Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

التابعى سالم بن عبد الله بن عمر، هو أبو عمر سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو تابعي مدني، وهو أحد رواة الحديث النبوي الشريف، وهو مفتي المدينة المنورة في زمانه، وهو أحد فقهائها السبعة، وكان جده هو الفاروق عمر بن الخطاب، وقد ولد أبو عمر سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي في المدينة المنورة في خلافة عثمان بن عفان، وأمه هى أم ولد، وأم ولد هو مصطلح شهير في كتابات المؤرخين المسلمين القدامى، وهو يشير إلى الأَمَة التي ولدت من سيدها في ملكه، وهى تُعتق بمجرد موت سيدها ولا يجوز له بيعها، ويكون حكمها كحكم الحرة في الستر، في ستر الرأس والأطراف وكذلك في أحكام الصلاة، ولا يختلف فقهاء المسلمين على إباحة ووطء الإماء.

وتعرف أيضاً بأنها الأمة التي قد أنجبت من سيدها ولداً وقد استهل صارخاً ولو مات حينئذ، فكل أمة أنجبت من سيدها ولداً ولو استهل صارخا ومات، فهي أم ولد وهى تعتق بمجرد موته، وله منها في حياته قليل الخدمة ولا يجوز له بيعها، وهي التي تسمى أم الولد، وأما عن سالم بن عبد الله، فقد اختلف في كنيته، فقيل أبو عمر، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو عبيد الله، وقيل أبو عمير، وقد سماه أبوه سالما تيمنا بسالم مولى أبي حذيفة، وكان سالم مولى أبو حذيفة هو صحابي يُعد في المهاجرين، وقد شهد المشاهد كلها، وشارك في حروب الردة، وكان من بين القرآء الذين استشهدوا في معركة اليمامة، وكان سالم عبدا فارسيًا من إصطخر لامرأة من الأنصار تُدعى ثبيتة بنت يعار الأوسية.

وقد اعتقت ثبيتة سالمًا، فوالى سالم زوجها أبي حذيفة بن عتبة الذي أحبه وتبنّاه، وزوجه من ابنه أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وعاش سالم في كنف أبيه بالتبني أبي حذيفة، حتى نزل قوله تعالى ( أدعوهم لأبائهم هو أقسط عند الله ) ونزلت الآيه بتحريم التبني، وبعد التحريم، جاءت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن سالما معي، وقد أدرك ما يدرك الرجال، فقال: أرضعيه، فإذا أرضعته فقد حرم عليك ما يحرم من ذي المحرم، وقد ذكرت أم سلمة زوجة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن أمهات المؤمنين أبين أن يدخلن أحد عليهن بهذا الرضاع، وقلن إنما هي رخصة لسالم خاصة، وكان سالم حريصا على حفظ القرآن، حتى أنه كان يُقدم للإمامة في الصلاة على المهاجرين في قباء.

وكان ذلك قبل قدوم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى يثرب، لأنه كان أقرأهم للقرآن، وقد كان سالم حسن الصوت حسن القراءة، وقد أثنى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على قرائته، في حديث نبوي رواه إبراهيم عن مسروق عن عبد الله بن عمرو عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه قال: استقرئوا القرآن من أربعة، ابن مسعود، وسالمًا مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وكان سالم بن عبد الله شديد الأدمة، حَسن الخلق، شديد الشبه بجده عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وقد جمع سالم قدرًا كبيرًا من العلم، حتى صار أهل المدينة يستفتونه في شئونهم، كما كان أحد فقهاء المدينة السبعة الذين إذا جاء قاضي المدينة مسألة.

وكان لا يقضي القاضي فيها حتى يرفعها إليهم، فينظرون فيها فيصدرون فيها فتواهم، وقد عاش سالم بن عبد الله حياة من الزهد، حيث قال مالك بن أنس: لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين، في الزهد والفضل والعيش منه، ولفضله وعبادته تغيرت نظرة أهل المدينة لأبناء الجواري، حيث قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم الغر السادة علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله، ففاقوا أهل المدينة علمًا وتُقى وعبادةً وورعًا، فرغب الناس حينئذ في السراري، وكان سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أحد فقهاء المدينة المنورة الكبار، وكان به شبه من جده أمير المؤمنين.

وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال سعيد بن المسيب رضي الله عنه: كان عبد الله أشبه ولد عمر به وكان سالم أشبه ولد عبد الله به، وقال عنه العلامة ابن حبان في الثقات، كان يشبه أباه في السمت والهدي، وقد ولد رضي الله عنه في خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه، وأمه أم ولد، وهي الأمة التي أنجبت ولدا من سيدها، وقد سَمَّاه أبوه سالـما على اسم الصحابي الجليل سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه لعلمه وفضله، فعن ابن المسيب رضي الله عنه أنه قال: قال لي ابن عمر: أتدري لم سمَّيت ابني سالـمًا؟ قلت: لا، قال: باسم سالم مولى أبي حذيفة، ويعني أنه أحد السابقين، وكان أبوه يحبه حبّا شديدًا، وكان سالم رضي الله عنه ذا شأن عظيم ومكانة كبيرة عند أهل زمانه.

وقال مالك: لم يكن أحد في زمان سالم بن عبد الله أشبه من مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه، ودخل سالم رضي الله عنه على سليمان بن عبد الملك الخليفة، وعلى سالم ثياب غليظة رثّة، فلم يزل سليمان يرحب به، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في المجلس، فقال له رجل من أخريات الناس: ما استطاع خالُك أن يلبس ثيابًا فاخرة أحسن من هذه، يدخل فيها على أمير المؤمنين؟ وكان على المتكلم ثياب سرِيَّةٌ، لها قيمة، فقال له عمر بن عبد العزيز: ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك، بل إنه لفضله وعلمه مثل عدد آخر من التابعين.

وقد ساهم في تغيير شعور اجتماعي عند أهل المدينة كان يجعلهم يأنفون من الإنجاب من الإماء، ولكن حين رأوا عددًا من أكابر علمائهم وفقهائهم ولدوا لأمهات الأولاد زالت هذه النفرة، وقد كان سالم بن عبد الله رضي الله عنه ذا منزلة كبيرة في رواية الحديث وأقوال الصحابة، قال العجلي عنه: هو مدني تابعي ثقة، وقال أحمد وابن راهويه: أصح الأسانيد: الزهري، عن سالم، عن أبيه، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عاليًا من الرجال، وقد روى عن أبيه وأبي هريرة وأبي رافع وأبي أيوب وعن زيد بن الخطاب وغيرهم رضي الله عن الجميع، وقد روى عنه ابنه أبو بكر، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، والزهري، وصالح بن كيسان، وحنظلة بن أبي سفيان، وعبيد الله بن عمر بن حفص.

وأبو واقد الليثي الصغير، وعاصم بن عبيد الله، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وآخرون رضي الله عنهم، ومن زهده رضي الله عنه في الحياة الدنيا أنه كان لا يكاد يأكل إلا الخبز والزيت، نظر إليه هشام بن عبد الملك في الحج وقال له: يا أبا عمر ما طعامك؟ قال: الخبز والزيت، فقال هشام: كيف تستطيع الخبز والزيت؟ قال: أخمره فإذا اشتهيتُه أكلتُه، وعن سفيان بن عيينة قال: دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال له: يا سالم سلني حاجة، فقال له: إني لأستحيي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله، فلما خرج، خرج في أثره فقال له: الآن قد خرجت، فسَلْني حاجة، فقال له سالم: حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: بل من حوائج الدنيا.

فقال له سالم: ما سألت من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله يطلب أن يكتب إليه بشيء من رسائل عمر بن الخطاب، فكتب: أن يا عمر اذكر الملوك الذين تفقَّأَت أعينُهم الذين كانت لا تنقضي لذتهم، وانفقأت بطونهم التي كانوا لا يشبعون بها، وصاروا جيفا في الأرض وتحت أكنافها، أن لو كانت إلى جَنب مسكين لتأذَّى بريحهم، وقيل أنه توفي سالم بن عبد الله في ذي الحجة سنة مائه وسته من الهجره، وصلى عليه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وكان في طريق عودته من الحج، بالمدينة، ودُفن بالبقيع، وقد ترك سالم من الولد عمر وأبا بكر وأمهما أم الحكم بنت يزيد بن عبد قيس، وعبد الله وعاصم وجعفر وحفصة وفاطمة وعبد العزيز وعبدة وأمهاتهم أمهات ولد.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *