Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

إن الجهاد في سبيل الله عز وجل، الذي هو قتال الكفار هو ذورة سنام الإسلام ، وبه قام هذا الدين وارتفعت رايته، وهو من أعلى القربات وأجل الطاعات، وهو شرع لإعلاء كلمة الله تعالى وتبليغ دعوته للناس كافة، وهناك الآيات الكثيرة والأحاديث النبوية الشريفه الدالة على هذا الفضل، فيقول الله تعالى ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) سورة التوبة.

وإن من أسباب معركة ذات السلاسل، هو قيل إنه بعد انتهاء حروب الردّة، قام رجل من المسلمين اسمه المثنى بن حارثة الشيباني بالإغارة على أطراف العراق، التي كانت تقع تحت حكم الدولة الساسانية الفارسية، فلما علم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، بأمر المثنى بن حارثة الشيباني سأل الصحابة الكرام عنه، فأثنى عليه قيس بن عاصم المنقري، فجاء المثنى بن حارثة الشيباني إلى المدينة، وطلب من أبي بكر الصديق أن يجعله على من أسلم من قومه ليكون قائدهم في قتال الفرس في العراق.

فوافق أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأمر خالد بن الوليد أن يجمع جيش المسلمين الذي قاتل المرتدين في معركة اليمامة ويسير إلى العراق، ثم أمر المثنى بطاعة قائد المسلمين خالد بن الوليد، فسار الجيش الإسلامي سنة اتنى عشر للهجرة، وكان عدد جيش خالد عشرة آلاف مقاتل وعدد جيش المثنى ثمانية آلاف مقاتل، وكان هذا أبرز ما ورد في أسباب معركة ذات السلاسل

وكان هرمز قائد رجلا متكبرا وأهوجا، لا يستمع إلا لصوت نفسه فقط، حيث رفض الاستماع لنصائح قواده، وأصر على أن يربط الجنود أنفسهم بالسلاسل، حتى لا يفروا من أرض المعركة، كناية عن القتال حتى الموت، لذلك فقد سميت المعركة بذات السلاسل، وكان أول وقود المعركة وكما هو معتاد وقتها أيام الحروب أن يخرج القواد للمبارزة، كان أول الوقود عندما خرج القائد الفارسي هرمز لمبارزة القائد المسلم خالد بن الوليد، وكان هرمز كما قيل عنه، شديد الكفر والخيانة، فاتفق مع مجموعة من فرسانه على أن يهجموا على خالد ويفتكوا به أثناء المبارزة.

وبالفعل خرج المسلم للقاء الكافر، وبدأت المبارزة، ولم يعهد أو يعلم عن خالد بن الوليد أنه هزم قط في مبارزة طوال حياته قبل الإسلام وبعده، وقبل أن تقوم مجموعة الغدر بجريمتهم الشريرة فطن أحد أبطال المسلمين الكبار لذلك، وهو البطل المغوار القعقاع بن عمرو، صنو خالد في البطولة والشجاعة، فخرج من بين الصفوف مسرعا، وانقض كالأسد الضاري على مجموعة الغدر فقتلهم جميعا، وفي نفس الوقت أجهز خالد بن الوليد على الخائن هرمز وذبحه كالنعاج، وكان لذلك الأمر وقعا شديدا في نفوس الفرس، حيث انفرط عقدهم، وانحل نظامهم لمقتل قائدهم، وولوا الأدبار.

وركب المسلمون أكتافهم، وأخذوا بأقفيتهم، وقتلوا منهم أكثر من ثلاثين ألفا، وغرق الكثير في نهر الفرات، وقتل المربطون بالسلاسل عن بكرة أبيهم، وكانت هزيمة مدوية على قوى الكفر وعباد النار، وفر باقي الجيش لا يلوى على شيء، ولم تنته فصول المعركة عند هذا الحد، فمدينة الأبلة لم تفتح بعد، وهناك جيوش قوية ترابط بها للدفاع عنها حال هزيمة جيوش هرمز وقد كانت، ووصلت فلول المنهزمين من جيش هرمز وهى في حالة يرثى لها من هول الهزيمة، والقلوب فزعة ووجلة، وانضمت هذه الفلول إلى جيش قارن بن قرباس المكلف بحماية مدينة الأبلة.

وقد أخبروه بصورة الأمر فامتلأ قلبه هو الآخر فزعاً ورعبا من لقاء المسلمين، وأصر على الخروج من المدينة للقاء المسلمين خارجها، وذلك عند منطقة المذار، وإنما اختار تلك المنطقة تحديدا لأنها كانت على ضفاف نهر الفرات، وكان قد أعد أسطولا من السفن استعدادا للهرب لو كانت الدائرة عليه، وكانت فلول المنهزمين من جيش هرمز ترى أفضلية البقاء داخل المدينة والتحصن بها، وذلك من شدة فزعهم من لقاء المسلمين في الميدان المفتوح، وكان القائد المحنك خالد بن الوليد يعتمد في حروبه دائماً على سلاح الاستطلاع الذي ينقل أخبار العدو أولاً بأول.

وقد نقلت له استخباراته أن الفرس معسكرون بالمذار، فأرسل خالد للخليفة أبو بكر يعلمه بأنه سوف يتحرك للمذار لضرب المعسكرات الفارسية هناك ليفتح الطريق إلى الأبلة، ثم انطلق خالد بأقصى سرعة للصدام مع الفرس، وأرسل بين يديه طليعة من خيرة الفرسان، يقودهم أسد العراق المثنى بن حارثة، وبالفعل وصل المسلمون بسرعة لا يتوقعها أحد من أعدائهم، وعندما وصل المسلمون إلى منطقة المذار أخذ القائد خالد بن الوليد يتفحص المعسكر، وأدرك بخبرته العسكرية، وفطنته الفذة أن الفزع يملأ قلوب الفرس، وذلك عندما رأى السفن راسية على ضفاف النهر.

وعندها أمر خالد المسلمين بالصبر والثبات في القتال، والإقدام بلا رجوع، وكان جيش الفرس يقدر بثمانين ألفا، وجيش المسلمين بثمانية عشر ألفا، وميزان القوى المادي لصالح الفرس، وخرج قائد الفرس قارن وكان شجاعا بطلا، وطلب المبارزة من المسلمين فخرج له رجلان خالد بن الوليد وأعرابي من البادية، لا يعلمه أحد، اسمه معقل بن الأعشى الملقب بأبيض الركبان لمبارزته، وسبق الأعرابي خالدا، وانقض كالصاعقة على قارن وقتله في الحال، وخرج بعده العديد من أبطال الفرس وقادته فبارز عاصم بن عمرو القائد الأنوشجان فقتله، وبارز الصحابي عدى بن حاتم القائد قباذ فقتله في الحال، وأصبح الجيش الفارسي بلا قيادة.

وكان من الطبيعي أن ينفرط عقد الجيش الفارسي بعد مصرع قادته، ولكن قلوبهم كانت مشحونة بالحقد والغيظ من المسلمين، فاستماتوا في القتال على حنق وحفيظة، وحاولوا بكل قوتهم صد الهجوم الإسلامي ولكنهم فشلوا في النهاية تحت وطأة الهجوم الكاسح، وانتصر المسلمون انتصاراً مبينا، وفتحوا مدينة الأبلة، وبذلك استقر الجنوب العراقي بأيدي المسلمين، وسيطروا على أهم مواني الفرس على الخليج، وكان هذا الانتصار فاتحة سلسلة طويلة من المعارك الطاحنة بين الفرس والمسلمين على أرض العراق كان النصر فيها حليفا للمسلمين في جملتها، وانتهت بسقوط مملكة عباد النار.

وفى حق الشهداء فى سبيل الله، يقول الله تعالى ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ) سورة آل عمران، ويقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عندما سئل : أي العمل أفضل ؟ فقال : ” إيمان بالله ورسوله ” قيل : ثم ماذا ؟ قال :” الجهاد في سبيل الله ” رواه البخارى ومسلم .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *