Share Button
 
بقلم : د. مجدي إبراهيم
في كتابي الذي أصدرته منذ سنوات، وتحديداً في العام 2016م، بعنوان :”رسالة الفكر في زمن العدوان” طرحت فيه “علاقة العلم بالأخلاق”، من حيث الاستخدام الخاطئ للمنجزات العلمية والتكنولوجية، كانت يومها بالنسبة لنا قضية نحن في مسيس الحاجة إلى طرحها كلما غفلنا عنها أو تناسيناها أو كلما أحاطت بنا الحيرة حول الأخذ بأساليب التفكير العلمي وإشاعة الثقافة العلمية بيننا، أو مدى ما يمكن أن يسبِّبه العلم من قلق على المصائر الإنسانية.
ونحن في هذه الدول (العربية) النامية بحاجة شديدة احترام العلم : قوانينه ووقائعه، بمقدار احترامنا للعلماء، وإلى تقدير الجهود التي يبذلونها تجاه المسيرة الإنسانية المدعومة بالتقدم والإنجاز، أو التي ينبغي أن تكون مدعومة بوسائل التشجيع والتواصل لا بوسائل الإحباط والانقطاع.
هل للعلم أخلاق تحكمه؟ وهل هى موجودة بالفعل؟ وإذا كانت موجودة فما هى أخلاق العلم على التحقيق؟
قد يُقالُ : إن العلم بغير أخلاق جريمة تقهر كل تقدّم للإنسان وعقله، وتسلب عنه كل تفكير علمي سليم؛ إذْ تدع إنجازات العلم محل اعتراض ونفور على المستوى الإنساني والحضاري؛ لأنه هو الذي سلب عن الإنسان راحته رغم ما قد يبدو أنه أراح الإنسان ووفر له الوقت والجهد، ولكنه مع ذلك عزَّز لديه إساغة الجريمة. وبمقدار ما أطلق قيود الفرد حرة طليقة، عطل أمامه الحرية الفكرية والروحيّة التي يصبح بدونها عبداً للآلة؛ فإذا كنا نعيش عصر العلم بقضِّه وقضيضه فنحن أيضاً نعيش عصر الظلمات الروحية، عصر اللاإنسانية، عصر القتل والتدمير بالجراثيم والفيروسات المُخلّقة !
والناس قد تعوَّدوا أن يفهموا من العلم أجهزته وآلاته ومنجزاته ليس إلا، إذْ يتصوَّرون العلم ما هو إلا الطائرات والقنابل الذريَّة والأسلحة البيولوجية وأسلحة الدمار الشامل، وأجهزة الكمبيوتر والإنترنت والفضائيات التي تبث الخلاعة، والآلات الحديثة على اختلاف أشكالها، فيخلطون خطأ بين العلم في ذاته وبين التطبيقات المستفادة من العلم. ومن ها هنا؛ يجرِّدون العلم عن الأخلاق بل ويحاربونه باسم الأخلاق، الأمر الذي لا تتاح معه الفرصة سانحة لإشاعة الثقافة العلمية في مجتمعاتنا، وتعزيز قيم البحث العلمي في بلادنا، فتسود من أجل ذلك في المجتمع ثقافة رجعية بغيضة ومتخلفة عن سُبُل التقدم العلمي بكل أشكاله وألوانه، فينادي فينا البعض بالهجوم على المنجزات العلمية بغير تفرقة وبغير تمييز.
قضية هى في منتهى الخطورة نحن في غفلة عنها! ولاشك أن هناك عدة تعريفات لأخلاق العلم تدور كلها حول كونها عبارة عن جملة الأفكار المعيارية التي حَمَلَتْ الناس على السير قُدُماً في طريق البحث العلمي، وهى التي جعلتهم يحدِّدون مناهجه ويوثقون تقدُّمه بروابط المنهج وقيود التحديد. فما من علم نشأ على وجه الأرض إلا وله أفكاره المعيارية التي تحكمه، ثم توثق بمقتضاها الروابط الخُلقية التي يفرضها على الناس أو يفرض عليهم أن يسيروا في طريقه بمقتضى تلك الروابط، أو بمقتضى ما يتبعها من لوازم وفرائض وقيود.
غايات العلم ينبغي أن تكون خُلقية، وأن العلم الذي لا تكون ثمرته خُلقية هو علم ليس بنافع؛ إذْ ما قيمة العلم إذا هَتَكَ حُرمة الأخلاق وأشاع في المجتمع ألوان الخراب والدمار؟ ما قيمته إذا سحب من المجتمع فضائل القيمة وغرس فيه وسائل الرذيلة وأشاع الفوضى ورسَّخ الاضطراب؟
قيمة العلم النافع إنما هى قيمة ترتد إلى فضائل الأخلاقية. فالقيم العلمية والخلقية تسير جنباً إلى جنب, وينبغي أن تكون كذلك.
على أن هناك فَرْقَاً بين العلم في ذاته؛ أعني الإبداع العلمي، وبين التطبيقات التكنولوجية؛ فالعالم حينما يبْدع يَسيرُ في طريق البحث العلمي على خطى علمية دقيقة؛ ليصل إلى كشوفاته وإنجازاته من طريق البحث الهادي البريء عن الوقائع والقوانين.
أما التطبيق؛ فهو قرارٌ سياسي لا دخل للعالِم فيه. فإذا أختلط علينا الأمر بين إبداع العلماء وقرار السياسة، فقد أختلط علينا الأمر نفسه بين العلم وتطبيقاته المستفادة، أو بين مساوئ تطبيق الإنجازات العلمية التي هى في المقام الأول في يد “صاحب القرار” لا في يد “العالم”، وبين العلم في ذاته البريء عن التهم والأباطيل.
والأمثلة في تاريخ الكشف العلمي عديدة لا حصر لها، تبيِّن لنا أن التطبيق في الأساس كان للحكومات والسّاسة، كان للأطماع المادية والاقتصادية وفرض السيادة على أمم العالم بأسره، وأن سوء استخدام الإنجازات العلميّة هو غرض سياسي لا هدف علمي، يتوّخَّاه العالم حين يبحث، وحين يكتشف من الحقائق الكونية جديداً يفيد الناس.
أقول؛ إن الأمثلة كذلك في التاريخ المعاصر تقطع الشك في هذه الحقيقة بيقين الوقائع والأحداث التي تقول : إنّ التطبيق العلمي وسوء استخدام المنجزات العلمية قرارُ سياسي وليس هو بالهدف العلمي بحال.
وأن ما جرى خلال الحرب العالمية الثانية من إلقاء قنبلتين ذريَّتين على مدينتين يابانيتين سنة 1945م دليل مُؤَكَّد على أن استخدام العلم فيما يضرُّ بالبشرية إنما هو غرض سياسي وهدف عسكري حربي، وأطماع اقتصادية بهدف إذلال الأمم والشعوب.
كانت القنبلة الذرية الأولى قد ألقاها الأمريكان على مدينة ” هيروشيما” يوم 6 أغسطس عام 1945م، وألقيت الثانية بعدها بثلاثة أيام، يوم 9 أغسطس من نفس العام على مدينة “ناجازاكي”. وتحوَّلت المدينتان إلى كتلة من الفحم المُلتهب في فاجعة إنسانية كبرى لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية راح ضحيتها في مدينة “هيروشيما” وحدها مائة وعشرين ألف إنسان في لحظة واحدة، وتكرَّرت الفجيعة بعد ذلك بثلاثة أيام في مدينة “ناجازاكي”. وكان الرئيس الأمريكي “هاري ترمان” (1884- 1972) هو صاحب قرار إلقاء القنبلتين الأولى والثانية، يومها كتبَ يقول “إننا خرجنا من هذه الحرب (العالمية الثانية) ونحن أقوى دولة في العالم، بل ربما أقوى دولة في التاريخ”.
فلقد كان صاحب القرار السياسي سعيداً بجريمته البشعة كل السعادة؛ ففي اليوم الذي ألقيت فيه القنبلة الذَّريَّة على “هيروشيما”، كان “ترمان” عائداً على ظهر سفينة اسمها “أوجستا”؛ وعندما تلقى أول نبأ بإلقاء القنبلة وانفجارها بنجاح تام؛ دَقَّ بملعقة على الكوب الذي أمامه وقال :”هذا أعظم شيء من التاريخ؛ لقد انتصرنا في المقامرة”!
ذلك هو موقف السياسي صاحب القرار : موقف الذي يتّجرَّد مطلقاً من أخلاق العلماء ويتلبَّس مطلقاً بأخلاق الخنازير، ولا يبالى بما يقتل ولا بمن يقتل! المهم لديه هو النصر والقوة والسيادة العالمية ولو على حساب حرق الأبرياء وقتل الناس أجمعين.
أما موقف العالم؛ فجدُّ مختلف، بل هو على النقيض تماماً من موقف السياسي؛ فقد قال أحد العلماء الذين شاركوا في صنع القنبلة الذرية :” كانت مساهمتي في ذلك أكبر خطيئة في حياتي”.
ولما كانت أبحاث العالم الكبير ” آينشتاين” قد شاركت في تفجير الذَّرة، إذا به يقول تعليقاً على ما حدث :” إن الرئيس الأمريكي “ترمان” أراد أن يضع نهاية للحرب دون تدخل روسيا، ولو أن الرئيس “روزفلت” (وهو الرئيس السابق على الرئيس ترمان) كان حيّاً، فأنا واثق كل الثقة في أنه سيرفض أن يتخذ قراراً من هذا النوع. لعَلَّه من أجل ذلك شاع عن “آينشتاين” حملته العنيفة على العلوم إلى الحد الذي وصفها بأنها :”أعمال جديرة باللعنات”.
وأنه برغم عبقريته العلمية ليقول : إن العلم لم يستخدم حتى اليوم إلا في خَلْق العبيد : ففي زمن الحرب يستخدم في تسميمنا وتشويهنا، وفي زمن السلم يجعل حياتنا قلقة مُنْهوكة مرهقة، كنا ننتظر أن يستعين الناس بالعلوم في الانصراف إلى الأعمال العقلية، فينالوا بذلك أكبر حظ من الحرية، ولكن بدلاً من ذلك صيَّرتهم العلوم عبيداً للآلة “.
هذا هو الفرق بين تقدير السياسي وتقدير العالم، وبين موقف صاحب القرار وموقف رجل العلم. وهناك ملاحظة أخرى تتصل بذلك الفرق الجوهري بين العلم وتطبيقاته، فنحن لازلنا حتى الآن مع الفكرة التي تتهم العلم في غير رحمة بأنه مناوئ للأخلاق، وأنه مناف للقيم : من شأنه أن يجعل الإنسان عبداً للآلة بمقدار ما يزوِّد لديه شعور البغضاء والشَّرَه والحماقة، ويشعل ذلك كله بأخطر أسلحة الخطر.
ولئن كان فينا من يعتبر العلم عدواً للإنسانية على الحقيقة من جرّاء ما توصل إليه العلماء؛ فإننا من جانب آخر ما زلنا نخلط بين العلم وتطبيقات المنجزات العلمية، ولم نعد نفرّق بين المنجز العلمي في ذاته والقرار التطبيقي وهو قرار سياسي. ومادام العلم عدواً للإنسانية؛ فمازلنا نستخلص منه وسائل للقتل وللاستعباد. فالموت الذي سببَّه الفولاذ أو الغاز أو الفيروس، والخراب الذي أحدثته أسلحة الدمار الشامل (تقليدية وبيولوجية) من بعد انفجار الذرة، ولسوف تحدثه تباعاً، والآلام الحادثة من أبخرة المصانع المسمومة، والسخافات التي تذيعها شاشات الفضائيات وتبثها أجهزة الكمبيوتر والإنترنت. كل هذا ليس من صنع العلم، بل من صنعنا نحن، نحن الإنسان !
هذا، وهذا الذي يحدث اليوم في العالم حرب البيولوجية استعدت لها أمريكا بالتحالف مع إسرائيل؛ لنشر فيروس كورونا في مدينة “ووهان” الصينية، لاعتبارات اقتصادية بحتة، ولتكون هى وحدها القوة العالمية الكبرى مادياً واقتصادياً، ويكون نصيب إسرائيل ضرب إيران في التوقيت نفسه؛ لضمان الحد من الخطر العسكري الإيراني الذي يهددها. كل هذا كله من صنع الأطماع الخطرة على الضمائر والمصائر.
إنه من صنعنا نحن؛ لأننا استخدمنا كشوفات العلم من غير أن نتخلق بالأخلاق الفاضلة، استخدمناها في غير حكمة تماماً كما استوردناها من الغرب لنستهلكها، ولم نسْهم بجانب من جوانب الإبداع فيها. ولو نشأت ونمت علوم الطبيعة والكيمياء والبيولوجيا وسط شعوب حكيمة سواء كانت هذه الشعوب غربية أو شرقية لما استخدمت إلا لغايات سلمية وكريمة. فقدان الحكمة معناه فقدان الأخلاق؛ لأن فقدان الحكمة هو بالضرورة فقدان لكل القيم الوجودية النافعة للإنسان الحاكم بأخلاقه على التطبيق العلمي والمتحكم فيه.
هل من ذنب الكشوفات العلمية أنها جُعِلت عند الأشرار في خدمة الفتك والقتل والعدوان؟ أو هل من ذنبها أنها جُعِلت لدى سيئي النفوذ والسلطة في الاستخدامات غير الأخلاقية؟ هل من ذنب العلم في ذاته أن يستخدم لفرض القوة والطغيان عبر تدمير البشر؟ إنْ الذنب ليس هو ذنب الكشف العلمي, وإنما هو ذنب الإنسان الذي يعيش في مجتمع بلا أخلاق سواء كان مجتمعاً (عربياً أو غير عربي) محروم من الحرية الفكرية والعقلية ومقومات التربية الأخلاقية, مجتمع تستشري فيه الرغبات الفاسدة؛ لأنه مفقود العزيمة الماضية على توجيه رغباته ناحية ما يُصلح وما ينفع للإصلاح؛ وما دام الفكر في الأصل فاسداً معطوباً, فلا تنتظر على الإطلاق أن تكون الممارسة العلمية سليمة مُعَافة من العطب والفساد !
وإذا كانت هذه المجتمعات (العربية وغير العربية) التي نعيش فيها تستخدم العلم لإزهاق الأرواح تارة, وتستخدمه لعلاج الأمراض تارة أخرى, تستخدمه فيما ينفع تارة, وتستخدمه فيما يضرّ ويفسد تارة أخرى؛ ففي الغالب أنها توجهه إلى الشر أكثر مما توجهه إلى الخير. وفي هذا القول دلالة على طبيعة الإنسان نفسه, فالناس جميعاً خيِّرون وأشرار, وأنهم في الغالب أميل إلى الشرِّ منهم إلى الخير. وهذه الملاحظة إنْ كانت صحيحة؛ فليست حجة على العلم بل حجة على الإنسان من حيث هو إنسان خاضع لسلطات اقتصادية.
ويبقى موقف الإسلام من العلم … ما هو ..؟
ربَّما جعلت الحضارة الحديثة العلم معزولاً عن الأخلاق، فلا صلة بالمطلق بين العلم والأخلاق، والعلم الذي يفرزه عقل الإنسان هو الذي يدمِّر الإنسان نفسه أو هو الذي يوفِّر أسباب الدمار والخراب بمقدار ما يوفر للإنسان الراحة والرفاهية، بمعنى أنه يحقق أهدافه في غير نظر إلى الخير والشر! ولكن الإسلام (حضارته وقيمه) يُقيمُ العلمَ على أصول خيِّرة, ويجعله مربوطاً بأسس القرْبة إلى الله تعالى، ويجعل غاياته نفع الإنسان، وكل نفع للإنسان هو في الأساس عبادة يتقرَّب بها العبد شريطة أن يكون العمل المنتفع به قائماً على مرضاة الله؛ فالعمل عبادة، والعلم كذلك عبادة.
وبهذه النظرة الشمولية الواسعة تجيء حضارة الإسلام حضارة علمية بكل ما تحمله الكلمة من معان، لكن العلم فيها ليس تدميراً ولا تخريباً، بل رحمة وهداية ونفع للإنسانية، تحقيقاً لقوله تعالى :”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
فرسالةُ الإسلام رحمة للإنسان. ومفردات هذه الرسالة – ومنها العلم بالطبع – إنْ هى إلا رحمة للعالمين. أما التعارض الظاهر بين الدين والعلم فالحضارة الحديثة (الكنسيَّة) هى التي جلبته على الإنسان الحديث، ومن أجل ذلك؛ نشأت في الغرب العلمانية (Secularism) مميزة بين عمل الدين وعمل الدنيا؛ لتنادي بالفصل بين السلطات الثلاثة التي تمركزت في يد الكنيسة ورجال الدين المسيحي إذْ ذَاك، أعني (سلطة الدين، وسلطة السياسة، وسلطة العلم). أما في الإسلام؛ فالوضع مختلف؛ إذْ التعارض بين الدين والعلم هو في الحق تعارض وهمي في نظر الإسلام؛ لأن العلم دائرته المادة والمحسوس. أما الدين فدائرته ما وراء الطبيعة، والخير، والفضيلة، تطهيراً للنفس وتذكية للوجدان فهما لا يلتقيان في الموضوع فكيف يتعارضان ؟
العلمُ يدور في فلك المادة والمحسوس. أما دوران الدين كله؛ فعلى الغيب والفضيلة، والخير والروح، فهما في الموضوع لا يلتقيان فكيف بهما يتعارضان؟
العلمُ يدور حول كل ما هو متغير؛ ولأن طبيعة العلم تفرض مثل هذا التغير الدائم والتطور المترقي في مزيد من الكشوفات. أما الدين؛ فدورانه حول ما هو ثابت من مسائل الغيب ومسائل العقائد والأخلاق؛ فلن يتطور العلم أبداً إذا هو طلب من الدين أن يوافقه كل الموافقة فيما هو بصدد البحث فيه؛ لأن موضوع العلم مختلف عن موضوع الدين، ولا يُطلب من الدين أن يعززه العلم، كأن يُقال مثلاً إن العلم توصَّل إلى أحدى الحقائق التي كانت موجودة في الدين أو التي جاء بها الدين منذ زمن بعيد. ولا يصحُّ أن نقول إن النظرية العلمية التي توصلنا بعقولنا إلى اكتشافها تؤكدها الآيات القرآنية الثابتة؛ فهذه المحاولات هى من العبث الذي لا طائل تحته، ما دام إلحاق الثابت بالمتغير شيئاً فيه عَسَف كبير!
وقد أبطلتها كتابات العقاد وطه حسين منذ أن اتخذت هذه المحاولات أشكالاً من التعبير عن نفسها وكثر اللغط في شأنها بين مقبول ومرفوض. إنه الأستاذ “عباس العقاد” هو الذي قال في فصل كان عَقَدَهُ في “الفلسفة القرآنية” بعنوان “القرآن والعلم” ما مفاده إنه :” من الخطأ أن يُقال : إن الأوروبيين أخذوا من القرآن كل ما اخترعوه من السلاح الحديث؛ لأن القرآن الكريم جاء فيه حثاً للمسلمين :”وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل”. فقد يقالُ لهم أن المسلمين سمعوا هذه الآيات مئات السنين فلم يخترعوا تلك الأسلحة، وأن الأوروبيين لم يسمعوها فاخترعوها. فهل الإسلام إذن لازم أو غير لازم؟ وهل يضير الأوربيين أن يجهلوه أو ليس بضائرهم أن يخترعوا ما اخترعوه ولم يتبعوه؟
وخليقُ بأمثال هؤلاء المتعسِّفين أن يحسبوا من الصديق الجاهل؛ لأنهم يسيئون من حيث يقدِّرون الإحسان، ويحملون على عقيدة إسلامية وزر أنفسهم، وهم لا يشعرون! كلا لا حاجة بالقرآن إلى مثل هذا الادعاء؛ لأنه كتاب عقيدة يخاطب الضمير، وخيرُ ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير، ولا يَتَضَمَّن حكماً من الأحكام يشل حركة العقل في تفكيره، أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم، ما استطاع حيثما أستطاع…”.
الدين يعطيك “المبدأ” فتمضي به، وعليه، إلى غاية ما يستطيعه خيالك نحو تحقيق ما تريد تحقيقه في مجال الكشف العلمي، فلا حجر على العلم باسم الدين، ولا قيد على الكشف العلمي مطلقاً تحت الغطاء الديني. فلهذا مجال .. ولذاك مجال آخر .
والقرآن من حيث المبدأ كتاب عقيدة يخاطب الضمير ويحث على طلب العلم، ويدفع بالطالب على شرط الأخلاق إلى قبول كل مستحدث من العلوم على تقدم الزمن، وليس هو بالكتاب الذي يعوق المسلم عن طلب العلم وتحقيق أكبر قدر ينفع الطالبين.
ولذلك كتب الأستاذ الإمام محمد عبده كتابه بعنوان :”الإسلام دين العلم والمدنية”؛ ليدفع في وجه هذه الشبهة الشَّوهاء التي كانت ولازالت ترددها عقول ممسوخة في الأدب والثقافة والتفكير.
أي نعم ..! الإسلام دين العلم والمدنية. وليس هو بالدين الذي يحتكره أحد تحت أي سلطة روحية كانت أو سياسية أو علمية.
د. مجدي إبراهيم
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نظارة‏‏‏
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *