Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن الأب هو سب وجودك في الحياة وما أنت إلا بَضْعة منه ، والأب هو شمس الحياة ومبعث الاستقرار ، وهو ملاذ الأولاد بعد الله، وحاميهم به تقوى قلوبهم، وتزهو نفوسهم، وتحل الطمأنينة في حياتهم ، وهو الذي يكد ويكدح من أجل تحقيق حياة آمنة حافلة بالاطمئنان والاستقرار المادي والمعنوي لأولاده .

والأب هو السند والصاحب في الحياة الدنيا، وهو أمان العائلة، وفسحة الأمل فيها، وقد أوصانا الله سبحانه وتعالى بآبائنا، وجعل برهم واجب، والإحسان إليهم تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وجعل رضاه مقرونا برضاهم، وقد ورد في الكتاب والسنة، العديد من الآيات والأحاديث التي تحث على بر الآباء وإكرامهم، فطاعتهم فرض على الأبناء.

فالأب وحده من يمنح بلا حساب، ووحده من يسهر ويتعب ويكد ليجعل من حياة أبنائه جنة، فما من شخصٍ يحمل همّ أبنائه في صحوه ومنامه مثله، ولا أحد ينصحهم ويرشدهم للخير كما يفعل هو، فالأب سور عالى من الأمان الذي يلف العائلة، وهو عمود البيت، وسر استقراره.

والأب هو خبرة الحياة التي يحتاجها الأبناء لحل ما يواجهونه، وما يقابلونه من صعاب وأحداث جمة ومشاكل ، فإتقوا سخط الوالدين، أتدري ما معنى أن يسخط عليك أبوك؟ يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” رضا الله فى رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد” رواه الترمذى .

وأتدري ما معنى أن تُبكي والديك، فقد جاء رجل للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يبتغي أفضل الأعمال، يبتغي الهجرة والجهاد، وقد ترك والديه يبكيان، فقال له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: “ارجع ، فأضحكهما كما أبكيتهما”، فإن بكاء الأب عند الله عظيم .

وأن يبكي الأب من جرّاء قسوة معاملة ابنه ، بأن تنهمر دموعه، ويعتصر قلبه ، جرّاء صنيع أبنائه ، إنه أمر عند الله عظيم، فاتقوا الله تعالى، واتقوا بكاء الأب ، فإنه يُغضب الرب ، والأب كما أنه مصدر القوة والأمان لأولاده الصغار ، فهو في نفس الوقت مصدر الأنس والبركة لأولاده الكبار .

وللأب حق البر والتكريم مهما بلغ سنه، ويتحتم ذلك ويزداد عند كبر سنه وشيخوخته ، وللأب حق الإحسان والطاعة، وتحقيق ما يتمناه، وله ود الصحبة والعشرة، والأدب في الحديث، وحسن المعاملة، فإن تحدث فلا تقاطعه، وإن دعاك فأجبه، ولا تمش بين يديه، وحيّه بأحسن تحية، وقبّل رأسه ويديه ولو قبلت رجليه فهو من البر .

وتلزمك النفقة عليه في حال الحاجة، ولا تنسى أن تتحفه بالهدية في حال غناه ، ولقد جعل الدين بر الآباء بعد موتهم في صلة من لهم فيهم علاقة أسرية وصحبة ، وذلك بالموده والإحسان إليهم ، وواجب الإحسان بالتعامل مطلوب حتى مع الأب المشرك، فإن الآيات والنصوص قد جاءت في تبيان هذا .

ومن ذلك قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه ، وكان من تلطفه عليه السلام مع أبيه في الخطاب وهو كافر ما يهز الوجدان ويحي الضمير الذي فيه حياة ، ويقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “الوالد أوسط أبواب الجنة”

وقيل أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه رأى رجلين يمشيان، فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ قال: هذا أبي، قال: لا تسمّه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله، هذا هو البر ، إنه قلب يتدفق بحنان التقدير، ومشاعر فياضة تعرف للأب حق الإجلال والاحترام، وإرضاء لله العظيم القدير.

ويروى أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يسير راكبا إلى مكة، وكان يركب على حمار، يتروح به إذا تعب من الركوب على الدابة، فبينما هو يسير على حماره، وإذا به ينظر لرجل أعرابي يسير في الطريق، تأمل وجهه، وعرف نسبه، وما كان منه إلا أن وقف ونزل، ثم أعطاه الحمار .

وقال له: اركب على هذا، ثم نزع عمامته، وقال: شدّ رأسك بهذه، فلما ذهب، قالوا: يا عبد الله، إنهم أعراب، ويرضون باليسير ، أعطيته حمارا كنت تتروح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك .

فمن كان هذا؟ أتظنون أنه كان أباه، أتظنون أن هذا كان أباه؟ لا، قال: إن هذا كان صديقا لعمر بن الخطاب ، وإني سمعت الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول: “إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ودِّ أبيه”، فانظروا إلى البر إلى أين يصل؟ ليس فقط للإحسان للوالد، بل الإحسان لكل من كان الوالد يودّهم، ويحبهم ، من زوجاته وأبنائه ورحمه وصداقته.

ويروى أن ابناً من الأبناء، جاء يشتكي أباه إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: “ائتني بأبيك”، فقال الابن: يا رسول الله، إنا أبي أخذ مالي، فقال له عليه الصلاة والسلام: “ائتني بأبيك”، فانطلق يأتي بأبيه، يشكوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .

فنزل جبريل عليه السلام من السماء، فقال: يا محمد، إن الله تعالى يقرئك السلام، ويقول لك: إذا جاءك الشيخ، فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فجاء الأب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: “ما بال ابنك يشكوك، أتريد أن تأخذ ماله؟” قال: يا رسول الله، سله في أيّ شيء أُنفق ماله، ما أنفقته إلا على إحدى عمّاته، أو إحدى خالاته، أو على نفسي، يا رسول الله .

أي أنها في صروف النفقة الواجبة، فقال عليه الصلاة والسلام: “إيه، دعنا من ذلك، وأخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك”، فقال الشيخ: والله يا رسول الله، ما يزال الله يزيدنا بك يقينا، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي، لكن سمع هذه المناجاة، وتلك الآهات الواحد الأحد سبحانه وتعالى، ماذا قلت في نفسك؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -“قل، وأنا أسمع”، قال: قلت:

غدوتك مولوداً وعلتك يافعاً ……. تعل بما أجني عليك وتنهلُ
إذا ليلةٌ ضافتك بالسقم لم أبت ….. لسقمك إلا ساهراً أتململُ
كأني أنا المطروق دونك بالذي … طُرقت به دوني فعيني تهملُ
تخاف الردّى نفسي عليك وإنها … لتعلم أن الموت وقتٌ مؤجلُ
فلما بلغت السن والغاية التي … …إليها بدا ما كنتُ فيك أؤملُ
جعلت جزائي غلظةً وفضاضةً ….كأنك أنت المنعم المتفضّلُ
فليتك إذ لم ترعَ حق أُبوّتي ……..فعلت كما الجار المجاور يفعلُ

فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ بتلابيب ابنه، وقال: “أنت ومالك لأبيك”، يا الله دمعات علمها الله عز وجل ، وآهات سمعها الله عز وجل ، فماذا نقول لله سبحانه وتعالى إذا جازينا آباءنا بهذه الغضاضة، وبتلك الفضاضة؟

ولا أحد يعلم قيمة الأب تماما إلا من فقده، ولا يعرف الأبناء عظم التعب والجهد الذي يبذله آباؤهم إلا بعد أن يصبحوا آباء وأمهات، فعندها يستشعرون القدر الهائل من الحب في قلب أبيهم، ويعذرون خوفه وحرصه، ويقدّرون تشديده عليهم احيانا ، ويلتمسون له الأعذار .

فكما يقولون “ أب واحد خير من ألف معلم” لأن الأب تخرج النصيحة من قلبه، ويمنح عصارة خبراته وتجاربه لأبنائه وبناته، لأنه يريدهم أن يصبحوا أفضل منه، وأن يصلوا لمراتب أعلى مما وصلها ، فمن كان له أب على قيد الحياة، فليحسن صحبته، ويتقرب منه، ويطلب رضاه، ويضعه تاجا على رأسه، لأن الأب لا يعوض .

ومن كان له أب تحت التراب، فليكثر من الدعاء له، وليبره في موته مثلما كان في حياته، وليكثر من الصدقات على روحه، ويدخل الفرح له لينال بره في موته أيضا ، فمهما تكلمنا عن فضل الأب ومكانته، فلن نوفيه القليل من حقه، ولن ندرك حق الجزاء الذي علينا أن نقوم به تجاهه، فالأب أكبر من كل الكلمات، وأعظم من جميع العبارات، وأروع الهدايا من الله عز وجل هو حب الأب … وقل ربى أرحمهما كما ربيانى صغيرا ….

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *