Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن الفتن من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أن يسلط بعض الأمة على بعض، ويقتل بعضها بعضا، وتسيل الدماء، وتنتهك الحرمات، وتسلب الأموال ، فقال صلى الله عليه وسلم ” إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرا لهم وينذرهم ما يعلمه شرا لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء شديد وأمور تنكرونها.

وتجيء فتن فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه، هذه، فمن أحب منكم أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه “.

وفى موقعة صفين يُقتل عمار بن ياسر رضى الله عنه وأرضاه، وكان في جيش علي بن أبي طالب رضى الله عنه وأرضاه، ويقتل معه في نفس الوقت هاشم بن عتبة بن أبي وقاص في لحظة واحدة ، ومن هنا يقول أبو عبد الرحمن السلمي: رأيت عمارا لا يأخذ واديا من أودية صفين إلا اتّبعه من كان معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورأيته جاء إلى هاشم بن عتبة وهو صاحب راية، فقال: يا هاشم تقدم، الجنة تحت ظلال السيوف والموت في أطراف الأسنة وقد فُتحت أبواب الجنة وتزينت الحور العين اليوم، ألقى الأحبة محمدا وحزبه ، ثم حمل هو وهاشم بن عتبة حملة واحدة فقُتلا جميعا ،فكان لهذا الأمر الأثر الشديد على كلا الطرفين وحدثت هزة شديدة في الفريقين.

وزادت حميّة جيش علي بن أبي طالب رضى الله عنه بشدة، وزاد حماسهم، وذلك لأنهم تأكدوا أنهم على الحق، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ” ويح عمار، تقتله الفئه الباغيه ” .

وتيقن الناس أنهم على الحق البيّن، وأنهم الجماعة ، وعلى الناحية الأخرى خاف الناس، لأنهم إذن البغاة الخارجين على إمامهم، واجتمع رءوساء جيش معاوية رضى الله عنه، عمرو بن العاص رضى الله عنه، وأبو الأعور السلمي، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ومعهم معاوية بن أبي سفيان، وأخذوا يتشاورون في الأمر ويتدارسونه.

وبعد سير المعركة في صالح فريق الإمام علي، دعا عمرو بن العاص جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أن القرآن حكما بيننا، وأراد من ذلك أن يخدع أصحاب الإمام علي، ليقفون عن القتال ويدعون الإمام علي إلى حكم القرآن.

وفعلا جاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش الإمام علي حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، فنادوه باسمه لا بإمارة المؤمنين: يا علي اجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت، وإلاّ قتلناك كما قتلنا عثمان بن عفان، فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم.

فقال علي: عباد الله إنّي أحقّ من أجاب إلى كتاب الله، ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وإنّي اعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا، فكانوا شر الأطفال وشر الرجال، إنها كلمة حق يراد بها باطل، إنهم والله ما رفعوها، إنهم يعرفونها ولا يعملون بها، ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة، أعيروني سواعدكم .

وجماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحق مقطعه، ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا ، ثم قال لهم: ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله، وأول من أجاب إليه ، فقالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية رضي الله عنه ليدخله، فأصرّوا على رأيهم، وكان أمير المؤمنين الإمام علي في هذا الموقف أمام خيارين.

وهم إما المضي بالقتال، ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل الشام، وإما القبول بالتحكيم وهو أقل الشرّين خطرا ، وهكذا كان القبول بالتحكيم نتيجة حتمية لظروف قاهرة لا خيار لأمير المؤمنين ، وقد أتفق الجيشان ، جيش أهل الشام وجيش أهل العراق ،على مبدأ التحكيم، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل أهل الشام، وكان أبو موسى الأشعري المفاوض من قبل أهل العراق.

وقد اختلف الناس في أبي موسى الأشعري أشدّ الاختلاف ، فاللذين استجابوا لفكرة التحكيم أراده مفاوضا عنهم، واللذين رفضوا فكرة التحكيم وهم الإمام علي وأصحابه ، رفضوا أن يكون الأشعري مفاوضا عنهم، ولكن لم يكن أمام الإمام بد من الاستجابة لأهل العراق والقبول بأبي موسى الأشعري.

وقد تعرض الأشعري لخداع ابن العاص الذي أقنعه بخلع أمير المؤمنين، بينما قام عمرو بن العاص بتثبيت معاوية وخلع أمير المؤمنين ، وبعد اجتماع الحكمان في دومة الجندل في الموعد المحدد حسب المتفق عليه، وكتبت صحيفة التحكيم على النحو التالي: ” بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، قاضى علي على أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين.

وقاضي معاوية على أهل الشام ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين، إنا ننزل عند حكم الله عز وجل وكتابه، ولا يجمع بيننا غيره، وإن كتاب الله عز وجل بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله عز وجل عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسُنّة العادلة الجامعة غير المفرقة “.

إلا أنهما لم يتفقا على شيء بل رجعا من غير تفاهم ، وأراد علي بن أبي طالب أن ينهض مرة أخرى لقتال أهل الشام فاستنهض من انشقوا عنه من الخوارج لكنهم امتنعوا عن الخروج معه واتهموه بالكفر والفسوق .

مما جعل خروجه إلى الشام يتحول إلى معركة بينه وبينهم عرفت بموقعة النهروان وتغلب فيها عليهم واستأصل شأفتهم وقضى عليهم إلا قليلا ، ومنذ ذلك الحين أخذ موقف علي بن أبي طالب يتراجع بسبب تخاذل أنصاره وتعنتهم ، وفي المقابل أخذ موقف معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام يتقدم واستمر السجال بينهم دون تحقيق أحد من الطرفين مكاسب حاسمه

حيث انتهى هذا السجال الذي استمر زهاء سنتين بقيام ثلاثة من الخوارج هم : عبد الرحمن بن ملجم البراك بن عبد الله التميمي وعمرو بن بكر التميمي وعقدوا العزم على التخلص من كل من : علي بن ابي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، إذ رأوا بنظرهم القاصر أن هؤلاء هم سبب الفتن والمصائب التي حلت بالامة فقرروا التخلص منهم .

وقد تمكن عبد الرحمن بن ملجم من طعن علي بن ابي طالب حيث استشهد رضي الله عنه، في مسجد الكوفة وهو خارج لصلاة الفجر سنة أربعين من الهجره بينما أخفق صاحباه في قتل معاوية وعمرو بن العاص ، وقد آل الأمر من بعد وفاة الإمام على ،إلى تولية الحسن بن علي الخلافة إلا أنه تنازل عنها طواعية لمعاوية حقنا لدماء المسلمين وجمعا لهم على إمام واحد.

وقد سمي ذلك بعام الجماعة وانقضى بذلك عصر الخلافة الراشدة وابتدأ عصر بني أمية ، وقد كانت خسائر هذه الموقعه هو أن قُتل من الطرفين خلال المعركة سبعين ألف رجلا، فمن أصحاب معاوية من أهل الشام خمسه وأربعين ألف رجل، ومن أصحاب الإمام علي من أهل العراق خمسه وعشرين ألف رجل.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *