Share Button

عهود السرحان
زهران للنشر والتوزيع – عمان
( رواية الوجود اليومي في دراما الحزن والأمل )
بقلم الاديب /سليم النجار
متابعة/لطيفة القاضي
لا تتسم رواية السرحان بسعة المدى أو ملحمية وتفكيكها ليس بالضرورة داريكالياً ؛ فاقصى ما تطمح إليه الرواية هو سرد الحدث على خلفية من وقائع ماضية . ولكن كل هذه النقائض تتغلب عليها حبكة محكمة وجع لغوي إن جاز لنا التعبير ؛ نثر ليس في حاجة لتزويق .
تكتب عهود في قالب سوريالي عن الحب والقدر ؛ وقد نجحت في أن تصير روايتها ( مشروع للإنسانية ) كما سعت إلى ذلك . تتجمع خيوطها وتلتئم مع اكتمال عقدتها في محمد ؛ مستعينة بصور بلاغية شعرية ( وكلما شممتُ عبيرها وتذكرتهُ بها … صندوق صغير ورائحة تحملُ كُل الذكريات …! )١.
تتجلى موهبة عهود السردية منذ الصفحة الأولى : ( كائناً من أكون ..! فإنني كُتلةٌ متوازنة من لحم ودم وبواقي مشاعر تم بردها بأداة حادة هي البشر ؛ يمتزجُ دمي بدماء آجدادي ؛ ليكون ميراثي جيناتٌ تشبتُ بقوة؛ بذات الوقت التي تدفعها تجاربي إلى مساكنها لتبدو ساكنة وتجتثُ مكانها في تصرفاتي … ص١٣)٢.
لا يخفي دور إشكالية الصدام بين قيم الاخلاق الرمزية والتحرر من تلك القيم ؛ وكثيرا ما يتصادمان . وبالضوء يعني المؤلفة ” الضوء المرئي ” الذي نُبصره بأعيننا ؛ وليس غير المرئي ؛ تحتفي الكاتبة بأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء ؛ أي كل الضوء الذي نراه يرتحل حولنا .
تتسائل عهود إن كانت هذه الصور النمطية تُعبر عن حقيقة ؛ وإن كانت حقيقة مجازية . فحنو العاشق ” محمد ” بطل الرواية عليها ؛ بكلمات رقيقة وشاعرية لا يجعله أقل دموية أو وحشية فقط يجعله إنساناً : ( سنكون معاً … حيث تكون السعادة وحيث يكون الحُب … ص٢٩٠)٣.
كما تسعى الروائية في سردها ؛ تشيع الحياة : ( أن نبقى معهم هُم فقط دون غيرهم … من يحبك فقط يستحق ان يبقى إلى جانبك .. في حياتك وذكرياتك وماضيك وحاضرك … الحمد الله على السعادة التي تُعانقني الآن ولا تفكّ العناق … ص٣٣٢) ٤.
لقد كان سرد عهود هو المشترك بين الحكايات ؛ فالعناصر التي تتكرر في كل الحكايات هي التي تصلح لأن تشكل سلسلة من التحققات المتنوعة لنموذج عام وكوني يصدق على كل حكايات العالم . ويعني ذلك البحث عن العنصر الثابت في الحكاية ؛ وعزلة عن العناصر المتحولة بهدف الإمساك ببيئة عامة يمكن تلمُس وجودها في كل الروايات التي تُمثل لوضعيات مشخصة . فما تشكل الحكاية وما يحدد ماهيتها في نهاية الأمر وبدايته هو العناصر الثابتة وليس غيرها ؛ والعناصر الثابتة في رواية ” نصف قمر ” الشخصية المتحولة ؛ ” محمد ” باعتبارها كيانا متحولاً ؛ وهي بذلك لا تشكل سمة مميزة يمكن الاستناد إليها من أجل القيام بدراسة محايثة لنص الحكاية : إنها متغيرة من حيث أشكال التجلي . وهذا ما ذهبت إليه الرواية ؛ بأن تجعل من هذه الشخصية ثانوية من حيث القيمة ؛ رغم عنف السرد العاطفي وعلى عكس الشخصيات الاخرى في الرواية التي تشمل عليها الحكاية ؛ وهي كثيرة ؛ فإن عنصري الشخصية والوظيفة مرتبطان بينهما ارتباطاً وثيقاً رغم تغير الاولى وثبات الثانية ؛ فلا يمكن ؛ داخل الحكاية ؛ تصور هذه دون تلك ؛ وشخصية فادي العاشق من جهة واحدة : ( لا اريد أن تعشقني .. فعشقي لك يكفي كِلانا .. لا اريد البوح أو والإقتراب أكثر .. لا أريد أسيرة قلبي .. ص١٤٧)٥.
إن الوظيفة هي الخالقة للشخصية ؛ وليس العكس ؛ كما يبدو من خلال القراءة الفوقية ؛ الكاتبة عهود خلقت وظيفة لفادي ؛ ألا وهي فعل العشق لشخصية ” ريما ” ؛ التي هي البطلة المرادفة لبطلها ” محمد ” ؛ بعبارة أخرى ؛ ليست شخصية فادي سوى أداة تنفيد لبرنامج الاعتداء في تجلياته المتنوعة ؛ للعلاقة غير السوية بين ريما ومحمد ؛ ويمكن تحديد هذا الشكل الوجودي لهما كما سردت الكاتبة على الشكل الأتي : ( انا من تركك مع الحزن .. الحزُن ياسيدتي لأهون من العيش يوماً في عيون الحقيقة .. لا تبحثي عن الحقيقة وداعاً !! ص٣٣٤)٦ . في ضوء هذه الملاحظات يمكن تسجيل بعض النقاط التالية لبناء الشخصية في رواية ” نصف قمر ” ؛ : توزيع الوظائف وتحديد عددها وتوزيع دوائر الفعل على الشخصيات وفق المضامين الدلالية لهذه الوظائف ؛ التي في النهاية تؤدي دورها ضمن رؤية محدّدة ؛ أن ربما بطلة الرواية ؛ هي الضحية ؛ ضحية العشق ! ؛ وهي حكاية شائعة في ثقافتنا العربية ؛ والعالمية ؛ وهناك جلاّد ؛ وضحية بغض النظر عن الجنس ؛ وعلى هذا الأساس ؛ فإن الإجراء التحليلي الذي يستند إلى التجريد ؛ هو شكل من الأشكال الخطابية ؛ وهو في نهاية الأمر تحقق ثقافي أيديولوجي لوحدات مفهومية تتسم بالعمومية ؛ ولعل السرد التالي يدلل على ما ذهبت إليه : ( كم هو مؤلمٌ أن يصبح مُجرد صورة ؛ خيال ومجموعة ذكريات ؛ نقطن الأرض ولانلتقي ؛ وكأن الكواكب كُلها تفصل بيننا ؛ وما بعد صورته يتراءى لي يوماً ص٢٨٠)٧ . فلا يمكن بأي حال من الأحوال – وفق هذه النظرة – التعامل مع هذه الشخصية ( محمد ) ؛ التي تشتغل كشخصية في هذا السرد ؛ كعنصر متميز ولا دور له في بناء الحكاية . فلا العنيين : ( القوة ) و ( الخصوبة ) ؛ يشكلان قيمة دلالية لا يمكن التغاضي عنها في تحليل الحكاية . بل يمكن القول إن ما منح النص الحكائي لرواية ( نصف قمر ) ؛ خصوصية وعمقه بأن ؛ القوة والخصوبة كانا من حظ ” ريما ” ؛ وما شخصية ” محمد ” إلا مرآة عاكسة لهذان المعنيين . إنّ رواية ” نصف قمر ” للكاتبة عهود السرحان ؛ هي مرجعية سلوكية ” الذكر ” إنها تمثل داخل ثقافة شرقية ذكورية معياراً وحيداً لسلوك يحدث ولابد من حدوثه باعتبار الحدث سلسلة من الحوادث ؛ التي لا تتحقق إلا داخل نص ” الذكر ” ؛ والأمر هنا لا ينحصر في تجميع للأفعال فحسب ؛ بل هو رصد لأنواع سلوكية قابلة للتصوّر ضمن حدود نسق وأكثر عمومية في رواية ” نصف قمر ” ؛ التي سعت إلى تشخيص القيم وإعادة صياغة حدودها .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *