Share Button

 

أحزنني كثيراً ما رواه لي أحد الشباب عن مظلمةٍ لحقت بساحة أبيه من أقرب الناس إليه مات علي إثرها مقهوراً مظلوما فنمت من ليلتي مسهّدا مما سمعت ذلك أن الظلم مرتعه وخيم و عاقبته سيئة و جزاء صاحبه النار و خراب الدار و والله لو بغي جبل علي جبل لَدُك الباغي منهما
إذ ما حرم الله شيئا كالظلم و ما توعد أحداً بمثل ما توعد به الظالمين فقال :
(إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها و إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمُهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقا) .. ‘الكهف ٢٩’

و لقد رأيت البارحة فيما يري النائم أستاذي و هو في أبهي حلله و قد انبلجت من جبينه أنوار الحق ساطعة و هو يناديني إياك و الظُلم ، فالظلم ظلمات في الدنيا والآخرة و بادرني بقوله إن الله حرم الظلم علي نفسه و علي الناس و جعله مقبوحا و كره الظالمين و لعنهم في كتابه و توعدهم ببطشه و شديد عقابه فهو القائل :
(ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) .. ‘إبراهيم ٤٢’

و أردف أن الظلم في الدنيا بلاء كبير و شر مستطير و في الآخرة خزي و ندامة و ظلمات يوم القيامة و أكد أنه نوعان
أولهما : ظلم الإنسان لنفسه و أعظمه الشرك بالله و أن تجعل لله نداً و هو خلقك ثم يليه المعاصي دِقها و جَلّها و أما الثاني فهو ظلم العبد لغيره و ذكر أن النبي صلي الله عليه وسلم حذر من ذلك بقوله :
“إن الله عز و جل قال و عزتي و جلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله و آجله و لأنتقمن ممن رأي مظلوما فقدر أن ينصره فلم يفعل” ..’رواه أبو الشيخ ‘
و استطرد مقرراً أن الرسول العظيم صلي الله عليه وسلم قد أكد علي ذلك بقوله :
“يقول الله تعالي اشتد غضبي علي من ظلم من لم يجد له ناصرا غيري” .. ‘رواه الطبراني’

و أكد أنه هو القائل اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب” .. ‘رواه الشيخان’

ثم سكت هنيهة و قال إن النبي العظيم صلي الله عليه وسلم في آخر إطلالة له في حجة الوداع قال :
“إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت !”
.. ‘رواه الشيخان و غيرهما’

و تذكرت أنني قابلت يوماً ظالماً تعاملت معه بحسن النية و صدق الطوية فما كان منه إلا أن حاول أن يلحق بساحتي ظُلما فادحا دون ذنب جنيته و دون مقتضي اللهم إلا حب الايذاء و حقدا تملك من قلبه المريض فدعوت عليه بالكعبة المشرفة و فوضت الأمر فيه إلي الله الواحد الأحد و لم أنقطع عن ذلك الدعاء لسنوات طوال ، ظل فيها هذا الشقي علي استكباره و عناده و جرائمه و إلحاق الأذي بالغير ، فانطلقت الحناجر و ارتفعت الأيادي تشكوه إلي الله الجليل علي ما حاكَ من المظالم التي يشيب لهولها الولدان فقد دأب علي تلفيق بعض القضايا الشائنه لبعض ابناء زملائه بغيه ابعادهم عن التعيين في الوظائف الهامه
و صبرت عليه السماء طويلا و أمهلته عله يعود إلي ضميره و يضرب صفحا عن إجرامه إلا أنه ظل سادرا في غيه و تهاونه و زاد من تسفّله و انحطاطه و اعتدائه علي كل من صادف في جرم عظيم و ذنب كبير و خصلة شنيعة و أمارة من أمارات الخيانة
إذ ظل العمر كله يحمل قلبا ينبض بالخطايا و يعج بالكراهية و سوء الطوية حتي زاد عدد ضحاياه الي الحد الذي يعجز عنه الحصر و علي حين غرة عاجلته السماء بضربة قاصمة مزقت أوراق حياته و مشاعره ليذوق الرغام و ليتجرع من كؤوس الذل و الهوان فأُقصي عن وظيفته و خرج منها مطرودا شر طردة يكلله الخزي و العار و دارت عليه الدائرة جزاءً وفاقا لترتاح نفوس و قلوب طالما أذاقها الويل و الثبور و عظائم الأمور فهدم صروحا و خرب بيوتا و نكأ جراحا و ألحق البؤس و الشقاء بساحة كل من اقترب منه و ظل العمر كله يرفع لواء الشر و الخطيئة في انحطاط و تبجح فلما دنت ساعته ما بكت عليه السماوات و الأرض ولا غضب من أجله أحد فيا له من أحمق طياش خسر الدنيا فضلاً عن عذابه الأليم يوم القرار
فالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
“يقرر أن المكر و الخديعة و الخيانة في النار” ..’ رواه أبو داود’ و تلك عقبي التعدي
فسألت أستاذي و ماذا عن الإستيلاء علي الأموال بغير حق ؟؟
قال هي عين الظلم
فآكل أموال اليتامي ظالم و الخائن في الوديعة ظالم و السارق ظالم و آكل الرشوة ظالم و منتقص الكيل و الميزان ظالم و الغاش ظالم و المختلس ظالم و النصاب ظالم و من يقتطع حق الناس بيمينه فهو ظالم.
و تذكرت أن لصين من الشباب قد سرقا بوابة منزلي الحديدية و رغم أن الشرطة بذلت جهداً رائعا أدي إلي ضبط البوابة بعد سويعات قليلات من سرقتها في نفس اليوم و كانت المفاجأة أنها بيعت بثمن بخس لشراء حبوب مخدرة و لو كانا قد طلبا مني هذا المبلغ لأعطيتهما إياه علي سبيل الصدقة بنفس راضوية ، و كنت قد دعوت عليهما و قد عوقب الأول بالسجن بعد أن رفض أن يرشد عن زميله و خرج بعدها ليموت علي إثر تناوله جرعة زائدة من الحبوب المخدرة و الأغرب أن شريكه قد لقي نفس المصير قبله بعشرة أيام و لذات السبب و ما ربك بظلام للعبيد.

و هنا قرر أستاذي أن المظلوم في معية الله و ذكر ما رواه عبد الله ابن سلام إذ قال
إن الله تعالي لما خلق الخلق و استووا علي أقدامهم رفعوا رؤوسهم و قالوا يا رب مع من أنت ؟
قال : مع المظلوم حتي يؤديَ إليه حقه

“يراجع كتاب الرياض الندية في الخطب المنبرية لمحمد حلمي محمد خضر” ‘ص ٣٧٨’

و لما هَمَّ أستاذي بالانصراف رجوت أن ينصحني فقال
بنيّ لا يغيبن عنك أن دعوة المظلوم تقصم الظهور و تدمر الدور و تهدم القصور و تقصف الأعمار و تأتي علي الأخضر و اليابس و تُهلك الأمم و تفني الجحافل و تمحق البركة و تحبط العمل و تجلب اللعنات و توجب العقاب و أن بئس الزاد للمعاد العدوان علي العباد في أموالهم و أعراضهم و حقوقهم ثم تبخر أستاذي كعادته رحمه الله و هو يردد
اللهم صل على النبي العظيم المبعوث بحفظ الحقوق و احترام الأعراض و صون الأموال ثم استعبر فبكي ثم انصرف في أمان الله
فاللهم صل على الحبيب الشفيع أصفي النفوس و أزكاها و أطهر القلوب و أصفاها و الذي نهانا عن الظلم و حذرنا من عاقبته و نهايته
اللهم صل عليه ما تجلت الشمس و ضحاها و الليل إذا يغشاها و آتي نفوسنا تقواها و زَكِّها و أبعدها عن المظالم فأنت خير من زكاها فأنت وليها و مولاها بحق حبك لخير الخلق و أحلاها و أفضلهم منزلة و أعلاها و أحسنهم رتبة و أبهاها و صل علي آله الطيبين الطاهرين و علي زوجاته أمهات المؤمنين و أصحابه الغر الميامين
ما هبت النسائم و ما ناحت علي الأيك الحمائم ما طلعت شمس النهار و ما قد شعشع القمر ما جن ليل الدياجي أو بدا السحر

المستشار : عادل رفاعي

🌹❤️

 

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *