Share Button

بقلم / محمـــــد الدكــــرورى

إن الإحسان كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه ، ومن رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ” رواه مسلم

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إن الله كتبَ الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتلَة، وإذا ذبَحتم فأحسِنوا الذِّبحَة “. رواه مسلم ، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “من قتل عصفور عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب: إن هذا قتَلَني عبَثًا ولم يقتُلني منفعة “.

من القواعد الكبرى لدين الإسلام ، هو الأمر بالإحسان بشتى صُوره ومُختلَف أشكاله في جميع الحالات، وكافة التصرفات ، فأهل الإحسانِ هم الفائِزون بمحبة الله عز وجل ، وأصحاب الإحسان هم السعداء بمعية الله ورعايتِه ولُطفِه ورحمته ، وبالجملة فهم في الدارَين مُتنعمون، وبرِضا ربهم فائِزون .

وللإحسانِ مفهوم خاص يشمل الإحسان الذي هو أفضلُ منازلِ العبودية بتنقيةِ المقاصِدِ من شوائبِ الحُظوظ، وذلك بالإخلاصِ الكاملِ لله سبحانه وتعالى توجها وإرادة ومقصِدا، ويكون بالعمل الصالحِ المبني على السنه المحمديه إعتقادا وعملاً.

وإذا أحسن المسلم إلى الآخرين في هذه الدنيا ، كانت النتيجة إحسانَ الله إليه في الدنيا والآخرة ، وإن أول المستفيدين من الإحسان هم المحسنون أنفسهم، يجنون ثمراتِه عاجلاً في نفوسهم وأخلاقهم وضمائرهم ، فيجدون الانشراح والسكينة والطمأنينة.

فيجب عليك إذا طاف بك طائف من هم أو ألمّ بك غم فامنح غيرك معروفًا وأسدِ له جميلاً تجِد السرور والراحة، أعط محرومًا، انصر مظلومًا، أنقذ مكروبًا، أعن منكوبًا، عد مريضًا، أطعم جائعا ، تجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك .

والإحسان له مفهوم عام يعني الإنعام على الغير، والإحسان في الأفعال كلها ، بالإتقانِ والكمال من أعمال الدين أو الدنيا ، والإحسان يشكل جوهرَ العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، فدائرته تشمل النفسَ والرعية والأُسرة والأقارِب ، ثم المجتمع والإنسانيه عامة .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره، من علم علما، أو كرى نهرا ” أى حفره “، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته ، رواه البزار.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال أتى النبي رجل فقال: ما عملٌ إن عملت به دخلت الجنة؟ قال: أنت ببلد يجلب به الماء؟ ، قال: نعم، قال: فاشترى سقاء جديدا، ثم اسق فيها حتى تخرقها، فإنك لن تخرقها حتى تبلغ بها الجنة رواه الطبراني في الكبير.

وعن علي رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا أخبِرك بأكرمِ أخلاقِ الدنيا والآخرة ، هو أن تصِل من قطَعَك، وتُعطِي من حرمك”. وذلك هو الإحسان ، فالإحسان في معاملة الخالق بفعل الواجبات وترك المحرمات واجب، وفي فعل المستحبات وترك المكروهات متسحب، والإحسان في معاملة الخلق، منه ما هو واجب كالإحسان إلى الوالدين والأقارب بالبر والصلة .

ومنه ما هو مستحب كصدقة التطوع، وإعانة المحتاج، والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب بإزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها، من غير زيادة في التعذيب، وهكذا مطلوب من المسلم أن يكون محسنا في كل شيء مما يأتي وما يذر، محسن في عمله، محسن في تعامله مع الله ومع خلقه، ومحسن في نيته وقصده .

من أنواع الإحسان هو الإحسان إلى البهائم، فعن أبي هريرة رضى الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دنا رجل إلى بئر فنزل فشرب منها، وعلى البئر كلب يلهث فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه، فشكر الله له ذلك فأدخله الجنة ، رواه ابن حبان .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: إني أنزع في حوضي حتى إذا ملأته لإبلي ورد علي البعير لغيري فسقيته، فهل في ذلك أجر؟ فقال رسول الله: إن في كل ذات كبد أجرا ، رواه أحمد.

وعن أبي هريرة رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه الحر، فوجد بئرا فنزل فيه فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان مني .

فنزل البئر فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له ، قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر ، رواه مالك، والبخاري، ومسلم.

ففي هذه الأحاديث فضل الإحسان إلى البهائم بما يُبْقي عليها حياتها، ويدفع عنها الضرر، سواء كانت مملوكة أو غير مملوكة، مأكولة أو غير مأكولة، وفي الحديث الذي رواه مسلم عن رسول الله قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، ولْيَحد أحدكم شفرته ولْيُرح ذبيحته .

فيه فضيلة الإحسان إلى البهائم المأكولة في حال ذبحها، وهذا شيء يغفل عنه بعض الناس، فيسيؤن إلى البهائم في كيفية ذبحها ، والإحسان قد أمر الله به في مواضع من كتابه، منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب، فهو في كل شيء بحسبه.

وعن أنس رضى الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة ، وعن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، قال: ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع مه فهو له صدقة، ولا ينقصه أحد إلا كان له صدقة ” رواه مسلم .

فتعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم أن الإحسان إلى الخلق سيعود إليك صداه ولو بعد حين ، وأن الصدقة ولو بالقليل تفعل الشيء الكثير إذا وافقت إخلاصا من المتصدق وحاجة عند الفقير، والبحث عن صاحب الحاجة اليوم عزيز، إذ اختلط الحابل بالنابل، وأفسد الكاذب على الصادق ، فينبغي للمتصدق أن يتحرى في صدقته المحتاجين دون المحتالين .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *