Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

فى ذو القعدة لعام ٦ هـجريه ، رأى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في منامه أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأنهم يطوفون بالبيت، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، ففرحوا فرحا شديدا، فرؤيا الأنبياء حق، وقد اشتد بهم الحنين إلى تأدية النسك والطواف بالكعبة ودخول مكة، موطنهم الأول ومسقط رأسهم .

وقاده رسول الله صلى الله عليه وسلم في ١٤٠٠ من أصحابه، وخرج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومعه زوجه أم سلمة في ألف وأربعمائة مسلم، متجهين إلى مكة لقضاء أول عمرة لهم بعد الهجرة، وحملوا معهم السلاح توقعا لشر قريش، فلما وصل إلى ذي الحليفة أهل مُحْرما هو ومن معه .

وبعث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، بُسر بن سفيان إلى مكة ليأتيه بأخبار قريش وردود أفعالهم. ،وحين وصل المسلمون إلى عسفان وهو مكان بين مكة والمدينة ، جاءهم بسر بأخبار استعدادات قريش لصد ومنع المسلمين من دخول مكة.

وصلح الحديبيه هو صلح عقد بين المسلمين وقريش في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة في منطقة الحديبية وهي بئر قرب مكة ، عندما رأى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، رأى في منامه أنه دخل مكة مع المسلمين وطاف بالكعبة مُحرمًا معتمرا، فبشر أصحابه بذلك وجهزوا أنفسهم وأعدوا العدة .

فخرج الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، ومعه ألف وربعمائةٍ من أصحابه متجهًا نحو مكة يريد العمرة، وخرجوا محرمين لا يحملون معهم من السلاح إلّا سلاح السفر، ولما وصلوا إلى الحديبية منعهم أهل قريش من دخول مكة .

وقد اشتاق المسلمون لزيارة البيت الحرام (قِبلتهم) بعد ٦ سنوات من هجرتهم عن مكة اضطرارا، وكان مما أذكى شوقهم رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخول المسجد محلقين رؤوسهم ومقصرين، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد ألا يدخلوها حربًا، وسعى لأن يكون دخول العرب والأعراب من حولهم معتمرين .

واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نميلة بن عبد الله الليثي على المدينة، وأحرم بالعمرة والكثيرون من أصحابه ، وساق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم معه الهدي سبعين بعيرًا حتى يكون إيذانًا بسلميته وأنه أراد الخروج زائرًا للبيت ومعظما له .

وشاع بين العرب نبأ خروج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم للعمرة، وعلمت به قريش وفزعت من ذلك، ورأت أنَّ في ذلك تحديًا سافرا لها، ومسا لمكانتها بين القبائل، حين يدخل من تحاربه إلى بلدها ويتمتع بحمايتها له في الحرم، فعزمت على صدّ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه عن البيت .

وعاهدت الله أن لا يدخلها عليهم أبدا، وخرجت عن بكرة أبيها واستنفرت حلفاءها من الأحابيش، وقدمت خيلها بقيادة خالد بن الوليد إلى كراع الغميم لمنع الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين من دخول مكة بقوة السلاح .

وفوجيء النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهو على مسافة يومين من مكة أن قريشًا خرجت مرتدية جلود النمور يعاهد مقاتلوها الله ألا يدخل المسلمون مكة ، وكان ذلك بموقع يسمى عسفان، وقد تمنى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يتركوه للدعوة سلمًا، قائلا:

” يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب، وينتهي الحديث بقسم النبي ” والله لا أزال أجاهد على هذا الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة، أي تنتهي قريش .

فاستشار النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فأشار أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالتوجه إلى مكة لأداء العمرة والطواف بالبيت، وقال: فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” امضوا على اسم الله ” رواه البخاري

وتفادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الاصطدام بخيل المشركين فقال: ” من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها ؟ وبالفعل سلك رجل بهم طريقا وعرًا صعبًا خرجوا منه بعد مشقة وجهد، فأفضوا إلى أرض سهلة منبسطة ، وهنا أمر رسول الله صحبه بأن يقولوا: ” قولوا، نستغفر الله ونتوب إليه، وكان ذلك مخالفة لبني إسرائيل الذين رفضوا الاستغفار.

واصل المسلمون طريقهم حتى قرب الحديبية فبركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لقد عجزت القصواء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” ما عجزت القصواء وما هذا بخلقها ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها “. رواه البخاري.

وكانت هناك معجزة نبع الماء في الحديبية ، فروى الصحابي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما تلك المعجزة قائلا: عطش الناس يوم الحديبية والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة وهو إناء من جلد فتوضأ، فجهش بمعنى أسرع الناس نحوه، فقال: ” ما لكم؟” قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك .

فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا، وتوضأنا ، ولما سئل جابر عن عددهم في ذلك اليوم قال ” لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة “رواه البخاري .

فلما نزل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، بالحديبية أرسل عثمان رضي الله عنه إلى قريش وقال له: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً، وادعهم إلى الإسلام، وأَمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة.

فانطلق عثمان فمر على قريش، فقالوا: إلى أين؟، فقال : بعثني رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ويخبركم : أنه لم يأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً ، ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين ، فخاف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، عليه .

وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل، فدعا إلى البيعة، فتبادروا إليه، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا، وهذه هي بيعة الرضوان التي نزل فيها قول الله تعالى: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) سورة الفتح .

وأرسلت قريش عروة بن مسعود للتفاوض مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ثم أرسلت سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فلما رآه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال : قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ، فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح.

وقد دعا النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب ليكتب كتاب الحديبية، فقال له: ” اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فاعترض سهيل بن عمرو ، واقترح أن تكون ” باسمك اللهم ” وأقر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم اقتراحه رغم اعتراض المسلمين من حوله.

ثم أكمل الرسول صلى الله عليه وسلم إملاء علي بن أبي طالب: ” هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ، فاعترض الأخير مجددا قائلا: أنهم لو يعلموا بذلك ما صدوه عن البيت ولا قاتلوه، واقترح أن يكتب باسمه فحسب وقال ما نعلم أنك رسول الله ، ولو نعلم ذلك لأتبعناك .

ورد عليه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ” والله إني لرسول الله حقا وإن كذبتموني “، ثم أمر عليًا بمحو ما كتب وكتابة محمد بن عبد الله، فامتنع علي تأدبًا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فمحاها وأمر بكتابة محمد بن عبد الله ، وبعد أن فرغ علي كرم الله وجهه من كتابة الشروط أشهد الرسول على الكتاب رجالا من المسلمين والمشركين

وأسفرت المفاوضات عن اتفاق سُميَ في التاريخ والسيرة صلحا، يقضي بأن تكون هناك هدنة بين الطرفين لمدة عشر سنوات، وأن يرجع المسلمون إلى المدينة هذا العام فلا يقضوا العمرة إلا العام القادم، وأن يرد محمد صلى الله عليه وسلم .

ومن يأتي إليه من قريش مسلما دون علم أهله، وألا ترد قريش من يأتيها مرتدا، وأن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه، ومن أراد أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم من غير قريش دخل فيه.

ووافق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، على شروط المعاهدة، التي بدا للبعض أن فيها إجحافا وذلاً للمسلمين، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم ” ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟، قالرسول الله صلى الله عليه وسلم بلى، فقال: فَلِمَ نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ رواه البخاري .

لكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان مدركا وموقنا أن هذا الصلح سيكون فاتحة خير وبركة على المسلمين بعد ذلك ، وبينما كان عليّ رضي الله عنه يكتب كتاب الحديبية، جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو وهو مقيد بالحديد إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فقام إليه أبوه فضرب وجهه وقال: يا محمد هذا أول من أقاضيك عليه أن ترده، ولم يرضَ بتوسط النبي صلى الله عليه وسلم فيه وهدد بنقض الصلح.

وكانت كلمات أبوجندل قاسية في الصحابة: أتتركوني لهم ليفتنوني في ديني؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم “. رواه البخاري .

ولما فرغ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من كتابة صلح الحديبية قال لأصحابه: ” قوموا فانحروا ثم احلقوا ” ثلاث مرات ، فما قام منهم أحد، وربما كان لشدة غمهم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجه أم سلمة ، وقال صلى الله عليه وسلم يا أم سلمه لقد هلك الناس ، وكانت عاقلة حازمة فقالت : يا نبي الله، اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك.

وبالفعل لما رأى الصحابة فعل النبي قاموا فنحروا، وحلق بعضهم وقصّر آخرون، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” يرحم الله المحلّقين ” وكررها ثلاثا فلما طلبوا إليه أن يدعو للمقصرين فعل أخيرا، فلما سألوه قال صلى الله عليه وسلم ” لأنهم لم يشكّوا” رواه مسلم .

وكان بعض الصحابة كرهوا هذا الصلح، ورأوا في شروطه الظلم والإجحاف بالمسلمين، لكنهم ندموا على ذلك، وظلت تلك الحادثة درسا لهم فيما استقبلوا من حياتهم، فكان سهل بن حنيف رضي الله عنه يقول: ” اتهموا رأيكم،رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته “.

وبقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمنا طويلا متخوفا أن ينزل الله به عقابا لما قاله يوم الحديبية، وكان يقول: فما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت، مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ ، وهو القائل رضي الله عنه ، بعد ذلك وهو يقبل الحجر الأسود : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .

فتعلم الصحابة من صلح الحديبية وجوب طاعة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، والانقياد لأمره وإن خالف ذلك العقول والنفوس، ففي طاعته صلى الله عليه وسلم الصلاح المتضمن لسعادة الدنيا والآخرة، وإن قصر العقل عن إدراك غايته وعاقبة أمره ..

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *