهو الذي كان يتيماً في حجره، ردها عليه، لعلمه أنه لا يجوز اشتراء الولي ممن يلي أمره، ثم التفت إلى المال الذي كان يأتيه من جبل الورس باليمن، فرده إلى بيت مال المسلمين مع شدة حاجة أهله إلى هذا المال، كما أمر مولاه مزاحماً برد المال الذي كان يأتيه من البحرين كل عام إلى مال الله، وإذا كان عمر قد بدأ بنفسه في رد المظالم، فقد ثنّى ذلك بأهل بيته وبني عمومته من الأمويين، فقد رأى أن الأمويين أدخلوا الكثير من مظاهر السلطان التي لم تكن موجودة على عهد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أو خلفائه الراشدين، فأنفقوا الكثير من المال من أجل الظهور بمظاهر العظمة والأبهة أمام رعيتهم، وفوجيء بتلك الثياب الجديدة وقارورات العطر والدهن التي أصبحت له بحجة أن الخليفة الراحل لم يصبها.

فهي من حقه بصفته الخليفة الجديد، فأمر مولاه مزاحماً فور تقديم هذه الزينة له ببيعها، وضم ثمنها إلى بيت مال المسلمين، ولقد كانت لعمر سياسة محددة في رد مظالم بني أمية، فحين وفد عليه أفراد البيت الأموي عقب انصرافه من دفن سليمان، وسألوه ما عودهم الخلفاء الأمويون من قبله، أراد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز أن يردهم عن أبيه، فقال له عمر: وما تبلغهم؟ قال: أقول: أبي يقرئكم السلام ويقول لكم: ” قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم ” ثم اتجه إلى أبناء البيت الأموي، فجمعهم وطلب إليهم أن يُخرجوا ما بأيدهم من أموال وإقطاعات أخذوها بغير حق، ولم تمض سوى أيام معدودات حتى وجد بنو أمية أنفسهم مجردين إلا من حقهم الطبيعي المشروع.

وعندما عجز الرجال من بني أمية عن جعل عمر بن عبد العزيز يخاف أو يلين عن سياسته إزاءهم، لجأوا إلى عمته فاطمة بنت مروان، فلما دخلت عليه عظمها وأكرمها كعادته، وألقى لها وسادة لتجلس عليها، فقالت: إن قرابتك يشكونك ويذكرونك أنك أخذت منهم خير غيرك، قال: ما منعتهم حقاً أو شيئاً كان لهم، ولا أخذت منهم حقاً أو شيئاً كان لهم، فقالت: إني رأيتهم يتكلمون، وإني أخاف أن يهيجوا عليك يوماً عصيباً، فقال: كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره، فدعا بدينار وجنب ومجمرة، فألقى ذلك الدينار بالنار، وجعل ينفح على الدينار فإذا احمرّ تناوله بشيء، فألقاه على الجمر فنشى وقتر، فقال: أي عمة، أما ترثين لابن أخيك من هذا؟

ثم قال: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم، رحمة ولم يبعثه عذاباً إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده وترك للناس نهراً شربهم فيه سواء، ثم ولي أبو بكر الصديق، وترك النهر على حاله، ثم ولي عمر بن الخطاب، فعمل عملهما، ثم لم يزل النهر يستقي منه يزيد ومروان وعبد الملك وابنه الوليد وسليمان أبناء عبد الملك حتى أفضى الأمر إلي وقد يبس النهر الأعظم، فلم يُروَ أصحابه حتى يعود إلى ما كان عليه، فقالت: حسبك، قد أردت كلامك، فأما إذا كانت مقالتك هذه فلا أذكر شيئاً أبداً، فرجعت إليهم فأخبرتهم كلامه، وجاء في رواية أنها قالت لهم: أنتم فعلتم هذا بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب فجاء يشبه جده، فسكتوا.

ويقال أن مرة بعث إليه واليه على البصرة برجل اغتصب أرضه، فرد عمر هذه الأرض إليه ثم قال له: كم أنفقت في مجيئك إلي؟ قال: يا أمير المؤمنين، تسألني عن نفقتي وأنت قد رددت علي أرضي وهي خير من مائة ألف؟ فأجابه عمر: إنما رددت عليك حقك، ثم ما لبث أن أمر له بستين درهماً تعويضاً له عن نفقات سفره، وقال ابن موسى: ما زال عمر بن عبد العزيز يردّ المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات، وذات يوم قدم عليه نفر من المسلمين وخاصموا روح بن الوليد بن عبد الملك في حوانيت، وقد قامت لهم البينة عليه، فأمر عمر روحاً برد الحوانيت إليهم، ولم يلتفت لسجل الوليد، فقام روح فتوعدهم، فردع رجل منهم وأخبر عمر بذلك، فأمر عمر صاحب حرسه أن يتبع روحاً.

فإن لم يردّ الحوانيت إلى أصحابها فليضرب عنقه، فخاف روح على نفسه وردّ إليهم حوانيتهم، وردّ عمر أرضاً كان قوم من الأعراب أحيوها، ثم انتزعها منهم الوليد بن عبد الملك فأعطاها بعض أهله، فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ” من أحيا أرضاً ميتة فهي له ” وهكذا كان الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز واحدًا ممن حفروا أسمائهم بأحرف من ذهب، وذلك بسبب أعماله العظيمة وإدارته المثالية للدولة، فقد اشتهرت فترة حكمه بالعدل والرخاء، وقد امتلك هذا الخليفة عدة صفات أهلته لجعل فترة حكمه بالرغم من قصرها من أشهر فترات الحكم في التاريخ الإسلامي، وجعلته مضرباً للمثل حتى لقب بالخليفة الراشدي الخامس.

وكانت من أبرز الملامح والصفات للخليفه الراشد عمر بن عبد العزيز هو الخوف من الله، ومما يروى في الحوار الذي دار بينه وبين زوجته فاطمة أنها دخلت عليه فوجدته حزيناً كثير التفكر، حيث تقول زوجته السيده فاطمه : دخلت عليه يومًا، وهو جالس في محرابه، متأملاً خاشعاً، ودموعه تسيل على وجهه، فقلت: ما لك؟ فقال: ويحك يا فاطمة، قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، فتفكرت في: الفقيرالمسكين، والمريض الجائع، والعاري المتعب، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، وأشباههم في أمصار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن الله سبحانه وتعالى سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فخشيت أن لا يثبت لي حجة عند خصومته، فتذكرت ذلك، فبكيت، وكان أيضا من صفاته الكريمه هو الاعتصام بالكتاب والسنة، وعزمه على تنفيذ ما جاء فيهما، وإعلان ذلك للناس حيث خطب فيهم وأخبرهم أنه سيسير بهم متمسكاً بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحرص على العلم، ومما يدل على اهتمامه بالعلم وانشغاله به ما حصل بينه وبين والده، حين تولى والده إمارة مصر وكان عمر وقتها شاباً صغيراً، فأراد أبوه أخذه معه إلى مصر، فقال له عمر: يا أبتِ أو غير ذلك لعله يكون أنفع لي ولك ؟ قال: وما هو ؟ قال: أذهب إلى المدينة فأقعد إلى فقهائها، وأتأدب بآدابهم، فعند ذلك وافق والده على ذهابه إلى المدينة النبوية، فقعد مع العلماء وأهل الأدب واللغة حتى تعلم منهم واشتهر ذكره بينهم.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *