Share Button

 

بقلم : د. مجدي إبراهيم

ينطلق الأولياء في مجاهداتهم : بالأخذ بالأحوط في الدين والزيادة في فعل الجهاد، لماذا؟ لأن النفس لا تستجيب لك بسهولة ويسر؛ ولأنها أحياناً كثيرة تتصرف أو تجعلك تتصرف بطريقة آلية بغير تفكير ولا رَويَّة، وذلك ملحوظ جداً في أداء العبادات كالصلاة والصيام وغيرهما، فحملها – من ثمَّ – على المشاق والمكاره أكرم لها من التفريط في حقوقها وأهونها حق البقاء دوماً في معيّة الله (أعني النية الصادقة على ديدن الإخلاص) : النيَّة وما هى النية أصلاً؟ .. وما هو عملها؟

كان الحارث المحاسبي في كتابه الرعاية لحقوق الله عرَّف “النية” فقال في معناها هى:” إرادة العبد أن يعمل بمعنى من المعاني، إذا أراد أن يعمل ذلك العمل لذلك المعنى”، وهو تعريفٌ عميقٌ وكبيرٌ في الدلالة وفي المفهوم، فلا يمكن أن يكون للمرء قدرةٌ بغير إدراك هذا المعنى ولو قلت قدرته الفكرية على استيعاب المعرفة واستخلاص مباحثها التي يعتمد فيها المرء على الفهم والإدراك والمعرفة، إذْ شرط العمل أن تكون النية معروفة في الإقدام على العمل، وحاضرة في التوجه إليه.

ولنقرأ عبارة المحاسبي مرة ثانية في هذا التعريف للنية :” إرادةُ العبد أن يعمل بمعنى من المعاني، إذا أراد أن يعمل ذلك العمل لذلك المعنى”؛ فهناك المعنى أولاً، وهناك العمل ثانياً، وقبلهما الإرادة العاملة؛ الإرادة التي لم تتحول بعد إلى عمل، هى نية قلبية ليس إلّا.

فمعرفتنا للنية معناه : قدرةُ الضمير على التوجُّه إلى ذلك العمل؛ أي معرفة الباعث الذي يتلازم فيه إدراك الإنسان لقواه العاملة مع قواه العالمة؛ فلو أنه أدرك قوته العاملة فقط؛ لأدرك السلوك قبل العلم، وَعَزَّ عليه العلم الناهض للحركة الفعلية؛ أي عَزَّ عليه العلم الذي يحفظ العمل من التحوير عن المقاصد العليّة، والانحراف بالمجاهدة عن غاياتها النبيلة، والتشويش عن المطالب النافعة.

والإرادةُ الإنسانية من بعدُ هى الضامنة بدايةً للحركة الفعلية في الواقع العملي وفق هذه الشروط المقررة، بمعنى أنها هى التي تَضْمَنْ قناتين: قناة العلم الحافظ للعمل، وقناة العمل المحفوظ بإحاطة العلم.

وأوَّلُ ما تُفَرْط فيه النفس هو حق الله كما ينبِّهنا إلى ذلك الحارث بن أسد المحاسبي في كتاباته النفسية التحليلية الرائعة، وأهمها هنا كتابه “الرعاية لحقوق الله”؛ لا ترعى هذا الحق إلا بجهاد، ولربما أوْهَمَتْكَ أنها ترعاه، وأوهمتك أنها على العهد باقية حتى إذا ما فتشت عنها وعن رعايتها لحقوق الله وَبَحَثْتَ مُخلصاً عن عهودها، أدركت من فورك أنها في غِرَّة، وأن حظوظها أقوى الحظوظ، وأن أوهامها مع الغفلة هى التي تَرْعى، وأن أهواءها هى التي تجيب وتسعى وتُلبي إذْ ذَاكَ مطالبها، ولا يَكادُ أن يكون لحق الله ولا لعهده فيها نصيب غير نصيب القشرة الخارجية والسَّطح البَرَّاني.

إنها لمصيبةٌ كبيرة هى تلك الغفلة! من أجل ذلك؛ صار لابد من قهر النفس على الاستجابة لأمر الله والانتهاء لنهيه، وأن أحسن الاستجابة، تلك “القدرة المانعة للنفس عن بعض ما تشاء”، والمفروض أن تجهد النفس في القيام بالحقوق بمقدار ما تجهدها في القيام بالتطوع والنوافل، ففي هذا القيام نفسه قهر للنفس وحملها على المكاره والمشاق؛ لأن المفروض هنا أن ما تقوم به النفس غير مفروض عليها، وبالتالي فهو أدعى لأن تبذل فيه أحسن الجهود؛ ولأن المفروض كما تَقَدَّم أن النفس لا تستجيب لك بسهولة، ولابد أن تُقهرها على الاستجابة: ” تلك القدرة المانعة للنفس عن بعض ما تشاء “:

المفروض هو ذلك “المنع” لا تلك “الإباحة”، أعني منع النفس عن أن يكون لها حظ واحد من الحظوظ التي تتولاها طاقاتها وترعاها أهواؤها، مع التَّنَبُّه الدائم إلى أن القوة القادرة على المنع هى نفسها القوة التي تجعل النفس كارهة لكل فضيلة من الفضائل النافعة في كل حين اللهم إلا إذا كانت الأحيان التي لا تستجيب فيها النفس لتلك المزالق والمداخل التي تسول لها شره الرزيلة.

بقلم: د. مجدي إبراهيم

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏نظارة‏‏‏
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *