Share Button

كتب الدكتور كمال الحجام 

توجد لحظات تاريخية فارقة في حياة الشعوب تطرح فيها أهم القضايا المصيرية والاستشرافية التي تجسم جدليتها مع التاريخ، والتي تعطي معنى لمسارها التنموي في صلاته المستقبلية مع محيطها المحلي ومع سياقها الدولي. ويمثل يوم 18 ديسمبر بالنسبة الينا في تونس وفي كل سنة موعدا تاريخيا نؤكد فيه اعتزازنا باللسان العربي وتمسكنا بلغتنا العربية كجزء مهم من كينونتنا التاريخية، وهو في تقديرنا ما يدعم انتماءنا الى محيطنا العربي وما يساهم في تطوير وعينا الجمعي بأهمية التجذر والتأصل، وهو ما يجعلنا قادرين على بناء انفتاح اكثر وعي مع مختلف الثقافات وتعدد الحضارات.
ولعل الاحتفالات النوعية التي تقيمها تونس مع مختلف الدول العربية بهذا الموعد التاريخي لدليل قاطع على ما نكنه
بصفتنا اصحاب لسان عربي، من احترام موصول ومن مكانة مقدسة لرمزية اللغة العربية ودورها الثقافي والحضاري في حياتهم.
تحتل اللغة العربية المجسمة فعلا في حياتنا اليومية مكانة مرموقة باعتبارها وسيلة للتواصل الإنساني والتبادل الثقافي والعلمي. آن الاحتفالات المقامة لليوم العالمي للغة العربي يقيم الدليل لدينا في تونس، شأننا في ذلك شأن كل شعوب العالم، على ما توليه لها هياكل الدولة ومؤسساتها المختلفة الحكومية وفي المجتمع المدني من عناية فائقة…
لقد تقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ (18 ديسمبر من كل سنة ميلادية) لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 عام 1973، خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو، والذي تقرر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في اليونسكو.
ونظرا للاعتبارات الرمزية والمعنوية لهذا الاحتفال العالمي بلغتنا الوطنية، اللغة الأولى في تعاملنا اليومي في مختلف المجالات التعليمية والثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية، يؤكّد وعينا بمكانتها في شبكة اللغات العالمية المعتمدة رسميا، كم يبين دورها الأساسي في نشر الثقافة والعلوم وإقامة التواصل الإنساني عامة.
وإيمانا بأهمية ثراء الثقافة الإنسانية من خلال تعدد اللغات واختلاف الثقافات وتنوع الحضارات، لنا ان نذكر أن المنظمة الأممية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) تحدد سنويا أياما خاصة للاحتفال بمختلف اللغات في العالم نذكر منها:
– 20أفريل يوم اللغة الصينية
– 23 أفريل يوم اللغة الأنقليزية
– 12 أكتوبر يوم اللغة الإسبانية
– 18 ديسمبر يوم اللغة العربية وهو يوم إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية بالأمم المتحدة
وأخذا بعين الاعتبار نوعية القضايا الإنسانية المطروحة في المجتمعات البشرية، وانسجاما مع تطور كل اللغات في مسارات نموها وانتشارها، وإيمانا بدورها الرئيسي في نشر الثقافة والقيم الإنسانية الجامعة للبشرية ومكانتها في تقريب الشعوب، تختار منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم بالتشاور مع المختصين في مجال اللغات سنويا عنوانا محددا تدور حوله الاحتفالات المقامة في العالم.
ولعل متابعتنا لمسار الاحتفالات السنوية باللغة العربية في صلاتها بالمواضيع المدرجة للتفكير بمناسبتها يؤكد الخيط الناظم لتطور مشاغلنا الثقافية والعلمية بما يفترص على لغتنا ان تعبر عن هموم العصر وتحدياته؛ وهو ما يجعلها لغة قادرة على مسايرة العصر، وبتذكيرنا بالعناوين الفارطة للاحتفالات التي أقيمت سابقا باليوم العالمي للغة العربية والتي كانت على النحو التالي:
– عام 2013 اللغة العربية والاعلام
– عام 2014 الخط العربي
– عام 2015 لغة الضاد بين الامس والغد
– عام 2016 اللغة العربية والعلوم
– عام 2017 اللغة العربية والعالم الرقمي
– عام 2018 اللغة العربية والعلوم
– عام 2019 اللغة العربية والذكاء الاصطناعي
– عام 2020 مجامع اللغة العربية ضرورة أم ترف؟
– عام 2021 اللغة العربية والتواصل الحضاري
يمكن لنا أن نؤكد مدى حرص المتحدثين بها في كل اقطار العالم على جعلها مسايرة للقضايا الإنسانية.
إن التوقف عند عناوين الأيام العالمية للاحتفال باللغة العربية ليس مجرد عرض بقدر ما هو تأكيد واع على المعاني الرمزية التي تحركها القوى الفكرية الساعية إلى إعلاء رمزية هذا الاحتفال كما هي تأكيد واضح على الحرص الدولي الهام على تموقع اللغة العربية في سلسلة اللغات العالمية وبما يعطيها المكانة الرمزية الدولية ويمنح شعوبها وللناطقين بها الثقة في تناول الملفات الحديثة…
اليوم العالمي للغة العربية2021، اختارت له المنظمة الأممية شعارا مهما في الفترة الدقيقة التي يمر بها العالم اليوم، إذ اعتبرت اللغة العربية أداة للتواصل الحضاري. وهو شعار رمزي بمثابة النداء الحضاري والتاريخي للتأكيد على الدور الهام الذي تؤدّيه هذه اللغة، شأنها في ذلك شأن بقية لغات العالم، في مدّ جسور الوصال بين الناس على صهوة الثقافة والعلم والأدب وغيرها من المجالات الأخرى..
وقد بينت اليونسكو عبر موقعها الاليكتروني أن الغاية من طرح مسالة الاحتفال باللغة العربية تحت هذا الشعار هو سعي دولي جاد لإبراز الدور التاريخي الذي تضطلع به اللغة العربية كأداة لاستحداث المعارف وتناقلها، فضلاً عن كونها وسيلة للارتقاء بالحوار وإرساء أسس السلام. ولا غرابة في ذلك عندما نعرف أن اللغة العربية كانت ولا تزال على مرّ القرون الركيزة المشتركة وحلقة الوصل التي تجسّد ثراء الوجود الإنساني وتتيح الانتفاع بالعديد من الموارد.
ويكتسب في تقديرنا موضوع عام 2021 أهميّة بالغة في كنف المجتمعات التي تتعاظم فيها العولمة والرقمنة والتعددية اللغوية، وهذا ما نكتشفه عند اطلاعنا بعمق عن معاني الكلمة الرمزية التي تقدمت بها السيدة أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو، في رسالة لها بمناسبة هذا اليوم، إذ توجهت لشعوب العالم بما يلي:
“تعد اللغة العربية حلقة وصل بين الثقافات لا تحدها حدود المكان والزمان، وتجسّد اللغة العربية حقاً التنوع.
تعتزم اليونسكو، في هذا اليوم العالمي، الاحتفال بدور مجامع اللغة العربية والوقوف على أبعاده. فلا يقتصر دور هذه المجامع على حفظ اللغة العربية وإثرائها وتعزيزها، بل يشمل أيضاً المساعدة على رصد استخدامها في نقل معلومات دقيقة في سياق الأحداث العالمية الراهنة.”
تعد اللغة العربية من أقدم اللغات السامية، وأكثر لغات المجموعة السامية تحدثًا، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، إذ يتحدثها أكثر من 467 مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، وهي من بين اللغات الأربع الأكثر استخدامًا في الإنترنت، وكذلك الأكثر انتشارًا ونموًا.
ولأصحاب اللسان العربي أن يفخروا أكثر عندما يتفحصون المقاييس المعتمدة دوليا لتحديد قوة لغتهم، ذلك أن معظم المؤشرات المتصلة بعدد الناطقين بها
وبعدد الدول التي تعتمدها لغة رسمية،
-وبمعدل النمو السكاني للبلدان التي تستخدمها، وبمدى استخدامها في مجالات السياحة والاقتصاد والتجارة والخدمات والدراسة، وبالحركة الثقافة والتعليمية وباستخدامها في التعليم وفي التكنولوجيا الحديثة، يجعلون منها لغة حية قادرة على مسايرة التطور التكنولوجي الحديث.
هذا ولنا أن نؤكد نتيجة لما سبق ذكره أن العديد من النظم التعليمية عبر خطها الفكري التربوي الناظم تعبر عن تمسكا بتعليمها للنشئ، فهي اللغة الأولى التي تتموقع في مناهجها التعليمية والتربوية، وفي ذلك وعي واض
إن اللغة العربية التي توظف في مجال التعليم والتربية هي حاملة لمضامين ثقافية تربوية حضارية تكون الشخصية القاعدية للمواطن العربي. وهو ما سيمكنه من الشعور بالانتماء والاعتزاز به، وهو في تقديرنا الشرط الأساسي لكل انفتاح مطلوب على مختلف اللغات والثقافات الأخرى.
د/ كمال الحجام
الأربعاء 15 ديسمبر 2021
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *