Share Button

نقشٌ على القلب

 بقلم : د. مجدي إبراهيم

قال قريني (وللكاتب قرينٌ لا يفارقه) : يمكنني أن أعمل مثل هذا، ولم يكن قد تمّ قراءة مقالي في الجورنال الذي تركه بين يديه مفتوحاً : عين على كلمات المقال، والأخرى يحدّق بها في بصري، وينظر – يا والداه – إلىّ شرراً، لكأنه يتساءل في حيرة المندهش المضطرب : من أين أتتك هذه الطاقة الجارفة لتدوّن بقلمك ما دونته في مقالك هذا؟

وبدوري أنا، رحتُ أرمقه رمق المتعجب ممّا كان أضمره في نفسه : ألا تقولها صراحة وجسارة أو تطلقها خالصة دعوة لأخيك : نضّر الله قلمك وأناره بنور التوفيق؟

رحتُ أرمقه رمقات تكشف عن المخبؤ ممّا كان يطويه وأتساءل، ولكن لا في حيرة ودهشة كما كان يتساءل هو، بل في يقين الواثق ممّا يقول :

ماذا وجدت ممّا قرأت يا عزيزي فيما هو أمامك؟ أعلم إنك بالإمكان أن تعمل مثل هذا، وفوق هذا لو أردت، ولكن أطلعني على ملاحظاتك كيما استفيد منها فيما سيأتي من أفكار نزمع طرحها تباعاً على طاولة المقروء، أو ممّا اخترناه عنواناً لهذه المجموعة من المقالات.

فتح فمه فاغراً لكأنما الدهشة أعجزته، وراح يدور ببصره في سقف الحجرة يستلهم إجابته فتفتق ذهنه عن إجابة قاطعة مانعة، فقال : في الحقيقة لم أجد فيما قرأته لكم معنى ولا دلالة، إنْ هو إلا مُجرّد نقشُ على القلب.

قلت متعجباً : نقشٌ على القلب! ومادام قد وصل إليك هذا النقش الذي على القلب، كيف لم تجد فيه معنى ولا دلالة، ما هذه المُفارقة الغريبة يا عزيزي؟

أظنك لا تدري كيف ينقش كاتب على قلبه وكيف يعزف عليه ألحاناً سرمدية؟ ولا أظنك تدرى كذلك معنى لكلمة نقش على القلب حين تكون عنواناً لكاتب يمتص رحيق المقروء فيخرجه للناس من عندياته، أو يكتفي ليعزف على قيثارة قلبه ليسعد نفسه أولاً ومن سعادتها يصل لقارئه السعادة التي وصفتها بالنقش هاهنا على القلب؟

لكن شيئاً قد جبرته الأيام لم يعد صاحبك يفكر فيه، غير أنه باق يحمل في أطلاله جراحات الألم، ولم يكن كذي قبل، تارة يظهر بقوة وأخرى يتوارى خلف حجب الغفلة المتعمدة أو خلف حجب الزمن. ويكأنها صورة الفراق الحزين يداخلها السهد مع الغُصّة مع حُرقة القلب السقيم. ويتلاقى وجد الشاعر مع نظرات المتأمل ليستقر الحرف على تعبير قريب. ولا يزال يتراءى في سبحات يطويها الصدر الزاخر كأمواج متلاطمة ولم يزل هو ما يصبو إليه القلم عند مراحله العليا : أشجانٌ في إيمان، ولا إيمان ولا أشجان.

فلمّا أن سمع مني هذا، أحسّ بالحرج، فشعر أنه أحسن من حيث أراد الإساءة، فأحببتُ أن أرفع عنه الحرج، فقلت : أصبت الحقيقة، إنْ ما قرأته اليوم هو بالفعل نقشٌ على القلب، لكن الفرق أوضح من يحتاج إلى دليل بين قلب يستوعب، وآخر يلفظ دون أن يستوعب، بل وقبل أن يستوعب.

حقاً .. لقد صدق قول الحق : “إنها لا تعمى الإبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”. وقال الحق أيضاً : “إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب”.

(إنْ يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً ممّا أُخذ منكم ويغفر لكم، والله غفور رحيم) ألا كم نقشت على قلوبنا معان وكم صدق النقش وصدق المعنى؟ كم كانت هنالك آلام نعانيها لمجرد محاولة النقش أو محاولة قنص المعنى في هدوء الفكر وراحة العقل أو قل يقظته؟ كم عشنا الليالي والأيام تتواصل معنا كيما نصدق القول ونصدق العمل؟

وفي النهاية تحقق بفضل الله ما نريد، فالحمد لله أطيب الحمد وأكثر الثناء. 

مجدي إبراهيم

Share Button

By Ahram.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *