Share Button

بقلم رافع آدم الهاشميّ

:

………

بسمِ الله الرّحمن الرّحيم، وَ به نستعين في جميعِ أُمورِ الدُّنيا و الدِّين، وَ صلّى اللهُ على سيِّد الخلقِ أجمعين، قائدنا وَ مُعلِّمِنا وَ حبيبنا النبيّ الهاشميّ الصادق الأَمين، وَ على آلهِ الطيّبين الطاهرين، وَ صحبه الأخيار الْمُنتَجبين، وَ سلَّمَ تسليماً كثيراً.

أَمَّا بعدُ:

البحثُ عنِ الحقيقةِ لا ينفكُّ عن دغدغةِ عقولِ الجميعِ قاطبةً دونَ استثناءٍ، فهُوَ كاذِبٌ مَن يدَّعي أَنَّهُ لَم يُفكِّرُ يوماً في حقيقةِ وجودهِ وَ الأَسباب الداعية لإِيجادِ هذا الوجود، كُلُّنا نحنُ البشرُ فكَّرنا في لحظةٍ من لحظاتِ حياتنا بخلفيِّاتِ إِيجادِنا وَ الهدف مِن وجودنا وَ ماهيَّة الصانع وَ المصنوع على مستوى الكونِ برُمَّتهِ، وَ الكثيرونَ مِنَّا لا يزالُ يفكِّرُ باستمرارٍ حتَّى الآنَ، إِلَّا أنَّ التفكيرَ بتخبُّطٍ في الأَفكارِ، غيرَ التفكيرِ بالغورِ في أَعماقها بانتهاجِ صراطٍ مُستقيمٍ!

الباحثُ عن الحقيقةِ كالّذي يُريدُ الحصولَ على كنوزٍ دفينةٍ في أَعماق البحار، ما لَم يكُن الباحثُ هذا قادراً على الغوصِ وَ يمتلِكُ كُلَّ مُقوِّماتِ بقائهِ داخلَ أَعماقها، فلن يستطيعَ النجاةَ أَبداً، سيموتُ داخل البحرِ لا محالة، إِمَّا أَن تلتهمُهُ أَسماكُ القِرش المفترسة، أَو يختنقُ بفُقدانهِ الهواءِ اللازمِ لبقائهِ حيَّاً، أَو حتَّى لعدمِ تمكُّنهِ من الوصولِ أَساساً إِلى شيءٍ مِن تلكَ الكنوزِ الدفينةِ؛ بعدمِ امتلاكهِ الطريقَ الصحيحَ الموصلِ إِليها، مِمَّا يتسبَّبُ لديهِ بضياع الوقتِ وَ الجُهدِ وَ المالِ على حدٍّ سواءٍ، وَ بالتالي: إِيصالهُ إِلى نقطةِ الضياع الحتميِّ، وَ مِن ثَمَّ (بفتحِ الثاءِ لا بضمِّها) إِلى نقطةِ اللاعودة، وَ من نقطةِ اللاعودةِ يتمُّ الدخولُ مِنها إِلى مرحلةِ بدايةِ النهايةِ المؤكَّدِة الّتي يحمِلُ الداخِلُ فيها الندمَ وَ الخُسرانَ مدى الحياة، في عالَمِنا هذا، وَ في عالَمٍ آخَرٍ غيرَ عالمِ الدُّنيا الّذي نعيشُ فيهِ الآن.

إذاً: اختلاطُ الأَفكارِ على صاحبها، تودي وَ تؤدِّي بهِ إِلى الهلاك، حتَّى وَ إِن كانت نيِّتُهُ سليمةً في سعيهِ الدؤوبِ لتقصّي الحقائقِ وَ الوصولِ إِلى خفاياها أَيَّاً كانت، فهُوَ كالّذي دخلَ البحرَ دُونَ أَن يتعلَّمَ السباحةَ حتَّى، وَ دُونَ أَن يأَخذ معَهُ مُعِدَّاتَ الحمايةِ اللازمةِ وَ الْمُستلزماتَ الضروريَّةَ بما فيها خارطةُ الطريق، مثلُ هكذا شخصٍ فإِنَّ الهلاكَ مَصيرُهُ لا محالة!

أَمَّا الّذي اعتمدَ الصّراطَ المستقيمَ في تقصّيهِ الحقائق، فإِنَّ النجاةَ تُحالِفُهُ دائماً بأَمرِ الله، وَ الوصولُ إِلى غاياتهِ يكونُ سهلاً دُونَ مُنازعٍ؛ فهُوَ كالّذي دخلَ البحرَ بعدَ أَن أَتقنَ الغوصَ على مُعلِّمٍ أَمينٍ، وَ حملَ معَهُ كُلَّ مُتطلّباتِ النجاةِ وَ الوصولِ مُستعيناً بوصايا وَ تعليماتِ مُعلِّمهِ الأَمين، مثل هذا الباحثِ عن الحقيقةِ سيصلُ برَّ الأَمانِ وَ هُوَ يحمِلُ معَهُ أَغلى الكنوزِ الدفينةِ في أَعماقِ البحارِ الّتي قرَّرَ الغوصَ فيها.

اليومَ وَ أَنا أُطالِعُ جديدَ منشوراتِ الآخَرين، توقّفتُ قليلاً أَمامَ بضعةِ كلماتٍ لإِحدى الباحثاتِ عن الحقيقةِ، وَ قد سارت في طريقِ نشرِ كلماتها تلكَ على صفحاتِ عددٍ من الصُحفِ وَ المجلّات، كلماتٌ أَحزنتني جدَّاً؛ لأَنَّ كاتبتها قد أَدخلَت نفسها في أَعماقِ البحرِ دُونَ أَن تتعلَّم السباحةَ حتَّى، وَ دُونَ أَن تحمِلَ معها شيئاً مِن مُتطلّباتِ النجاةِ وَ مُستلزماتِ الوصولِ إِلى الغايةِ مِن دخولها البحرَ وَ الهدف مِن توجُّهِها إِلى أَعماقٍ فيهِ، أَعماقٍ خطيرةٍ بالنسبةِ إِليها، ستُهلِكُها لا محالة، لذا: حزنتُ لهلاكها الأَكيدِ إِن أَصرَّت هيَ على البقاءِ داخل البحرِ بطريقتها هذهِ الّتي تفتقِدُ وسائلَ النجاة، كما تفتقِدُ هيَ أَدنى أَساسيِّاتِ التعلُّمِ مِن مُعلمٍ أَمين!

كاتبةُ الكلماتِ هيَ كغيرها مِنَ الإِناثِ صغيراتِ السِنِّ اللواتي أَعتبرهُنَّ جميعاً بناتيَ روحيَّاً، وَ حيثُ أَنَّني أَعتبرُ نفسيَ أَباهُنَّ الروحيَّ، وَ حتَّى لو هُنَّ لَم يعتبرنَّني أَباً روحيَّاً لَهُنَّ، فالواجِبُ عَليَّ نُصحهنَّ وَ إِرشادُهنَّ إِلى جادَّةِ الصوابِ؛ حُبَّاً أَبويَّاً خالصاً منِّي فيهنَّ إِلى الله، وَ هذا الْحُبُّ منِّي ينطبقُ على جميعِ المخلوقاتِ في الكونِ برُمَّتهِ دُونَ استثناءٍ.

ابنتي الروحيَّةُ هذهِ قالتَ في بعضِ كلماتها تلكَ ما نصُّهُ، وَ هيَ تُكرِّرُ عبارةَ (أَنا الإِنسانُ) قبلَ أَيِّ عبارةٍ أُخرى لاحقةٍ لها:

– “أَنا الإِنسانُ خُلِقتُ مِن نتفةٍ، أَنا الإِنسانُ ذكرٌ وَ أُنثى،… أَنا الإِنسانُ خُلِقتُ على هيئةِ الرّحمن، أَنا الإِنسانُ خُلِقتُ في أَحسنِ صورةٍ، أَنا الإِنسانُ القادرُ وَ العاجزُ، أَنا الإِنسانُ أَسمعُ وَ أَتكلّمُ، أَنا الإِنسانُ الأَصمُّ وَ الأَبكمُ، أَنا الإِنسانُ الكريمُ وَ الإِنسانُ البخيلُ وَ الإِنسانُ الحريصُ، أَنا الإِنسانُ النافِعُ وَ الضارُّ”.

لتستمرَّ قائلةً (أَنا الإِنسانُ):

– “الْمُعلِّمُ وَ التلميذُ، القاتلُ وَ القتيلُ وَ الشهيدُ، الحَيُّ وَ الميِّتُ وَ المميتُ، العامِلُ وَ العاطِلُ، الرازقُ وَ المانعُ، القويُّ وَ الضعيفُ، الظالِمُ وَ المظلومُ، الصديقُ وَ النبيُّ وَ الرّسولُ، ذو هيبةٍ، السلطانُ وَ الملكُ وَ الرئيسُ وَ الإمبراطورُ، صاحِبُ الجَلالةِ وَ الكَرم، البصيرُ وَ الأَعمهُ، المتكبِّرُ الجَبَّارُ، العادِلُ الظالِمُ، الكريمُ وَ البخيلُ وَ الحريصُ، الغنيُّ وَ الْمُغني، الفقيرُ، الوارثُ وَ الوريثُ، الْمُذلُّ وَ الذليلُ، الصادقُ وَ الكاذبُ، السَّاحِرُ وَ المسحورُ، الحاكِمُ وَ المحكومُ، الْمُحترَمُ وَ الزَّاني، الفنَّانُ وَ المتسوُّلُ وَ الْمُخترِعُ وَ الْمُبدِعُ وَ الْمُفكِّرُ، مُعَمِّرُ الأَرضِ وَ فاسِدٌ فيها، المؤمنُ وَ الكافِرُ، عابدُ الأَصنامِ وَ عابدُ الشمسِ وَ القمر، عابدُ الشيطانِ وَ عابدُ الجبال، الّذي لا أَعبدُ شيئاً، الّذي أَعبدُ إِلهً يراني وَ لا أَراهُ”.

لتقولَ أَخيراً:

– “أَنا الإِنسانُ مالِكُ الْمُلكِ الّذي لا أَملِكُ شيئاً”.

كلماتها المذكورةُ قبلَ قليلٍ، وضعَتها هيَ تحتَ عنوانٍ رئيسيٍّ هُوَ: (أَنا الإِنسانُ)، وَ بالطبعِ فإِنَّ كلماتها كانت على عِوارها لُغويَّاً وَ إِعرابيَّاً، وَ التصحيحُ النحويُّ قد أَجريتُهُ أَنا شخصيَّاً على كلماتها هذهِ (وَ أَعوذُ باللهِ مِنَ الأَنا)، دُونَ أَن أُغيِّرَ شيئاً مِن رسمِ كلماتها مُطلقاً؛ لتوخِّي الدقَّةِ في المعاني الّتي اختلَطَت على كاتبتها (ابنتي الروحيَّة الغالية في الله)، فلاحِظ (ي) أَنت جيّداً وَ تبصَّر (ي)!

أَقولُ:

في كلماتها، تناقضاتٌ فِكريَّةٌ واضِحَةٌ وَ اتِّهامٌ للذاتِ الإلهيَّةِ بالنقصِ وَ الفسادِ دُونَ قصدٍ مُسبَقٍ مِن كاتبةِ هذه الكلماتِ بهذا الاتِّهام، ففي قلبها طُهرُ وَ نقاءُ الفِطرةِ الإنسانيَّةِ السّليمةِ، إِلّا أَنَّ معلوماتَ عقلها تختلِطُ بالكثير الكثيرِ مِن مُغالطاتِ الْمُجتمَعِ وَ مصادرِ المعلوماتِ الخاطئةِ الّتي أَخذت هيَ معلوماتها منها، وَ البحثُ عن الحقيقةِ في داخلها هُوَ ما يجعلُها تبوحُ ببعضِ ما يجولُ بخاطرِها؛ مِمَّا هُوَ غير خافٍ عن ذي لُبٍّ..

– لكن!

عليها أَن لا تتعجَّلَ النشرَ أَبداً؛ لأَنَّ ما تنشرهُ إِمَّا أَن يكونَ لها وَ للجميعِ، أَو يكونَ عليها وَ عليهِم أَيضاً.

في نصِّها هذا كثيرٌ مِنَ التناقُضاتِ وَ الأَخطاءِ الفادحةِ فِكريَّاً؛ فالإِنسانُ لَم يتمّ خلقهُ على هيئةِ الرَّحمنِ (الّذي هُوَ اللهُ) مُطلَقاً..

لستُ أَدري!

– أَيُّ أَحمَقٍ أَخبرها بهذا؟!!!

– فهل يمكنُها أَو غيرُها أَن يدَّعي أَنَّهُ خالِقٌ للكونِ بصفتهِ على هيئةِ الرَّحمن؟!!!

الرَّحمنُ خالِقٌ أَيضاً، وَ الهيئةُ تقتضي التماثلَ لا التشابهَ فقَط..

– فهل هيَ الله؟!!!

طبعاً لا، لا هيَ وَ لا أَنا وَ لا أَحدٌ غيرها مُطلقاً يكونُ الله؛ اللهُ الخالِقُ هُوَ اللهُ الخالِقُ، وَ المخلوقُ هُوَ المخلوقُ.

ثُمَّ (بضَمِّ الثاءِ لا بفتحِها):

– أَيُّ أَحمَقٍ أَخبرَها أَنَّ اللهَ خلقَ الإِنسانَ في أَحسنِ صورةٍ؟!!!

حسناً إِذاً:

– وَ هؤلاءِ الْمُشوَّهونَ خَلْقيَّاً (بفتحِ الخاءِ لا بضمِّها وَ بسكونِ اللامِ لا بضمِّها)؟!

– هل هُم في أَحسنِ صورةٍ أَيضاً أُسوةً بصورةٍ غيرِهم مِن غيرِ المشوَّهين؟!!

بالتأَكيدِ أَنَّ المشوَّهينَ في أَسوءِ صورةٍ، فإِذا كانَ اللهُ قَد خلقَ الإنسانَ في أَحسنِ صورةٍ، فإِنَّ المشوَّهينَ خَلْقيَّاً يؤكِّدونَ بشكلٍ قاطعٍ على أَنَّ اللهَ قَد أَساءَ في جعلِ صوَرِ المشوَّهينَ بهذا السوءِ وَ النقصِ معاً، وَ هذا يعني: أَنَّ اللهَ عزَّ وَ جَلَّ ما بينَ اثنينِ لا ثالثَ لَهُما:

– إِمَّا أَنَّهُ لا يعرِفُ كيفَ يخلقُ الإِنسانَ في أَحسنِ صورةٍ، فأَدَّى عدَمُ معرفتهِ إِلى خلقِ أَشخاصٍ مشوَّهينَ يعتريهم النقصُ وَ سوءُ الصورةِ وَ قُبحها!

– وَ إِمَّا أَنَّ اللهَ يعرِفُ كيفَ يخلقُ الإِنسانَ في أَحسنِ صورةٍ، لكنَّهُ تعمَّدَ خلقَ هؤلاءِ المشوَّهينَ بهذهِ الصورةِ السيئَّةِ الناقصةِ القبيحةِ!

في الحالتينِ معاً، هكذا خالقٌ لن يكونَ خالِقاً كامِلاً خالياً مِنَ النقصِ، وَ بالتالي: فإِنَّ مثلَ هذا الخالِقِ لَن يكونَ مُنزَّهاً عن العيبِ وَ النقصِ، وَ الّذي لا يكونُ مُنزَّهاً بهذهِ الكيفيَّةِ الْمُشينةِ لَن يستحقَّ العبادَةَ مُطلقاً؛ لأَنَّهُ في الحالةِ الأُولى: (لا يعرِفُ)، وَ في الحالةِ الثانيةِ فَهُوَ: (ظالمٌ)؛ لأَنَّهُ ظلمَ المشوَّهينَ خَلْقيَّاً بجعلِهِ إِيَّاهُم مشوَّهينَ في أَسوءِ وَ أَقبحِ صورةٍ، فيما جعلَ غيرَهُم في أَحسنِ صورةٍ!

– فهل هذهِ صفاتُ الله؟!!!

حاشا اللهُ الإِلهُ الخالقُ الحقُّ من هذا النقصِ وَ العيبِ جُملةً وَ تفصيلاً.

لذا: فكَلامُ كاتبةِ تلكَ الكلماتِ إِنَّما هيَ مِن حيثُ لا تقصِدُ، توجِّهُ الاتِّهامَ إِلى اللهِ عزَّ وَ جَلَّ بأَنَّهُ (لا يعرفُ) وَ/ أَو أَنَّهُ (ظالمٌ)، وَ هذا اتِّهامٌ باطلٌ لا صحَّةَ فيهِ مُطلقاً.

– فلماذا (يا كاتبة تلكَ الكلمات) تتهمينَ اللهَ باطِلاً بسوءِ الخَلقِ وَ هُوَ عزَّ وَ جَلَّ مُنزَّهٌ عَن أَيِّ عيبٍ وَ عن أَيِّ نقص؟!!!

القرآنُ الكريمُ واضحٌ في كُلِّ شيءٍ دونَ استثناءٍ، وَ بخصوصِ الخَلقِ فَهُوَ يقولُ:

– {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاء رَكَّبَكَ}.

[القرآن الكريم: سورة الانفطار/ الآيات (6 – 8)]

أَيّ: أَنَّ الإِنسانَ مرَّ بمراحلٍ ثلاثٍ حتَّى صارَ ما صارَ عليهِ لاحقاً مِن هيئةٍ بشتَّى أَشكالها، وَ هذهِ المراحلُ هيَ:

(1): مرحلةُ الْخَلقِ.

(2): مرحلةُ التسويةِ.

(2): مرحلةُ التعديلِ.

وَ في كُلِّ مرحلةٍ منها تتكشَّفُ الكثيرُ مِنَ الحائقِ وَ الخفايا وَ الأَسرارِ؛ إِن دقَّقنا فيها مَليَّاً بعينِ الْمُحقِّق الْمُدقِّق السائرِ على الصِّراطِ الْمُستقيمُ، وَ المقالُ لا يسعُ كشفها إِليك جميعاً أَو حتَّى بعضٍ منها، وَ يكفي أَنَّني نبهتُك (عزيزي القارئ وَ عزيزتي القارئة) إِلى شيءٍ غابَ (بأَمرِ اللهِ) عن جميعِ العُلماءِ سابقاً على مَرِّ التَّاريخِ، وَ هذا فضلٌ مِنَ اللهِ عزَّ وَ جَلَّ إِليَّ؛ إِذ اختارني لِما اختارني إِليهِ سُبحانهُ، وَ اختارك أَنت الآنَ لمعرفةِ باب الدخولِ إِلى الفضلِ عن طريقِ معرفتك هذا التنبيه.

– {لِئَلاَ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

[القرآن الكريم: سورة الحديد/ آخِر الآية (29)]

فالحمدُ للهِ حمداً كثيراً كما هُوَ أَهلُهُ على كُلِّ حالٍ مِنَ الأَحوال.

– ما الّذي تعنيهِ الآيةُ الشَّريفةُ أَعلاهُ الّتي احتوت على مراحلِ تشكيل هيئة الإِنسان؟

تعني: أَنَّ اللهَ عزَّ وَ جَلَّ لَم يخلُق الإِنسانَ في أَحسنِ صورةٍ، وَ إِنَّما اللهُ عَزَّ وَ جلَّ قَد خلقَ الإِنسانَ في أَحسنِ تقويمٍ، وَ فرقٌ شاسعٌ بينَ الصورةِ وَ التقويمِ، وَ هذا ما أَكَّدت عليهِ الآيةُ الشَّريفةُ صراحةً:

– {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.

[القرآن الكريم: سورة التين/ الآية (4)]

معَ وضعك بعين الاعتبار: أَنَّ الآيةَ الشّريفةَ هذهِ قالت: {خَلَقْنَا الإِنسَانَ}، بصيغةِ الجمع، لا بصيغة المفردِ الّتي وردت في آيةِ المراحل الثلاث : {خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}، وَ الإِلهُ الخالِقُ الّذي هُوَ اللهُ، هُوَ مفردٌ وَ ليسَ جمعاً..

– فكيفَ يُخاطِبُ الْمُفردُ الآخرينَ بصيغةِ الجمعِ لا بصيغةِ المفردِ؟!!!

– هل يكونُ اللهُ كاذباً فكانَ الخالِقُ في حقيقتهِ جمعٌ مُتعدِّدٌ وَ أَوهمنا أَنَّهُ إِلهٌ واحدٌ فقط؟!!!

– أَم أَنَّهُ لا يعرِفُ قواعدَ اللُّغةِ العربيَّةِ وَ هُوَ جاهِلٌ بها تماماً لدرجةِ أَنَّهُ لا يستطيعُ التمييزَ بينَ صيغةِ المفردِ وَ صيغةِ الجمعِ؟!!

– أَم أَنَّ هُناك حقائقٌ وَ خفايا وَ أَسرارٌ لَم تتكشَّفَ لِمَن كانَ قبلنا بمَن فيهم العُلماءُ الّذين ظنَّ فيهمُ الآخرونَ أَنَّهُم متخصِّصون؟!!!

بالطبعِ مِمَّا لا شكَّ فيهِ لديَّ، أَنَّ اللهَ الإِلهَ الخالقَ الحقَّ هُوَ قُدُّوسٌ جُملةً وَ تفصيلاً، وَ القُدُّوسُ هُوَ الْمُنزَّهُ عن أَيِّ عيبٍ وَ نقصٍ مهما كانَ صغيراً، فاللهُ جَلَّ وَ علا هُوَ الكمالُ الْمُطلَقُ الخالي مِن أَيِّ عيبٍ وَ نقصٍ، هُوَ الْمُنزَّهُ عن أَدنى شَينٍ أَيَّاً كانَ، وَ حاشاهُ أَن يكونَ ناقصاً أَو يوصَفُ بشيءٍ منَ النقصِ، تقدَّسَت ذاتُهُ وَ تنزَّهت صفاتهُ، فلا هُوَ الجاهِلُ، وَ لا هُوَ غيرُ العارِفِ، وَ لا هُوَ الكاذبُ مُطلقاً.

إِذاً فالحقيقةُ هيَ:

– هُناك حقائقٌ وَ خفايا وَ أَسرارٌ لَم تتكشَّفَ لِمَن كانَ قبلنا بمَن فيهم العُلماءُ الّذين ظنَّ فيهمُ الآخرونَ أَنَّهُم متخصِّصون.

ضَع (ي) هذه الحقيقة في حساباتك باستمرارٍ؛ إِن شئت أَنت الوصول إِلى الكنوزِ الدفينةِ في أَعماقِ بحارِ الحقائق وَ الخفايا وَ الأَسرار، وَ هذا تنبيهٌ ثانٍ منِّي إِليك، وَ عليك أَنت بعدَ ذلك، الغوصُ في بحارِ الحقائقِ المليئةِ بالكنوزِ الدفينةِ الثمينة، فتأَمّل (ي) وَ تدبَّر (ي) جيِّداً أَعزَّك الله.

بالإِضافةِ إِلى أَنَّ الآيةَ الشَّريفةَ الخاصَّةَ بمراحلِ الخلقِ قَد أَخبرتنا صراحةً، قائلةً:

– {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاء رَكَّبَكَ}..

وَ (ما شاءَ) تقتضي أَنَّ الّذي خلقَ الإِنسانَ لَهُ حُريَّةُ الاختيارِ في جعلِ صورةِ هذا المخلوقِ حسنةً لا نقصَ فيها، أَو قبيحةً يعتريها النقص، وَ لهذا الاختيارِ في تركيبِ صورةِ الإِنسانِ ما بينَ كُلِّ درجاتِ الْحَسَنِ، ابتداءً مِن أَدناها، وَ انتهاءً إِلى أَحسنِ صورةٍ فيها، وَ ما بينَ كُلِّ درجاتِ القُبحِ، ابتداءً من أَدناها، وَ انتهاءً إِلى أَقبحِ صورةٍ فيها، بما فيها صورةُ المشوَّهين!

هذا مثالٌ واقعيٌّ بسيطٌ جدَّاً عن الأَخطاءِ الفكريَّةِ الّتي تعجُّ بها تلكَ الكلماتِ لتلكَ الكاتبةِ المغمورةِ، أَرشدَها اللهُ إِلى الصَّواب، ناهيك عن غيرها منَ الأَخطاءِ الفكريَّةِ الأُخرى، منها على سبيلِ الإِشارةِ وَ الاختصارِ، دونَ الخوض في تفاصيلِ جزئيِّاتها الدقيقةِ، الصفاتَ المتناقضةِ الّتي جعلتها هيَ جُزافاً لـ (الإِنسان)!

أَقولُ:

الإِنسانُ هُوَ الّذي يأَنسُ بأَخيهِ الإنسانِ، وَ الّذي يأَنسُ بأَخيهِ الإِنسان لا يكونُ ظالماً لِمَن يأَنسُ بهِ، وَ في حالِ انسلاخهِ مِنَ الأُنسِ بأَخيهِ الإِنسانِ، سيكونُ ظالِماً لا محالة؛ لأَنَّهُ في هذهِ الحالةِ لن يضعَ أَيَّ اعتبارٍ لذلكَ الإِنسانِ المظلومِ، فهُوَ (هذا الظالِمُ) قَد انسلخَ مِن فطرتهِ الإِنسانيَّةِ السَّليمةِ الّتي تقتضي الأُنسَ بأَخيهِ الإِنسانَ، وَ هذا الاقتضاءُ يوجِبُ تحقٌّقَ قاعدةَ (لا ضَررَ وَ لا ضِرارَ) الّتي أَمرَنا وَ أَوصانا بها النبيُّ الصادقُ الأَمينُ (جدِّيَ الهاشميُّ عليهِ وَ على آلهِ الطاهرين وَ صحبهِ الأَخيار الْمُنتَجبين أَفضلُ الصَّلاةِ وَ أَتمُّ السَّلام وَ روحي لَهُ وَ لَهُم جميعاً الفِداءُ)، مِمَّا يعني (بداهةً): أَنَّ الظالمَ قَد اختارَ بنفسهِ هُوَ أَن يُغادرَ هيئةَ الإِنسانِ ليدخُلَ في هيئةٍ أُخرى ممسوخةٍ تتشكَّلُ وِفقاً لاختياراتهِ هُوَ ضِمنَ حُدودِ التسييرِ، وَ هذا الشيءُ ينطبقُ على جميعِ السلوكيِّاتِ الْمُشينةِ الأُخرى الّتي لا ترتبطُ بالفطرةِ الإِنسانيَّةِ السَّليمةِ، مثل: الكذب، وَ الغدر، وَ الخيانة، فالكاذبُ ليسَ إِنساناً، وَ الغادرُ كذلكَ ليسَ إِنساناً، وَ الخائنُ أَيضاً ليسَ إِنساناً، كُلُّ واحدٍ مِن هؤلاءِ الثلاثةِ مسخٌ سمَّاهُ لنا رسولُ اللهِ بـ (المنافق)؛ وَ أَخبرنا بأَنَّ آيتُهُ:

– “إِذا حدَّثَ كذب، وَ إِذا وعدَ أَخلف، وَ إِذا أُؤتِمنَ خان”..

وَ هذا الْمِسخُ الّذي اسمُهُ (مُنافِقٌ) وَ الّذي بطبيعةِ الحالِ صِفتُهُ النِّفاقَ، قَد أَخبرنا القُرآنُ عنهُ صراحةً، قائلاً:

– {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}..

[القرآن الكريم: سورة التوبة/ الآيتان (67 و 68)]

وَ قالَ أَيضاً:

– {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً، إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً}..

[القرآن الكريم: سورة النِّساء/ الآيتان (145 و 146)]

وَ قولهُ:

– {إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ}..

أَيّ: الّذين اختاروا الرجوعَ إِلى هيئةِ الإِنسانِ بانتهاجِ فطرتهِم السّليمةِ الّتي فطرهُم اللهُ عليها، لأَنَّهُم في تلكَ الحالةِ، الحالة الأُولى الطبيعيَّةِ غير الممسوخةِ مُطلَقاً، أَعني بها: حالة الإِنسان، يكونونَ في دائرةِ الرِضا الإِلهيِّ؛ حيثُ أَنَّ حالةَ الإِنسان (بشكلها الطبيعيِّ) توجِبُ عليهِ أَن يكونَ بصفاتٍ مُتلازمةٍ أَربعةٍ معاً، لا تنفكُّ إِحداها عنِ الأُخرى أَبداً، هيَ:

– (1): تائباً: أَيّ خالياً من أَيِّ ذنبٍ؛ كونُهُ قد اعترفَ بذنبهِ السابقِ وَ ندمَ عليهِ وَ عزمَ على عدمِ الرجوعِ إِليهِ.

وَ:

– (2): مُصلِحاً: أَيّ لا يُفسِدُ أَبداً.

وَ:

– (3): مُعتصِماً باللهِ، أَيّ لا يكونُ عبداً لكهنةِ المعابدِ سُفهاءِ الدِّينِ أَو أَيِّ شيءٍ آخَرَ غيرهُم دونَ الله، فيكونُ بذلكَ مُصداقاً عمليَّاً لـ {إِيَّاكَ نعبدُ وَ إِيَّاكَ نستعينُ}.

وَ:

– (4): مُخلِصاً دينهُ لله: أَيّ لا يعبدُ اللهَ طمعاً في جنَّتهِ أَو خوفاً من نارهِ، بل يعبد اللهَ حُبَّاً خالصاً في اللهِ، لأَنَّ الطمعَ وَ الخوفَ مُتلازمانَ مع بعضهما، وَ كِلاهُما يؤدِّيانِ إِلى الانحرافِ تحتَ أَيَّ ضغطٍِ قويٍّ لا يتحمّلُهُ الطامِعُ أَو الخائفُ آنذاك، لذا: نجِدُ الطامعينَ وَ الخائفينَ هُم الأَشخاصُ المنافقونَ وَ مِنهُم سُفهاءُ الدِّينِ المتأَسلمين لا المسلمين، الّذينَ يُتاجرونَ بكُلِّ شيءٍ حتَّى بالله، وَ في الوقتِ نفسهِ أَيضاً، لو دقّقنا جيِّداً، نجدُ أَنَّ جميعَ المنافقينَ طامعينَ وَ خائفينَ في الوقتِ ذاتهِ معاً.

عليهِ: فالإنسانُ بهيئتهِ الطبيعيَّةِ الّتي اختارها الله، لَن يكونَ بأَيِّ صفةٍ سيِّئةٍ مُطلقاً، فلا يكونُ مُتكبِّراً أَو ظالماً أَو بخيلاً أَو مُذلِّاً أَو ذليلاً أَو كاذباً أَو زانياً أَو مُتسوِّلاً أَو فاسِداً أَو كافِراً أَو عابداً لغيرِ الله، كما مرَّ في كلماتها أَعلاه.

ناهيك عن امتناعِ اجتماعِ النقيضينِ في شيءٍ واحدٍ أَو زمانٍ واحدٍ أَو مكانٍ واحدٍ أَيضاً، فكما أَنَّ حلاوةَ السُكِّرِ لا تجتَمعُ معَ المرارةِ في السُكِّرِ ذاتهِ، وَ كما أَنَّ مرارةَ الحنظلِ لا تجتمعُ معَ الحلاوةِ في الحنظلِ ذاتهِ، كذلكَ في الإِنسانِ (بهيئتهِ الطبيعيَّةِ) لا تجتمعُ السلوكيِّاتُ الصحيحةُ معَ السلوكيِّاتُ الخاطئةُ، وَ كذلكَ السلوكيِّاتُ الخاطئةُ لا تجتمعُ معَ السلوكيِّاتِ الصحيحةِ في المسخِ أَيَّاً كانَ ظاهِرُهُ أَمامَ الآخَرين!

– يبقى الإِنسانُ إِنساناً، وَ يبقى الْمِسخُ مِسخاً أَنَّى كان.

وَ في كلماتها أَلفاظٌ رسمَتها هيَ بشكلها المذكور في أَعلاهُ، رُبَّما دُونَ علمٍ منها بحقيقةِ تلكَ الأَلفاظِ، فأَرادَت معنىً آخَرَ لأَلفاظٍ برسمٍ غيرَهُ، إِلَّا أَنَّها استخدَمت لهجتها الدارجةِ وَ خلطَت بينَ رسمِ الأَلفاظِ فاختلطَ عليها المعنى بذلكَ، منها:

قولها: (خُلِقتُ مِن نتفةٍ)، فالـ (نتفة) معناها: القليلُ مِنَ الشيءِ، وَ الـ (نطفة) معناها: قطرةُ منيٍّ صافٍ، فهيَ قالت (نتفة) وَ لم تقل (نطفة)..

– فهل حقَّاً أَرادَت معنى الـ (نتفة)؟!

– أَم أَنَّ التعبيرَ لم يُسعِفها فأَرادَت معنى الـ (نطفة) فقالت دونَ أَن تدري: (نتفة) بدلاً عن (نطفة)؟!!

وَ قولها: (البصيرُ وَ الأَعمهُ)، فالـ (الأَعمهُ) معناها: هُوَ الشخصُ الْمُصابُ بعمى البصيرةِ، فيكونُ بذلكَ قلبُهُ مُتردِّداً مُتحيِّراً مُتَّبعاً هوا نفسهِ الأَمَّارةِ بالسوءِ، فلا يدري وجهَ الصّوابِ، وَ لا يعرِفُ الطريقَ الصحيح، حتَّى وَ إِن كانَ فاقدَ البصرِ، أَيّ: ضريراً لا يرى بعينيهِ، وَ الـ (الأَعمى) معناها: أَن يكونَ الشخصُ ضريراً فقدَ بصرَ عينيهِ وَ لا يستطيعُ الرؤيةَ بهما، حتَّى وَ إِن كانَ ذا بصيرةٍ قويَّةٍ تجعلُهُ مُتِّبعاً الصِّراطَ المستقيمَ فيدري وجهَ الصّوابِ وَ يعرِفُ الطريقَ الصحيح..

– فهل حقَّاً أَرادَت معنى الـ (العَمَهَ)؟!

– أَم أَنَّ التعبيرَ لم يُسعِفها فأَرادَت معنى الـ (العمى) فقالت دونَ أَن تدري: (العمه) بدلاً عن (العمى)؟!!

إِلى غيرِ ذلكَ مِن تناقضاتٍ فكريَّةٍ كثيرةٍ تكشِفُ جهلَ كاتبةَ تلكَ الكلماتِ، جهلاً مُرَكِّباً يجعلُ مَن أَحبَّها صادِقاً قُربةً إلى اللهِ أَن يحزنَ عليها حُزناً يحمِلُ في ثناياهُ إِليها كُلَّ الخيرِ وَ السَّلام.

إِنَّ كاتبةَ تلكَ الكلماتِ هيَ مِثالٌ حيٌّ عن غيرها الكثيرِ مِن أَمثالها في زماننا هذا على وجهِ الخصوصِ؛ إِذ نجدُ اليومَ أَنَّ مَن لا عِلمَ لَهُم بحقائقِ الأَشياءِ يخوضونَ في كُلِّ شيءٍ، ظانِّينَ أَنَّهُم يُحسنونَ صُنعاً، إِلَّا أَنَّهُم يُزيدونَ الفسادَ إِفساداً وَ هُم لا يعلمون، فتزدادُ مُجتمعاتُنا بذلكَ تصدُّعاً أَكثرَ فأَكثر!

إِنَّ حُريَّةَ التعبيرِ تقتضي على مسؤولي الصُحفِ وَ المجلّاتِ أَن ينشروا كُلَّ شيءٍ، حتَّى وَ إِن كانَ لا يصلحُ للنشرِ حتَّى، هذهِ هيَ حُريَّةُ التعبيرِ، أَمَّا مسؤوليَّةُ التعبيرِ فإِنَّها تقتضي على أَصحابِ الكلماتِ (الكاتبينَ وَ الكاتباتِ) أَن لا ينشروا إِلَّا ما كانَ صالحاً للنشرِ، وَ حيثُ أَنَّ الغالبيَّةَ اليومَ لا يعلمونَ شيئاً عن الحقائقِ وَ الخفايا وَ الأَسرار، وَ لا يعلمونَ حتَّى أَنَّهُم يجهلون، فباتوا في جهلٍ مُركَّبٍ مُتراكبٍ معاً، يجهلونَ أَنَّهُم يجهلون، وَ لا يعلمونَ بأَنَّهُم لا يعلمون، فأَصبحوا يتخبّطونَ في أَفكارٍ مُتناقضةٍ تتضاربُ فيما بينها تضارُباً صارخاً بامتياز، مِمَّا أَدَّى بهِم أَن يتظاهروا أَمامَ الآخرينَ أَنَّهُم مُستقرِّونَ، وَ في واقعِ الحالِ أَنَّ رأَسَهم يتفجَّرُ أَلماً؛ باحثاً عن إِجاباتٍ لأَسئلتهم المتمخَّضةِ عن أَفكارهم المتناقضةِ هذهِ، الّتي لا أَساسَ لها مِنَ الصِّراطِ المستقيم، إِذ افتقدوا الْمُعلَّمَ الأَمينَ ففقدوا بذلكَ كُلَّ مُقوِّماتِ وَ مُستلزماتِ الوصولِ إِلى برِّ الأَمان، لذا أَقولُ لكُلِّ واحدٍ مِن هؤلاءِ:

– لهذا السبب رأَسُك يتفجَّرُ أَلماً..

فباللهِ عليك لا تدع (ين) أَلمك هذا يتفجُّرُ في رأَس غيرك مِمَّن لا يمتلكونَ شيئاً مِن مقوِّماتِ الغوصِ في أَعماقِ بحارِ الحقائقِ أَيَّاً كانت، وَ ما أَكثرُ الّذينَ لا يعلمونَ بأَنَّهُم لا يعلمون! فلتكُن فيك خصلةُ الصبر، عليك التريُّث كثيراً قبل نشر كتاباتك، وَ عليك أَوَّلاً وَ قبل كُلِّ شيءٍ أَن تلتزمَ بمنهجِ الإِسلامِ الأَصيلِ، الّذي بابُهُ أَوَّلُ كلمةٍ قالها جبرائيلُ عليهِ السَّلامُ لسيِّدنا النبيِّ الصادقِ الأَمينِ (روحي لهُ الفِداءُ)، وَ هُوَ قولهُ الشّريفُ:

– {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.

[القرآن الكريم: سورة العلق/ الآية (1)]

لهذا، النقصُ لا يقعُ على مسؤولي الصحفِ وَ المجلّاتِ حينَ فسحوا المجالَ بالنشرِ أَمامَ الجميعِ؛ عملاً منهُم بـ (حريَّة التعبير)، إِنَّما النقصُ كُلُّ النقصِ يقعُ على الكاتبينَ وَ الكاتباتِ أَيَّاً كانَ مجالُ الكتابةِ لديهم وَ لديهنَّ؛ حيثُ لَم يعملوا وَ لم يعملَن بـ (مسؤوليَّةِ التعبير)، هذهِ المسؤوليَّةُ الّتي توجِبُ علينا أَن نتعلَّمَ أَوَّلاً مِن معلِّمٍ أَمينٍ، هُوَ: رسولُ اللهِ محمَّد بن عبد الله الهاشميِّ (عليهِ السَّلامُ وَ روحي لَهُ الفِداءُ)، الّذي هُوَ:

– {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}..

[القرآن الكريم: سورة النّجم/ آخِر الآية (3) وَ الآيتان (4 و 5)]

– {يُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}..

[القرآن الكريم: سورة البقرة/ آخِر الآية (151)]

فلاحظ (ي) أَنت وَ تأَمّل (ي) وَ تبصَّر (ي) وَ تدبَّر (ي)!

أَخيراً وَ ليسَ آخِراً إِن شاءَ اللهُ تعالى، أَقولُ: اللهُمَّ احفظ وَ بارِك جميعَ المؤمنين وَ المؤمنات، وَ اهدِ الغافلينَ عنك وَ الغافلاتِ إِلى سبيلِ الرشاد، وَ انتقِم مِنَ المنافقينَ وَ المنافقات، وَ عَجِّل لوليك الفرج، يا قُدُّوس يا ذا الجَلالِ وَ الإِكرام.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *