Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

إن الجهاد في سبيل الله تعالى من أفضل ما تقرب به المتقربون الى الله عز وجل، وتنافس فيه المتنافسون، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من إعلاء كلمة الله، ونصر دينه سبحانه وتعالى، ونصر عباده المؤمنين، وقمع الظالمين والمنافقين الذين يصدون الناس عن سبيله، ويقفون في طريقه، ولما يترتب عليه أيضا من إخراج العباد من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وغير ذلك من المصالح التي تخص المؤمنين، وتعم الخلائق أجمعين.

فكانت معركة ذات السلاسل، أولى المعارك التي دارت بين الخلفاء الراشدين والدولة الساسانية الفارسية، ودارت المعركة في الكويت، فى منطقة كاظمة بعد فترة وجيزة من حروب الردة في شرق الجزيرة العربية التي كانت قد أصبحت تحت حكم أبو بكر، وكانت أيضا أولى معارك الخلفاء الراشدين والتي سعى فيها جيش المسلمين لتوسيع حدود دولتهم، وكانت السلاسل تُستعمل من قبل جيش الفرس لربط الجنود في المعركة وكانت تستخدم لربط ثلاثة أو خمسة أو حتى عشرة جنود، ليس خشية من هروب الجنود من المعركة.

بل كانت بمثابة مصدر قوة لإظهار الشجاجة والتأكيد على رغبة الجنود في الموت في ميدان المعركة أكثر من رغبتهم في طلب النجاة والفرار وقد كانت السلاسل تقلل إمكانية اختراق صفوفهم وكان لدى السلاسل سيئة رئيسة، وهي أنها تصبح قيدا على الجنود عندما يكونون مقيدين بزملائهم الصرعى، ومن هنا جاء اسم المعركة والتي تعرف أيضا بموقعة السلاسل.

فبعد أن انتهى الخليفة أبو بكر الصديق رضى الله عنه، من القضاء على حركة الردة التي وقعت بأرض العرب، قرر أن يتفرغ للمهمة الأكبر وهى نشر الدين الإسلامي بعد أن مهد الجبهة الداخلية، وقضى على هذه الفتنة، وكان أبو بكر يفكر في الجبهة المقترحة لبداية الحملات الجهادية، وكانت الدولة الإسلامية تقع بين فكي أقوى دولتين في العالم وقتها، دولة الفرس المجوسية من ناحية الشرق بأرض العراق وإيران، ودولة الروم الصليبية من ناحية الشمال بأرض الشام والجزيرة.

وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه يفضل الجبهة الشامية على الجبهة العراقية، ولكنه فضل البدء بدولة الفرس لقوتها وشدة بأسها، وأيضا لكفرها الأصلي، فهي أشد كفرا من دولة الروم الذين هم أهل كتاب، وأخيرا استقر رأى الخليفة على البدء بالجبهة العراقية، وكان قائد معركة ذات السلاسل، هو خالد بن الوليد بن المغيرة أبا سليمان، وهو المُلقب بسيف الله المسلول وأحد صحابة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والمعروف بالذكاء والدهاء العسكري وكان قائد جيش المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلافة الراشدة من بعده .

وأصبحت الجزيرة العربية ولأول مرة في تاريخها، كيانا سياسيا مستقلا تحت قيادة خالد بن الوليد العسكرية، وخاض العديد من المعارك والغزوات الإسلامية منها فتح الإمبراطورية الرومانية ومعركة اليرموك، فبعد أن انتهى خالد بن الوليد والمسلمين معه من حربه على المرتدين من بني حنيفة أتباع مسيلمة الكذاب جائته الأوامر من الخليفة أبى بكر بالتوجه إلى الأراضي العراقية.

مع عدم إكراه أحد من المسلمين على مواصلة السير معه إلى العراق، ومن أحب الرجوع بعد قتال المرتدين فليرجع، فانفض كثير من الجند، وعادوا إلى ديارهم، ليس خوفا ولا فرارا من لقاء الفرس ولكن تعبا وإرهاقا من حرب الردة، فلم يبقى مع خالد سوى ألفين من المسلمين، ووضع الخليفة أبو بكر الصديق رضى الله عنه، خطة عسكرية هجومية، حيث أمر قائده خالد بن الوليد أن يهجم على العراق من ناحية الجنوب.

وفي نفس الوقت أمر قائدا آخر لا يقل خبرة عن خالد بن الوليد وهو عياض بن غنم الفهرى أن يهجم من ناحية الشمال، في شبه كماشة على العدو، ثم قال لهما: من وصل منكما أولا إلى الحيرة واحتلها فهو الأمير على كل الجيوش بالعراق، فأوجد بذلك نوعا من التنافس الشريف والمشروع بين القائدين، يكون الرابح فيه هو الإسلام، وبعد أن تلقى قائد معركة ذات السلاسل خالد بن الوليد الكتاب من الخليفة أبي بكر الصديق شرع بالإعداد والتحضير للمعركة، فقام بتشكيل جيش جديد فانطلقت خيالة قائد معركة ذات السلاسل خالد بن الوليد لدعوة الشجعان من الرجال لحمل السلاح لأجل المعركة.

معظمهم ممن اشترك مع خالد بن الوليد في حروب الردة، وفي غضون أسابيع قليلة كان لدى قائد معركة ذات السلاسل خالد بن الوليد جيشا جاهزا للزحف يتألف من عشرة آلاف مقاتل كما قام الخليفة أبو بكر الصديق بالكتابة إلى أربعة من أمراء المسلمين المميزين لتحضير جيوشهم والعمل تحت قيادة قائد معركة ذات السلاسل خالد بن الوليد الذي كتب إليهم أيضا يأمرهم أن يأتوا إليه مع جيوشهم في منطقة الأُبلة لينطلق قائد معركة ذات السلاسل خالد بن الوليد بجيش قوامه ثمانية عشر ألف محارب، وهو أكبر تجمع لجيش المسلمين، فكانت أول مدينة قصدها خالد بن الوليد هي مدينة الأبلة.

وكانت ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حيث أنها ميناء الفرس الوحيد على الخليج العربي، ومنها تأتى كل الإمدادات للحاميات الفارسية المنتشرة بالعراق، وكانت هذه المدينة تحت قيادة أمير فارسي كبير الرتبة اسمه هرمز، وقد اشتق من اسمه اسم المضيق القائم حاليا عند الخليج العربي، وكان رجلا شريرا متكبرا، شديد البغض للإسلام والمسلمين، وللجنس العربي بأسره، وكان العرب بالعراق يكرهونه بشدة، ويضربون به الأمثال فيقولون: أكفر من هرمز، اخبث من هرمز؟ وذلك لشدة بأسه .

فلما وصل خالد بن الوليد بالجيوش، الإسلامية هناك، وكان تعداد هذه الجيوش قد بلغ ثمانية عشر ألفا بعد أن طلب الإمدادات من الخليفة، أرسل برسالة للقائد هرمز تبين حقيقة الجهاد الإسلامي، وفيها أصدق وصف لجند الإسلام، حيث جاء في الرسالة: “أما بعد فأسلم تسلم، أو اعتقد لنفسك ولقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فلقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة.

وكان الرد أن هرمز رفض الرسالة الإسلامية التي تدعوه إلى الإسلام أو الجزية، ويختار بيده مصيره المحتوم، ويرسل إلى كسرى يطلب الإمدادات، وبالفعل يرسل كسرى إمدادات كبيرة جدا، ويجتمع عند هرمز جيش جرار عظيم التسليح، ويبنى هرمز خطته على الهجوم على مدينة كاظمة ظنا منه أن المسلمين سوف يعسكرون هناك، ولكنه يصطدم أمام العقلية العسكرية الفذة للقائد خالد بن الوليد.

فقام خالد بن الوليد بما يعرف في العلوم العسكرية الحديثة بحرب استنزاف، ومناورات مرهقة للجيش الفارسي، فقام خالد وجيشه بالتوجه إلى منطقة الحفير، وأقبل هرمز إلى كاظمة فوجدها خالية وأخبره الجواسيس أن المسلمين قد توجهوا إلى الحفير، فتوجه هرمز بسرعة كبيرة جداً إلى الحفير حتى يسبق المسلمين، وبالفعل وصل هناك قبل المسلمين، وقام بالاستعداد للقتال، وحفر خنادق، وعبأ جيشه، ولكن البطل خالد يقرر تغير مسار جيشه ويكر راجعا إلى مدينة الكاظمة، ويعسكر هناك ويستريح الجند قبل القتال.

وتصل الأخبار إلى هرمز فيستشيط غضبا، وتتوتر أعصابه جدا، ويتحرك بجيوشه المرهقة المتعبة إلى مدينة الكاظمة ليستعد للصدام مع المسلمين، وكان الفرس أدرى بطبيعة الأرض وجغرافية المكان من المسلمين، فاستطاع هرمز أن يسيطر على منابع الماء بأن جعل نهر الفرات وراء ظهره، حتى يمنع المسلمين منه، وكان ذلك سببا لاشتعال حمية المسلمين وحماستهم ضد الكفار، وقال خالد بن الوليد كلمته الشهيرة تحفيزاً بها الجند: “ألا انزلوا وحطوا رحالكم، فلعمر الله ليصيرن الماء لأصبر الفريقين، وأكرم الجندين”.

وقبل أن يصطدم هرمز قائد الجيوش الفارسية مع جيوش المسلمين أرسل بصورة الوضع إلى كسرى، الذي قام بدوره بإرسال إمدادات كبيرة يقودها قارن بن قرباس يكون دورها الحفاظ على مدينة الأبلة في حالة هزيمة هرمز أمام المسلمين، لأهمية هذه المدينة عندهم، وبدأ قائد معركة ذات السلاسل خالد بن الوليد تقدمه من اليمامة بعد أن قام بتقسيم جيشة إلى ثلاث فرق وجعل بين الفرقة والأخرى مسير يوم، كي لا ينهك قواته والتي كان عليها أن تتجمع مرة أخرى قرب الحفير، وتحرك قائد الفُرس هرمز متوقعا أن يسلك قائد معركة ذات السلاسل خالد بن الوليد الطريق التي توقعها وهي من اليمامة إلى الأُبُلة عبر كاظمة فرتب جيشه.

وأمر أن يربط الرجال بالسلاسل منتظرا وصول خالد بن الوليد الذي لم تظهر أي إشارة تدل عليه لتصله أنباء من أحد الكشافين أن خالد بن الوليد تحرك نحو الحفير وليس كاظمة، فقرر خالد بن الوليد استغلال الجغرافيا وخفة حركة جيش المسلمين الذي يتميز عن جيش الفرس بطيء الحركة ليَضربهم بعد أن تُنهك قواهم، بعد أن يجبرهم على القيام بالمسير والمسير المعاكس، فقد أدرك خالد بن الوليد أن وجوده قرب الحفير سيسبب الهلع لهرمز الذي أدرك أن قاعدته أصبحت مهددة، فأمر بالتحرك إلى الحفير وعند وصوله لم يجد أثرا لقائد معركة ذات السلاسل خالد بن الوليد، وما أن اتخذ جيش هرمز مواقعهم حتى جاءت الأخبار أن خالد بن الوليد اتجه نحو كاظمة.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *