Share Button

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد فإن الموضوع بأن قدرة الله تعالى شاملة للممكنات وغير متناهية، ووفقا لرأي الإمام أبي حنيفة النعمان فأن الله صانع قديم تستند إليه الحوادث وجميع الممكنات، خلافا لرأي المعتزلة التي ترى أن قدرة الله تعالى مختصة ببعض الممكنات لا بجميعها، حيث إنهم يقولون بقدرة الإنسان على أفعاله، وفي الفقه الأبسط يهتم الإمام ببيان شمول قدرة الله تعالى لجميع الممكنات، ولكل ما يحدث وذلك عن طريق معارضة الخصم وإلزامه فيقول “أرأيت أن لو شاء الله أن يخلق الخلق كلهم مطيعين مثل الملائكة هل كان قادرا؟ فإن قال لا، فقد وصفه تعالى بغير ما وصف به نفسه لقوله تعالى “وهو القاهر فوق عباده” وقوله تعالى “قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم”.

 

وإن قال هو قادر، يقال له أرأيت لو شاء الله أن يكون إبليس مثل جبريل في الطاعة، أما كان قادرا لمقدوريته وإمكانه في نفسه؟ فإن قال لا فقد ترك قوله ووصفه تعالى بغير صفته، وأبو حنيفة في هذا يحاول إلزام خصمه، وإثبات شمول القدرة الإلهية لكل ما يحدث، وقد أشار أبو حنيفة في الفقه الأبسط إلى إثبات صفة الرؤية لله تعالى فهو لا كرؤيتنا للأشياء، لأننا نحتاج إلى الآلة لسبب عجزنا وقصورنا، وذات الله تعالى منزهة عن القصور، فهو يرى بلا آلة، ولقد صرح صاحب التلخيص والكفاية بأن قول أبي حنيفة يشير إلى أن رؤية الله تعالى تتعلق بالموجودات ولا تتعلق بالمعدومات، وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بما يصح أن يكون مرئيا، والمعدوم في حالة عدمه ليس كذلك، فلا تتعلق به إلا بعد وجوده، ولا يلزم في هذا نقص في رؤية الله تعالى.

 

لعدم تعلقها بالمعدومات، وقد أشار أبو حنيفة في بعض نسخ الفقه الأكبر إلى أن الله يسمع لا كسمعنا، وهو يعتمد في إثبات صفة البصر والسمع لله تعالى، ما جاء به القرآن والحديث وانعقاد الإجماع، ويرى أنه لا حاجة في ذلك للاستدلال لأن ذلك معروف من الدين بالضرورة، وهو تعالى لا يحتاج في بصره وسمعه إلى آلة لمغايرة ذاته تعالى للمخلوقين الذين يحتاجون إلى آلة ويرى كمال الدين البياضي أن إثبات صفتي الرؤية والسمع، فيه رد على النافين للسمع والبصر عنه تعالى، متمسكين بأنهما نتيجة لتأثر الحاسة عن المسموع والمبصر أو مشروطان به كسائر الإحساسات، وأنه محال في حقه تعالى، وبأن إثبات السمع والبصر في الأزل ولا مسموع ولا مبصر فيه خروج عن المعقول.

 

ولكن أبا حنيفة يفرق بين رؤية وسمع المخلوقين وبين رؤية الله تعالى وسمعه، لذا فلا تجوز شروط الرؤية والسمع الحسية، وأيضا فأن السمع والبصر صفتان أزليتان قديمتان كالعلم والقدرة فشأنهما كسائر الصفات القديمة، ويرى أيضا كمال الدين البياضي أن في قول أبي حنيفة رد على الأشاعرة وبعض المعتزلة القائلين بإرجاع السمع والبصر إلى العلم بالمسموعات، والبصر إلى العلم بالمبصرات، ويقول أبو حنيفة إن الله تعالى متكلم وله كلام، ولكن كلامه ليس ككلامنا، وكونه متكلم يعلم بالضرورة الدينية وبإجماع الأنبياء على أنه متكلم، وتواتر نقل ذلك عنهم، وكلامه تعالى غير كلامنا، فكلامنا مكون من حروف وأصوات، ونحن نتكلم في كلامنا الحسي بالآلات من المخارج المعهودة والعضلات الممدودة.

 

والله متكلم بكلامه الذي هو صفته بلا آلة لتنزه ذاته عن القصور، والاحتياج إلى الآلة، ولا حرف لتنزهه عن الصوت وكيفيته القائمة بالهواء لحدوثها، ويقول أبو حنيفة كما ذكر أبو المنتهى في شرحه للفقه الأكبر “والحبر والكاغد والكتابة مخلوقة لأنها أفعال العباد، وكلام الله تعالى غير مخلوق، لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات دلالة القرآن” وذكر أنه وجد في بعض النسخ أنها آلة القرآن، وقال لحاجة العباد إليها، وكلام الله تعالى قائم بذاته ومعناه مفهوم بهذه الأشياء، فعلى هذا فكلامه تعالى معنى قائم بذاته ليس بحرف ولا صوت، لأن الحرف والصوت مخلوقان، وكلام الله صفة من صفاته غير مخلوق لامتناع قيام الحوادث بذاته بذاته تعالى، ورأي أبو حنيفة رد على المعتزلة القائلين بأن كلام الله تعالى مخلوق.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *