Share Button

 

بقلـــــم

المستشار الدكتور/ السيد أبو عيطة

متابعـــــة

الإعـلاميـــــة : لـطـيفــــــة القــــاضــــــــى

تقـديـم (*) : تأتى الهيمنة الكونية كأحدث موديل أو طبعة للمجتمع العالمى بعد ثورات البشرية فى الزراعة والصناعة والمعلوماتية ، فالهيمنة الكونية تعنى إعلاء قيم جديدة وإسقاط قيم قديمة ، فهى تمثل تقدماً طبيعياً تجاه عالم بلا حدود ، فهى خليط بين قيم الشمال وأخلاقيات الجنوب ، مزيج بين منتجات الشرق وأطروحات الغرب ، وللهيمنة الكونية أو الثورة الرقمية أربعة أطروحات أو تفسيرات . التفسير الأول يتعلق بإعادة توزيع الثروات ، والثانى يرتبط بالرأسمالية المقارنة ، والتفسير الثالث يتعلق بالتحديث ، والرابع وثيق الصلة بالمعلوماتية والرقمية والتواصل الإجتماعى (1) .

– وفى عبارة واحدة ، فإن الهيمنة الكونية هى ظاهرة تاريخية متعددة الأبعاد هى نتاج عمليات معقدة من التراكم الرأسمالى والعلمى والإجتماعى والتكنولوجى ، فالهيمنة الكونية هى مسألة تاريخية غير قابلة للتراجع أو الرفض مع ضرورة التسليم بأوجاعها لأنها باتت حتمية تاريخية ، غير أنه يلزم البحث عن منهاج جديد للتعامل أو التعايش مع هذه الظاهرة الإنسانية (2) .

– فلقد أصبحت التحديات التى تشهدها الساحة الدولية مسرحاً للعديد من الأحداث التى قد تحول دون فهم الواقع أحياناً ، وإعتباراً لذلك فلقد أصبحت الحياة السياسية للدول تتعدى مجموعة التحديات التى اعتادت الشعوب على مواجهتها سواء على المستوى الخارجى أو المستوى الداخلى ، ولقد أصبح حقل العلاقات الدولية فى عصر الهيمنة الكونية مسرحاً للعديد من التفاعلات ، هذه التفاعلات تجسدها الممارسات الدولية من خلال آليات السياسة الخارجية بصفة عامة والدبلوماسية منها بصفة خاصة (3) .

– فالدبلوماسية بوصفها نشاطاً حكومياً يشير إلى مجموعة الأدوات السياسية التى تتصل بعملية صنع القرار السياسى الخارجى وتنفيذه من خلال عمليات المفاوضات والمناقشات وتقديم المشورة والتمثيل الدبلوماسى والمستوى الرسمى والإعلام والدبوماسية الناعمة والرقمية على المستوى غير الرسمى .

وللدبلوماسية فى عصر الهيمنة الكونية على المستوى غير الرسمى جناحان ، الإعلام العالمى والرقمية الكونية ، لذلك سوف نتحدث عن كل منهما فى فقرة مستقلة .

أولاً : الدبلوماسية والهيمنة الإعلامية :

إن الهيمنة الإعلامية هى نمط من أنماط الهيمنة الكونية بصفة عامة ، ومفادها القدرة الهائلة التى توفرها وسائل الإعلام المعاصرة فى توجيه الشعوب والحكومات نحو القضايا محل الإهتمام ، بمعنى توظيف الخبر لخدمة وتحقيق أغراض معينة . فالإعلام – وكما قلت – فى العديد من اللقاءات الإعلامية بات يحكم العالم وبلا منافس ، فالسيطرة والهيمنة الإعلامية باتت توجه وتشكل العقل البشرى وبصفة خاصة فى دول الجنوب نتيجة ما تعانى منه هذه البلاد من فقر وتخلف وبطالة وتلوث وفساد واستبداد بشتى أنواعه (4) .

وتثير السياسة الدولية عدة أنماط من السياسات المعلنة والسياسات الفعلية ، والسياسة المعلنة هى التى ترتبط أكثر بالإعلام الدولى نظراً لأنها تأخذ فى الإعتبار مكونات العملية الإتصالية الدولية ، وهى المتعلقة بالإتصال والمضامين والآليات والمستقبل والفاعلية، وتنفيذ السياسة يتم من خلال العديد من الآليات السياسية والإقتصادية والعسكرية وغيرها .

وللإعلام العالمى المهيمن قوتان ، قوة يعكسها وقوة ذاتية وتأتى فى المقدمة القوة التى يعكسها نظراً لأن الإعلام كالمرآه يعكس الأوضاع القائمة ويستمد قوته منها ، ثم تأتى بعد ذلك القوة الذاتية المتعلقة بالإعلام العالمى ، ويعتبر الإعلام المهيمن هذا من أهم وسائل وآليات توصيل رسائل التنظيم الدولى العالمى والإقليمى إلى الفئات المستهدفة ، ولقد أصدرت الأمم المتحدة قرارات عديدة تتعلق بمشاكل الإعلام الدولى والتدفق الإعلامى الدولى ، وحرية الإعلام .

كما أن التدفق الإعلامى يعتبر مظهر من مظاهر القوة أو الضعف فى السياسة الدولية ويعكس معادلات القوى العالمية بمكوناتها المختلفة ، وبالتالى فإذا أرادت الدول النامية أن تغير من النظام العالمى للإعلام فعليها أن تركز على خواصها وتعيد النظر فيها .

 دور وسائل الإعـلام العالمى فى العـلاقات الدولية :

لقد تعددت وسائل الإعلام وتشعبت ، ويمكن التمييز بين نوعين من الوسائل ، هناك الوسائل الدولية الإعلامية العامة والوسائل الإعلامية الخاصة الدولية ، فالوسائل الإقتصادية الدولية مثلاً لها جانب إعلامى رغم أنها غير إعلامية بحسب الأصل ، فالسلع الأمريكية فى العالم العربى أو فى منطقة الخليج العربى مثلاً هى شكل من الأشكال الإقتصادية إلا أن لها جانب إعلامى ، والبعثات الدبلوماسية الأمريكية فى المنطقة العربية رغم انها غير إعلامية فى الأصل إلا أن لها جانباً إعلامياً ، إذ تتولى الإعلام عن الولايات المتحدة فى المنطقة العربية ، ووجود أساتذة الجامعات المصرية هو شكل من أشكال الإعلام عن مصر رغم أن الوسيلة فى الأصل هى الوسيلة الثقافية ، ولكننا سوف نقتصر هنا على وسائل الإعلام الدولى البحتة ودورها فى العلاقات الدولية ، ونذكر فى هذا الصدد وكالات الأنباء الدولية والإقليمية والمجلات الدولية والإذاعات والإتحادات الإعلامية الدولية والإقليمية والملحقون الإعلاميون فى الوظيفة الدولية والعلاقات العامة الدولية والإعلام الدولى (5) .

فوكالة الأسوشيتدبرس ووكالة اليونايتدبرس فى الولايات المتحدة تعكس أساساً السياسة الأمريكية ، ووكالة تاس ووكالة نوفوستى فى روسيا تعكسان السياسة الروسية ، ووكالة الأنباء الفرنسية تعكس السياسة الفرنسية ، ووكالة رويتر تعكس السياسة البريطانية ، ووكالة الأنباء الألمانية تعكس السياسة الألمانية . كما أن الصحف والمجلات الدولية الواسعة الإنتشار مثل اللوموند والإنترناشيونال وهيرالد تريبيون ومجلات النيوزويك والتايم والإيكونومست تعد من الوسائل الفعالة للسياسات الدولية . كما انها من الوسائل الفعالة للسياسات الدولية المختلفة للإستفادة منها فى الأغراض المختلفة كالإعلان والتسويق .

وتعد الإذاعات الدولية وسيلة فعالة من وسائل الإعلام الدولى ، وفى هذا الصدد نذكر الخدمات الدولية لهيئة الإذاعة البريطانية وصوت أمريكا وراديو أوروبا الحرة ، راديو الحرية ، البرامج الموجهة من إذاعة القاهرة ، صوت أمريكا العربية ، موسكو العربية ، إذاعة مونت كارلو ، إذاعة اسرائيل الموجهة بالعربية . ولقد كان للتطور التكنولوجى فى مجال الأقمار الصناعية والتطور فى أنشطة ومجالات الإتحادات الإعلامية الدولية والإقليمية أثر كبير فى تطور الإعلام الدولى .

وفيما يتعلق بالوظيفة الدبلوماسية ، فإن التطور فى الوظيفة الدبلوماسية جعل الدبلوماسى يقوم بالمهمة الإعلامية ، فإلقاء البيانات ونشر الأخبار واجراء الإتصالات وإقامة العلاقات مع صانعى القرار السياسى والصفوة وقادة الرأى والإتصال بالجماهير أصبحت من المهام المرتبطة بالعمل الدبلوماسى ، وهكذا نجد أن العمل الدبلوماسى والعمل الإعلامى وجهان لعملة واحدة .

ومع التطور فى وظائف البعثات الدبلوماسية ، وجدت وظيفة الملحق والمستشار الإعلامى ، كما أن التطور فى الوظيفة الدولية وتشعبها جعل لها جانباً إعلامياً من خلال الإدلاء بالبيانات ونشر الوثائق والسجلات والإدلاء بالتصريحات الصحفية ، والقاء المحاضرات ، واقامة المكاتب الإعلامية بالخارج . غير أن التطور فى مجال العلاقات العامة الدولية جاء نتيجة للتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتكنولوجية فى العالم ، ففى أوروبا مثلاً تستخدم العلاقات كوسيلة سياسية واقتصادية لتدعيم الوحدة الأوروبية ، والسعى لتزايد التفاهم بين الشعوب الأوروبية ، وكلما زاد تقدم الدول كلما زاد انشاء جمعيات العلاقات العامة ، وتدعيم الأجهزة الحكومية بأقسام العلاقات العامة ، كما أصبحت العلاقات العامة الدولية وظيفة من وظائف التنظيم الدولى حتى أن الشركات متعددة الجنسيات تهتم بهذا الجانب اهتماماً شديداً بالإضافة إلى الشركات والمؤسسات التى تعمل فى النطاق الدولى مثل شركات البترول والشحن والتأمين ، وفى مجال الصحف والمجلات الدولية هناك اهتماماً متزايداً بدور العلاقات العامة فى اطار السعى للحصول على المواد الإعلامية المناسبة والتوزيع على النطاق العالمى ، واذا انتقلنا إلى البعثات الدبلوماسية فان وظيفة العلاقات العامة أصبحت من مهامها الأساسية (6) .

وقد تزايد دور الإعلام الدولى بالسعى إلى خلق مناخ ملائم لترويج ما يسعى إلى ترويجه مع الأخذ فى الإعتبار الإختلافات بين طرق الإعلام فى الداخل وطرق الإعلام فى الخارج ، كما يؤخذ فى الإعتبار ترجمة الإعلام من لغة إلى لغة ، إذ يجب ترجمة المعنى الأساسى ولو اقتضى الأمر تغيير بعض الكلمات ، كما برز الإعلام الدولى فى المجالات الصناعية والتجارة وجلب المستهلك ، وأصبح الإعلان من خلال استخدام السينما على نطاق عالمى بالإضافة إلى استخدام المعارض والأسواق التجارية الدولية ، كما زاد الإهتمام بالإعلان من خلال الإذاعة وباستخدام محطات الراديو والتليفزيون (7) .

ويمكن أن تتجسد وحدة السياسة والإعلام إذا استشهدنا بالأخبار السياسية والتعليقات والأعمدة والمقالات التى تُنشر يومياً فى الصحف والمجلات ولاسيما البارزة منها ، وكذلك فى البرامج السياسية فى أجهزة الراديو والتليفزيون ، فالمقال السياسى مثلاً المنشور فى صحيفة معينة هو سياسى وإعلامى فى آن واحد ولا يمكن تجزئة جانبه السياسى عن الإعلامى والعكس بالعكس (8) .

 ثانياً : الدبلوماسية والهيمنة الرقمية : كان من نتاج تطور تكنولوجيا الإتصال ، ظهور أشكال من الدبلوماسية من أهمها الدبلوماسية الرقمية والدبلوماسية الإلكترونية ، وهذا يعنى ظهور دبلوماسية عالمية جديدة يستخدم فيها النشطاء والمنظمات الخاصة والعامة والقادة السياسيون والجمهور العام وسائل التواصل الإجتماعى مثل فيسبوك وتويتر ، بالإضافة إلى كل الإمكانيات التى توفرها شبكة الإنترنت لنشر الأفكار وبناء العلاقات الثقافية على المستوى العالمى وتشكيل الصور الذهنية والتأثيرعلى الجمهور .

لذلك ظهرت مفاهيم جديدة منها الدبلوماسية عبر تويتر Twdiplomacy والدبلوماسية باستخدام الفيسبوك Facebook Diplomacy وهذه المصطلحات تعنى أن هناك مجالات جديد لممارسة الدبلوماسية ، وأن كل دولة لابد أن تبحث عن طريقة استخدام أدوات الإنترنت مثل وسائل التواصل الإجتماعى فى ممارسة الدبلوماسية.

ولذلك يهدف هذا المقال إلى تقديم رؤية لتطوير استخدام الدول لشبكات التواصل الإجتماعى فى دعم نظمها الدبلوماسية الوطنية ولبناء صورتها على المستوى العالمى .

والسؤال الأساسى الذى يهدف هذا المقال الى الإجابة عليه كيف يمكن أن تستخدم الدول وسائل التواصل الإجتماعى فى تطوير دبلوماسية المواطن والدبلوماسية الثقافية وبناء صورتها وتشكيل علاقات طويلة المدى مع الشعوب .

ولقد تعرضت الدبلوماسية التقليدية لتحديات جديدة أهمها ظهور فاعلين جدد فى تشكيل العلاقات بين الشعوب والدول ، فالدبلوماسية التقليدية يمارسها دبلوماسيون محترفون ومؤهلون ومهنيون ، وتقوم على السرية ، وتركز على العلاقات الثنائية بين الدول ، ولكن فى أواخر الثمانينيات تزايد دور الشعوب فى الضغط على الحكومات فى قضايا ذات طابع عالمى لم تعد الدبلوماسية التقليدية قادرة على التعامل معها ، وفتح المجال لشكل جديد من الدبلوماسية هو الدبلوماسية العالمية Global Diplomacy .

1- مفهـوم دبلومـاسـية الأوزون Ozone Diplomacy :

تم توقيع بروتوكول مونتريال للمحافظة على طبقة الأوزون والتقليل من استخدام العناصر الكيميائية التى تؤدى إلى تآكلها .

فلقد كانت هذه الإتفاقية استجابة لنوع جديد من المشاكل التى تهدد العالم ، وتعبيراً عن ادراك للحقيقة أن العوامل البيئية تشكل خطراً على كل الشعوب ، فلقد شكّل ذلك تحدياً للدبلوماسية التقليدية ، كما أدى إلى أن تصبح قضية السيادة القومية محل شك عندما تشكل القرارات المحلية والأنشطة التى تقوم بها الدولة خطراً على الأرض ، فهذة الأنشطة المحلية يمكن أن يكون لها آثار عالمية.

كما ظهر دور مجموعات المواطنين التى تجمعت فى المنظمات البيئية التى قامت بدور مهم فى التوعية العامة بالأخطار وشكلت ضغطاً على الحكومات ، وأثّرت فى الرأى العام ، ولقد أوضحت هذه الإتفاقية بعض ملامح دبلوماسية القرن الحادى والعشرين ، وأهمها :

أ- دور المواطن فى الضغط على الحكومات .

ب- ارتباط الدبلوماسية بالتأثير على الرأى العام .

ج- توسيع نطاق الدبلوماسية على المستوى العالمى وظهور فاعلين جدد .

2- دبلوماسية الغد :

إذا كانت اتفاقية مونتريال قد أوضحت دور مجموعات المواطنين والرأى العام فى دبلوماسية المستقبل ، فإنه منذ توقيع تلك الإتفاقية ظهرت الكثير من العناصر الجديدة أهمها تطور تكنولوجيا الإتصال الذى أدى إلى توسيع مجال العمل الدبلوماسى ، وتجاوز الدور الرسمى التقليدى للسفارات ، ووظيفة الدبلوماسيين المهنيين التقليديين فى تشكيل العلاقات الثنائية بين الدول . ولكى نتمكن من التعرف على ملامح دبلوماسية القرن الحادى والعشرين ، فاننا لابد وأن نحاول الإجابة على سؤالين مهمين (9) :

1- ما هو دور المواطن فى دبلوماسية المستقبل ؟ وما موقعه بين الفاعلين فى تشكيل العلاقات بين الدول والثقافات ؟

2- ما الوسائل الحديثة التى يتم استخدامها فى دبلوماسية المستقبل ، وكيف يمكن أن تتطور هذه الوسائل ؟

3- دور الفرد فى دبلومـاسية الغــد (10)

تزايد دور المواطن فى تشكيل العلاقات بين الدول ، لذلك ظهر مفهوم دبلوماسية المواطن Citizen Diplomacy أو دبلوماسية المسار الثانى Second Track Diplomacy التى يعرفها ديفيز وكوفمان بأنها جميع المهنيين وقادة الرأى والأفراد المؤثرين الحاليين أو المستقبليين من المجتمعات التى يدور بينها صراع للعمل معاً لفهم آليات تقليل الصراع أو التوصل إلى حل له ، وكيفية تحقيق التعاون فى بناء السلام والتنمية المشتركة .

لكن الأمر أوسع بكثير من تعريف ديفيز وكوفمان الذى يركز على العملية المنظمة لإستغلال جهود المواطنين المؤثرين فى حل الصراعات ، وهى عملية مرحلية . فتشكيل العلاقات الطويلة المدى بين الدول والثقافات أصبحت تحتاج إلى العمليات المنظمة لإستغلال جهود المواطنين بالإضافة إلى المبادرات الفردية والإبداع فى استخدام وسائل الإتصال وأنواعه لبناء الصور الذهنية للدول والشعوب ، ونشر ثقافة الدولة وقيمها وتشكيل قوتها الناعمة والتأثير على اتجاهات الرأى العام.

لذلك ظهر مفهوم الدبلوماسية الشعبية التى تعنى اتصال مواطنين أفراد بمواطنين من دول أخرى والقيام بجهود فردية تخدم مصالح دولتهم ، ويشمل ذلك نطاقاً واسعاً من الأنشطة التى يستطيع الأفراد القيام بها لتوثيق الروابط بين الأفراد والمجتمعات لتحقيق أهداف الدبلوماسية العامة ، ومن ذلك التفاعل الرقمى الذى يشمل العلاقات بين الشعوب .

وبناءً على ذلك ، فان الفرد له الحق ويتحمل المسئولية فى المساعدة على تشكيل علاقات الدولة الخارجية إذا كان ذلك يعنى فتح المجال للمواطنين للمشاركة فى بناء العلاقات بين الدول والشعوب ، فأنه أيضاً يعنى تطوير الأدوار والوظائف التى تقوم بها الدبلوماسية الشعبية أو دبلوماسية المواطن .

لذلك يرى المجلس الثقافى البريطانى أن الدبلوماسية الشعبية والمشاركة بين الشعوب من خلال تبادل المعرفة والأفكار ، وأن الإتصال بين الشعوب People to People مهم لتحقيق الإستقرار والإزدهار فى المجتمع العالمى . هذا يعنى أن الدبلوماسية الشعبية تعنى فتح المجال لمشاركة نطاق واسع من المواطنين ذوى الإهتمامات والتخصصات والمهارات المختلفة للقيام بوظائف تتجاوز عمل الدبلوماسية التقليدية .

فى ضوء ذلك ، فإن الدبلوماسية الشعبية تكون أساساً لدبلوماسية متعددة الأبعاد Multi Layered Diplomatic Process فهى لا تشكل بديلاً للدبلوماسية التقليدية الرسمية ، ولكنها تكمل دورها وتعمل لبناء علاقات طويلة المدى مع الشعوب ، كما أن ذلك يفتح المجال إلى ما يطلق عليه ديفيز وكوفمان مهنية دبلوماسية المواطن Proffessionalization of the filed of Citizen Diplomacy وهذا يعنى أنه لابد من التأهيل العلمى والمهنى لعدد كبير من المواطنين خاصة اولئك الذين يملكون مهارات وتخصصات علمية وانسانية للقيام بوظائف الدبلوماسية الشعبية والعامة ، فهؤلاء يشكلون جزءً مهماً من رأس المال الإجتماعى للدولة ، ويمكن أن يساهموا بشكل كبير فى زيادة قوتها الناعمة وبناء صورتها الذهنية وعلاقاتها طويلة المدى مع الشعوب .

4- آلية جديدة للتعامل الدبلوماسى الغدوى:

من الواضح أن تطور تكنولوجيا الإتصال قد فاجأ جميع الدول وفرض عليها الكثير من التحديات ، وفى الوقت نفسه فتح أمامها الكثير من الفرص ، ومن أهم هذه التحديات ضرورة تطوير العمل الدبلوماسى ، وتطوير كل أنواع الدبلوماسية ، فهذا التطور فتح المجال لظهور أنواع جديدة من الدبلوماسية تعددت مسمياتها والمصطلحات التى نحاول توصيفها ، ومن أهمها الدبلوماسية الرقمية Digital Diplomacyوالدبلوماسية الإلكترونية E- Diplomacyولكن ما هى الدبلوماسية الرقمية ؟

تُعرِف وزارة الخارجية البريطانية الدبلوماسية الرقمية بأنها حل مشكلات السياسة الخارجية باستخدام الإنترنت ويتفرع من الدبلوماسية الرقمية عبر تويتر Twiplomacy والدبلوماسية عبر فيسبوك FacebookDiplomacy وهذه المصطلحات تعنى أن هناك مجالات عديدة لممارسة الدبلوماسية ، وأن كل دولة لابد وأن تبحث عن كيفية استغلال أدوات الإنترنت مثل وسائل التواصل الإجتماعى فى ممارسة الدبلوماسية .

التعامل الدبلوماسى من خلال الشبكة العنكبوتية أو دبلوماسية الغد :

أ- الدبلوماسية الرقمية البريطانية : (11) أنشأت وزارة الخارجية البريطانية مكتب الدبلوماسية الرقمية الذى يقوم بالكثير من الأنشطة التى تعتمد على استخدام الإنترنت ، وهناك قدر من الإتفاق على أن وزارة الخارجية البريطانية كان لها دور قيادى فى ممارسة الدبلوماسية الرقمية وتطويرها ، وذلك تحت تأثير توم فليتشر السفير البريطانى فى لبنان الذى ساهم فى تطوير الإستخدام الدبلوماسى لوسائل التواصل الإجتماعى ، ثم انتشر هذا المفهوم الإجتماعى حيث أطلق عليه دبلوماسى تويتر ، ليشير إلى وظيفة جديدة هى الدبلوماسى الذى يشارك فى تبادل الرسائل عبر تويتر مع متابعيه .

ويرى فليتشر أن استخدام وسائل التواصل الإجتماعى أصبح مهماً فى العمل الدبلوماسى حيث انها تساهم فى عمليات جمع المعلومات والتحليل والتأثير على الأزمات ، كما تستخدم وسائل التواصل الإجتماعى فيما يلى :

1- متابعة التطورات والتنبؤ بها ، حيث استخدمت وزارة الخارجية البريطانية هذه الوسائل فى جمع المعلومات والتأثير على الفاعلين والمؤثرين .

2- تشكيل السياسة الخارجية للدولة ، حيث تم إستشارة المواطنين حول بعض قضايا السياسة الخارجية بحيث تكون هذه السياسة معبرة عن اتجاهاتهم .

3- تحديد العناصر المؤثرة والفاعلة من قادة الرأى والتأثير على اتجاهاتهم ، حيث يعتبر تفاعل فليتشر مع المؤثرين فى لبنان ودول عربية أخرى نموذجاً لما يمكن أن تحققه الدبلوماسية الرقمية بشكل عام .

4- الإتصال والمشاركة فى السياسة الخارجية حيث يقوم وزير الخارجية البريطانى باستضافة جلسات سؤال وجواب على الإنترنت Online Question and Answer Session .

غير أن آفاق الدبلوماسية الرقمية أكبر بكثير من عملية الإستخدام الرسمى الذى تمثل فى التجربة البريطانية ، ذلك أن الدبلوماسى يظل ابداعه فى التواصل مع الجمهور محكوماً بأسس السياسة الرسمية للدولة ، وحدود العلاقات الثابتة لدولته ، وعلى ذلك يظل تأثيره قصير المدى . أما العلاقات طويلة المدى فإنه تشكلها مجموعات المواطنين الذين يمكن تنظيمهم فى شبكات واقعية أو افتراضية أو منظمات اقليمية أو دولية أو روابط علمية أو مهنية . وهؤلاء يتميزون بقدرة أكبر على الحوار والتفاعل عبر وسائل التواصل الإجتماعى مع المواطنين فى الدول الأخرى الذين يشتركون معهم فى الإهتمام بقضايا انسانية عالمية .

لذلك فإن الدبلوماسية الرقمية تتجاوز التجربة الرسمية لوزارة الخارجية البريطانية بالرغم من أهمية دراستها ، وما كشفته هذه التجربة من إمكانيات لإستخدام وسائل التواصل الإجتماعى فى العمل الدبلوماسى ، كما انها تتجاوز التجارب الرسمية لكل الدول ، ويعتبر أهم ما تكشف عنه هذه التجربة ضرورة تأهيل الدبلوماسيين لإستخدام وسائل التواصل الإجتماعى مع الجماهير وقادة الرأى فى الدول الأخرى والتأثير عليهم لصالح دولهم أو لبناء صورة إيجابية لدولهم فى الدول الأخرى .

أما الإتحاد الأوروبى فإنه قد ربط الدبلوماسية الرقمية بالدبلوماسية الثقافية ، حيث يرى أن الدبلوماسية الرقمية أصبحت استراتيجية جديدة تهدف إلى توفير إمكانيات الوصول إلى المضمون الثقافى الأوروبى ، وتشكيل طرق جديدة للمشاركة التفاعلية مع الجمهور العالمى ، ويهدف الإتحاد إلى استخدام الدبلوماسية الرقمية لتسهيل الوصول إلى ثقافاته المتعددة عبر العالم وتحقيق التعاون بين الثقافات .

لذلك قام الإتحاد الأوروبى فى السنوات الأخيرة بتطوير منصات رقمية Digital Platforms للمحافظة على التراث الثقافى الأوروبى و تطويره و نشره ، واستخدام هذا التراث بعد تحويله إلى أصول قومية رقمية إلى صناعات ابداعية ، واستخدامه لتطوير التفاعل مع الجمهور المتنوع ، ويرى الإتحاد الأوروبى أنه فى عصر المعلومات تطورت الدبلوماسية الرقمية فى دول الإتحاد الأوروبى كوسيلة جديدة وقوية يتمكن بواسطتها المواطنون العاديون والفنانون والمنظمات الثقافية من أن يصبحوا سفراء نشطين لثقافاتهم (12) .

وبذلك يفتح الإتحاد الأوروبى المجال لتطوير الدبلوماسية الرقمية والدبلوماسية الثقافية ، فالمواطن يمكن أن لا يكون فقط سفيراً لدولته ، ولكنه يمكن أيضاً أن يكون سفيراً لثقافته يعمل على نشرها والدفاع عنها ، والإبداع فى إنتاج أفكار جديدة نابعة من هذه الثقافة ، وزيادة القوة الناعمة لدولته عن طريق زيادة جاذبية هذه الثقافة (13) .

هذا الربط بين الدبلوماسية الرقمية والدبلوماسية الثقافية يفتح المجال لتطوير النوعين معاً ، كما يفتح المجال لتطوير الدبلوماسية العامة و الدبلوماسية الشعبية ، وبناء علاقات طويلة المدى بين الشعوب . كما فتح الإتحاد الأوروبى المجال لتطوير الدبلوماسية الرقمية ، حيث أصبحت وسائل الإتصال الجديدة توفر فرصاً للإتصال التفاعلى بين الأطراف المختلفة لخلق بيئة تشاركية عبر الحدود ، كما تتيح الإمكانيات لتدفق المنتجات الثقافية فى اتجاهين ، وليس فى اتجاه واحد كما كان يحدث من قِبل الجمهور على المستوى العالمى ، ونحن نحتاج إلى أن نفتح كنزنا الثقافى للجمهور ، وأن نستخدم هذه الوسائل لنقل الفنون إلى جمهور أوسع .

ربط الإتحاد الأوروبى أيضاً بين الدبلوماسية الرقمية و الدبلوماسية الثقافية من ناحية وتطوير الإقتصاد ، حيث قال الإتحاد فى تقريره أن الإهتمام بالدبلوماسية العامة واستخدام وسائل التواصل الإجتماعى لإقامة علاقات دائمة مع الشعوب عن طريق الإهتمام بالإقتصاد الإبداعى Creative Economy Digital وأشار الإتحاد إلى طموح بريطانيا لإستخدام الدبلوماسية الرقمية والثقافية فى تأمين موقع لبريطانيا كدولة قائدة فى اقتصاديات المعرفة الرقمية Knowledge Economies ولذلك فان بريطانيا تطور اطاراً رقمياً فعالاً فى الصناعات الإبداعية عن طريق زيادة إمكانيات الوصول إلى الثقافة عبر وسائل اجتماعية متعددة الإتجاهات كمصدر للمعلومات لتعزيز وجودها فى الإقتصاد العالمى ، ولذلك فانها تعمل على زيادة التعاون الثقافى الدولى ، ويعمل المجلس الثقافى البريطانى على تطوير التفاعل فى اتجاهين عبر الإنترنت ، ويتضح من ذلك ما يلى :

1- أن الدولة يجب أن تستخدم ثروتها البشرية فى عملية التفاعل مع الجمهور الخارجى عبر وسائل التواصل الإجتماعى ومواقع الإنترنت لنقل ثقافتها إلى هذا الجمهور وزيادة قوتها الناعمة .

2- أن المواطنين الذين يشاركون فى نقل ثقافة الدولة عبر الإنترنت إلى الجماهير فى الدول الأخرى يساهمون فى زيادة قوة الدولة الإقتصادية ، وفى تأمين وجودها الى اقتصاديات المعرفة الرقمية .

3- إن الدبلوماسية الرقمية يمكن أن تقوم بدور مهم فى بناء علاقات طويلة المدى مع الشعوب تتجاوز العلاقات الثنائية بين الدول ، وبالتالى فان استخدام الدولة لمواطنيها فى الدبلوماسية الرقمية يزيد وجودها السياسى والإقتصادى والثقافى على المستوى الدولى ، ولذلك يطمح الإتحاد الأوروبى إلى استخدام كل إمكانيات الدولة فى استخدام الدبلوماسية الرقمية لنشر الثقافة الأوروبية وتحويلها إلى أسس لإقتصاديات المعرفة الرقمية .

وفى ضوء ذلك ، يمكن أن نفهم ما يعنيه ديفز وهوفمان بأن الدبلوماسية الرقمية تساهم فى زيادة رأس المال الإجتماعى للدولة ، حيث أن استخدام الدولة لثروتها البشرية فى نقل ثقافتها إلى الجمهور الخارجى والدفاع عن هذه الثقافة يفتح للدولة آفاقاً جديدة لزيادة قوتها فى كل المجالات ، وبالتالى فإن المواطنين الذين يقومون بعملية الإتصال والتفاعل عبر الإنترنت يشكلون رأس المال الإجتماعى للدولة ، وكلما زاد عدد المواطنين الذين يقومون بهذا الإتصال يزداد وجود الدولة فى المجال العالمى.

ب- فى الولايات المتحدة الأمريكية : أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد قامت فيها وزارة الخارجية بمبادرة القرن الحادى والعشرين للكفاءة السياسية بهدف تدريب الدبلوماسيين الأمريكيين وتشجيعهم على استخدام وسائل التواصل الإجتماعى لخلق حوار عالمى .

وأدت هذه المبادرة إلى نتائج مهمة فى استخدام الدبلوماسيين الأمريكيين لوسائل التواصل الإجتماعى مثل تويتر وفيس بوك فى عملهم اليومى ، وهو ما أدى إلى أن يصل عدد متابعى صفحات وزارة الخارجية الأمريكية على فيس بوك وتويتر الى 26 مليون متابع .

ولذلك يرى رونالد بارلس أن هذه المبادرات أدت إلى تحويل وزارة الخارجية الأمريكية إلى إمبراطورية عالمية ، هذا يعنى أن التجربة الأمريكية تضيف جانباً مهماً يكمل صورة الدبلوماسية الرقمية ، وهى أن وزارات الخارجية يمكن أن تطور قدرات دبلوماسييها الرسمية للتواصل مع الجمهور عبر صفحات تويتر والفيس بوك ، وأن عدد المتابعين لهذه الصفحات يشير إلى مدى النجاح الذى حققته فى جذب الجماهير .

كما يعنى ذلك أيضاً أن الدبلوماسية الرقمية تحولت إلى علم له تطبيقاته العملية ، ويمثل إمكانيات لتأهيل الدبلوماسيين للتفاعل مع الجمهور عبر وسائل التواصل الإجتماعى.

فى ضوء ذلك ، قدمت الدول تجارب لتدريب الدبلوماسيين على استخدام الدبلوماسية الرقمية باعتبارها تشكل جانباً مهماً من دبلوماسية المستقبل . حيث قامت سويسرا بترتيب مجموعة من الندوات بدأت فى 16 نوفمبر 2012 تحت عنوان ” يوم الدبلوماسية الإلكترونية ” وقد شارك فى هذه الندوات 100 من الدبلوماسيين بهدف دراسة تأثير الإنترنت على مهنة الدبلوماسية وكيف يمكن أن يعمل الدبلوماسيون فى عصر الإنترنت ، وقد عرض المندوب السويسرى الدائم فى الأمم المتحدة الكسندر فاسل الخبرة السويسرية فى استخدام الأدوات الإلكترونية لتنسيق مبادرات دبلوماسية ثنائية ، وهو ما يؤكد ضرورة تدريب الدبلوماسيين على استخدام هذه الأدوات ، لأنها هى التى ستشكل مستقبل الدبلوماسية .

يوضح ذلك أن الدول قد أدركت أهمية الدبلوماسية الرقمية وضرورة تدريب دبلوماسييها على استخدامها لزيادة قوتها الناعمة وتشكيل علاقاتها بالجمهور ، لكن الأمر لا يتوقف عند حدود استخدام الدبلوماسيين لوسائل التواصل الإجتماعى للتفاعل مع الجماهير بالرغم من أهمية ذلك (14) .

6- الإبداع فى دبلوماسية الغد عبر العالم الإفتراضى :

إن الإنترنت وتطور وسائله الإتصالية الإجتماعية فتحت المجال لظهور نوع جديد من الدبلوماسيين يحتاجون إلى نوعية التدريب على الإبتكار ، فهذه الدبلوماسية الرقمية الإلكترونية تحتاج إلى عقليات ابتكارية The Leading Innovators in Diplomacy ولذلك كان من بين المصطلحات المهمة التى ظهرت خلال العامين الآخيرين ” المبتكرون الدبلوماسيون ” .

وقد عقد فى مالطا فى 19 – 20 نوفمبر 2012 مؤتمر حول الإبتكار فى الدبلوماسية ، وقد أكد فيه الباحثون على أهمية الإبتكار فى الدبلوماسية من جوانب مختلفة ومن مناظير متعددة ، ذلك أن الإبتكار يحتاج إلى رؤية ثقافية متميزة ، وفهم للمتغيرات العالمية ، وكيفية استغلال الفرص التى تتيحها هذه التغيرات ، فالإبتكار بالضرورة يتناسب مع سرعة التغير العالمى ، والدبلوماسى التقليدى الذى ينتظر أوامر سفيره أو وزير خارجيته ويعمل فى إطار الروتين المؤسس لا يمكن أن يواجه التغيرات العالمية السريعة بأفكار إبداعية .

لذلك أكد الباحثون فى مؤتمر مالطا على أن الإبتكار ضرورة للدبلوماسية الحديثة ، وأن الدبلوماسيون لابد أن يتكيفوا مع البيئة السياسية الدولية التى تعبر بشكل سريع ، لكن فى الوقت نفسه فإن الحاجة إلى الإبتكار تواجهها تحديات من أهمها كيف تحقق التوازن مع التحديات التى تخلفها طبيعة المهنة الدبلوماسية مثل السرية والثقافة الدبلوماسية التقليدية .

وكان من بين أهم المفاهيم التى ظهرت فى المؤتمر الدولى للدبلوماسية الإبتكارية فى مالطا مفهوم الثقافة الدبلوماسية الإبتكارية ، فهذه الثقافة تتناسب مع تطور تكنولوجيا المعلومات والإتصال ، وتجاوز الثقافة الدبلوماسية التقليدية . من أهم ما يجب أن تتجاوزه الثقافة الدبلوماسية الإبتكارية الإطار الرسمى البروتوكولى الذى تتيحه فى سياقه الدبلوماسية التقليدية ، فالدبلوماسية الإبتكارية تعتمد على النظم الإتصالية الحديثة وهى بطبيعتها غير رسمية ، يضاف إلى ذلك أن هناك حاجة للإبتكار فى الربط بين البحث العلمى والممارسة الدبلوماسية وتحقيق التكامل بينهما . هذا التكامل هو الذى يمكن أن يوفر لدبلوماسية المستقبل القدرة على تحقيق نتائج ليست سريعة ، لكنها أقل قدرة على الإستمرارية وتتناسب مع تعدد الفاعلين فى العلاقات الدولية والنظام العالمى (15) .

ذلك أن البحث العلمى هو الذى يمكن أن يوفر للدبلوماسيين إمكانيات تطوير قدراتهم على بناء علاقات دولية تقوم على استغلال المعطيات الثقافية وفهم المزاج العام للشعوب .

فى ندوة ستوكهولم التى أقامتها وزارة الخارجية السويدية ، أكد المشاركون على أهمية أن يدرك الدبلوماسيون أن الثقافة الدبلوماسية الجديدة تقوم على المشاركة الرقمية Culture of Digital Participation فالعمل الدبلوماسى لم يعد حكراً على الدبلوماسيين المهنيين الذين حصلوا على تأهيل وتدريب طبقاً للثقافة القديمة التى تقوم على ممارسة الدبلوماسية فى السياق الرسمى .

فكل فرد يمكن الآن أن يكون دبلوماسياً ، والدبلوماسية أصبحت مفتوحة وتقوم على التفاعل والحوار ، لذلك يحتاج الدبلوماسيون إلى مناهج تعليمية وتدريبية جديدة تزيد قدراتهم على التعامل فى إطار ذلك السياق المفتوح للعمل الدبلوماسى . وفى الوقت نفسه فان الدولة التى تكتفى بتدريب كوادرها الدبلوماسية المهنية فقط ، واستخدامهم فى صياغة علاقاتها الخارجية سوف تخسر كثيراً فى المستقبل أما الدول التى تريد أن تزيد قوتها الناعمة ومكانتها الدولية ودورها فى العالم الجديد ، فانها لابد أن تقوم بتدريب الكثير من أفرادها القادرين على التأثير فى الجمهور والحوار مع الآخرين والتفاعل معهم ، وأن يقوم هذا التدريب على ثقافة دبلوماسية جديدة تقوم على الإبتكار والإبداع .

لذلك ظهر مفهوم الدبلوماسية الإبداعية Creative-Diplomacy بقوة فى المؤتمرات الدولية التى أصبحت تعبر عن حالة بحث عن أساليب جديدة فى بناء العلاقات الدولية والتأثير على الآخرين ، والدبلوماسية الإبداعية تعنى كيف تقوم الدولة بممارسة الدبلوماسية فى عالم متشابك Networked World .

وفى هذا العالم لن يستطيع الدبلوماسى الرسمى بثقافته الدبلوماسية التقليدية أن يحقق نتائج تتناسب مع تلك التى يمكن أن يحققها فاعلون يستطيعون إدارة الحوار والمشاركة الرقمية والتفاعل باستخدام أدوات الثورة الإتصالية والمعلوماتية ، لذلك فإن التحدى هو كيف يمكن بناء شبكات من المؤثرين والفاعلين المدربين على استخدام معطيات ثورة الإتصال والمعلومات للتأثير على الجمهور وبناء صورة الدولة فى الخارج عبر التفاعل مع الآخرين فى حوار على شبكة الإنترنت .

إن الفاعلين الذين يتمكنون من بناء شبكات من المتابعين عبر تويتر أو فيسبوك يمكن أن يقوموا بدور مهم فى بناء علاقات دولهم بالدول الأخرى وبناء صورتها فى أذهان الجماهير الذين يتفاعلون معهم ، ويمكن أن يكون هذا الدور أكثر أهمية من الدور الذى يتفاعلون معهم ، ويمكن أن يكون هذا الدور أكثر أهمية من الدور الذى يؤديه الدبلوماسى الرسمى الذى تحكمه ثقافته المهنية التقليدية ، لذلك فإن هناك حاجة لتطوير الدبلوماسية الجديدة باستخدام كل معطيات تكنولوجيا الإتصال والمعلومات ، وفى الوقت نفسه تعليم الكوادر الدبلوماسية وتدريبهم على استخدام وسائل التواصل الإجتماعى والإبداع والإبتكار فى التفاعل مع الآخرين والحوار معهم وبناء صورة الدولة .

7- نحو دور عالمى دبلوماسى للفرد العادى :

تشمل دبلوماسية المواطن نطاقاً واسعاً من الأنشطة التى يستطيع الأفراد القيام بها لتوثيق الروابط بين الأفراد والمجتمعات لتحقيق أهداف الدبلوماسية العامة ، ومن ذلك التفاعل الرقمى الذى يسهل العلاقات بين الشعوب .

وقد عرّف المركز الأمريكى لدبلوماسية المواطن هذه الدبلوماسية بأنها تعتمد على الإتصال وعلى تطوير مجتمع له اهتمامات مشتركة ، وقد خلق تطور الإنترنت أشكالاً جديده للإتصال وأتاح فرصاً للمواطنين ليقوموا بدور دبلوماسى . وأضاف المركز أن دبلوماسية المواطن لها تأثير هائل على فعالية الإقتصاد والحكومة والتعليم والكيانات الإجتماعية عبر العالم . ويكمل جونيش وميلسن الصورة بأن دبلوماسية المواطن تعنى Effective Diplomacy تفعيل دور الدبلوماسية المؤثرة . إن أهم ما يمكن أن يشكل النجاح للنظام الدبلوماسى الوطنى الربط بين كل مكوناته والتنسيق بينها ، كما يضمن لهذه المكونات أن تعمل فى إطار النظم الدبلوماسية الإقليمية ، والنظام الدبلوماسى العالمى لتحقيق أهداف الدولة وزيادة قوتها .

8- الدبلوماسية التكاملية : دبلوماسية المستقبل:

إن التكامل بين مكونات النظام الدبلوماسى الوطنى يعنى إمكانية إستخدام موارد هذا النظام وأدواته لتحقيق الفاعلية ورصد أربعة أنواع من التكامل بين الفاعلين فى النظم الدبلوماسية على النحو التالى :

أ- التكامل بين الأجندات : ويعنى التفاعل بين مجموعة من القضايا التى تبدو منفصلة مثل التنمية والتجارة والدفاع . كما أن الدبلوماسية أصبحت تحدث داخل حدود الدولة وخارجها ، حيث تقوم الدولة بربط مصالحها على المستويات الإقليمية والدولية .

ب- التكامل بين الفاعلين : تشمل الدبلوماسية المعاصرة الكثير من الفاعلين مثل منظمات المجتمع المدنى ، ولذلك ظهر مفهوم دبلوماسية الشبكة Network Diplomacy وهذا يعنى ضرورة التفاعل والتنسيق بين ممثلى الدولة ، وبين قادة الرأى ورجال الأعمال .

ج- التكامل بين العمليات الدبلوماسية : ويأتى فى إطار ذلك العمليات التى تستهدف بناء العلاقات الثنائية بين دولتين ، و الدبلوماسية على مستوى مجموع من الدول مثل الإتحاد الأوروبى ، وهذا الربط بين العمليات الدبلوماسية يساهم فى زيادة القوة الناعمة للدولة .

د- التكامل داخل بنية الدبلوماسية وآلياتها : ويشمل ذلك تحديد أدوار المؤسسات الوطنية والإقليمية والدولية فى العمل الدبلوماسى .

فى إطار هذا التكامل لابد أن تحتل الدبلوماسية الرقمية بكل أشكالها مكانها داخل الدبلوماسية العامة ، والتى بدورها يجب أن تحتل مكانتها من المواطنين القادرين على المشاركة فى حوار مع مواطنين من دول أخرى لنشر قيم الدولة وبناء صورة ايجابية .

كما يربط سنو بين الدبلوماسية الشعبية وتطور تكنولوجيا الإتصال ، فهذا التطور أدى إلى زيادة مشاركة الجمهور فى الحديث حول الشئون الخارجية وزيادة تبادل الأفكار والمعلومات بين الجمهور سواء بشكل إفتراضى أو واقعى عبر الحدود القومية . فى ضوء ذلك تطور مفهوم الدبلوماسية العامة ليشمل كل تلك المفاهيم الجدية وليوسع نطاق العمل الدبلوماسى ليقوم على مسارات متعددة .

وأصبحت مشاركة الأفراد فى إدارة حوار عالمى حول القضايا العالمية تحتل مكانها داخل مفهوم الدبلوماسية العامة ، والذى يشارك فى الحوار يحتاج إلى معلومات ومعرفة وإهتمام بالقضايا السياسية العالمية . وهذا ضرورة لتوسيع المجال العام الذى يمكن أن يقوم فيه كل مواطن بفعل اتصالى داخل هذا المجال العام .

فى ضوء ذلك ظهر مفهوم الدبلوماسية التكاملية Integrative Diplomacy التى تعنى إطاراً تكاملياً ، فقد يحقق التكامل بين الإستمرارية والتغيير وبين الأجندات والميادين والعمليات الدبلوماسية وبين الدبلوماسية وآلياتها ، وهى تؤكد على تطوير الشبكات الدبلوماسية وتحقيق التعاون مع الفاعلين غير الرسميين كما تشمل الدبلوماسية المتكاملة فهم الأنماط المتغيرة للإتصال الدبلوماسى . وفى إطار الدبلوماسية المتكاملة يقوم الدبلوماسيون بالعمل لتسهيل الإتصالات بين جماعات المجتمع المدنى الداخلية والخارجية للعمل فى شبكات سياسية عالمية ، ولذلك فان الدبلوماسيون يحتاجون إلى مهارات دبلوماسية تؤهلهم للتنسيق بين الشبكات والعمل معاً لتحقيق أهداف العمل الدبلوماسى الوطنى غير أن الدولة يجب أن تعمل على بناء نظامها الدبلوماسى الوطنى ، وكلما زادت قوة هذا النظام زادت إمكانيات تأثير الدولة فى النظم الإقليمية والعالمية واستطاعت الدولة أن تدير وجودها فى البيئة السياسية العالمية .

كما أن النظام الدبلوماسى الوطنى يجب أن يقوم على تحديد أهداف الدولة العامة ، واستخدام موارد الدولة وامكاناتها البشرية لتحقيق هذه الأهداف على المستوى العالمى . وفى هذا النظام يجب إقامة شبكة من قادة الرأى يقومون بنقل الرسائل عبر الإتصال المباشر ووسائل التواصل الإجتماعى لزيادة إمكانيات التأثير فى الشعوب الأجنبية ، ويمكن إستخدام مواطنى الدولة الذين يقيمون أو يعملون فى الدول الأجنبية كقادة رأى بعد تدريبهم . كما أن النظام الدبلوماسى الوطنى يشمل شبكات من المواطنين سيشاركون بفعالية فى الحوار العالمى باستخدام الإنترنت .

وكلما تزايدت إمكانيات النظام الدبلوماسى الوطنى والشبكات المرتبطة به زادت قدرته على بناء القوة الناعمة للدولة وبناء صورتها الذهنية .

و فى ضوء ذلك ، فإن دبلوماسية المستقبل (16) تقوم على تعددية المشاركين والمسارات المتعددة والتعاون بين الدول والشبكات ، والنظام الدبلوماسى الوطنى لابد أن يعمل على زيادة قوته وتأثيره عن طريق إعداد المشاركين وزيادة الإتصال وتبادل المعلومات والتفاعل والحوار (17) .

الهوامش

(*) لمزيد من التعمق حول هذا الموضوع ، أنظر للكاتب الدكتور السيد أبو عيطة ، الدبلوماسية فى زمن الرقمية ، الناشر دار الفكر الجامعى بالإسكندرية ، طبعة 2017م .

(1) Charles Wolfm jr brain Rosenm Public Diplomacy how to think about and improuve it, Rand, Corporation, Santa Monica, South Hayer,Sreet Arlington,2004,p.3

(2) Eric Brahm, publiciplomacy, http//:www.beyondintractability.org/essay/publicdiplomacy….

(3) USA Center on public diplomacy,what is public diplomacy, http//:uscpublicdiplomacy.com/index.php/about/what_is_pd,19/09/2008.

(4) راجع فى هذا الصدد : جون توميلسون ، العولمة والثقافة ، ترجمة إيهاب عبد الرحيم ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، العدد 554 ، طبعة 2008 ، ص25 وما بعدها .

(5) د/ السيد يسين ، الخريطة الكونية للمجتمع العالمى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، طبعة 2008 ، ص245 وما بعدها .

(6) روبرتس تيمونز ، من الحداثة إلى العولمة ، الطبعة الثانية ، لندن ، 2006 ، ص118 وما بعدها . وأنظر أيضاً سيمون سيرفانى ، وسائل الإعلام والسياسة الخارجية ، ترجمة محمد غنيم ، الجمعية المصرية للنشر ، القاهرة ، طبعة 2001 ، ص18 .

(7) السيد عبد الحليم الزيات ، التنمية السياسية ، دراسة فى علم الإجتماع السياسى ، ج3 ، الطبعة الأولى ، دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية ، بدون تاريخ نشر ، ص95 وما بعدها .

(8) روبرتس تيمونز ، من الحداثة إلى العولمة ، ط2 ، المجلس الوطنى للثقافة بالكويت ، 2004 ، ص75 وما بعدها .

(9) أنظر حول هذا الموضوع :

د/ سليمان صالح ، استخدام وسائل التواصل الإجتماعى فى الدبلوماسية العامة . مثاله الإنترنت وأيضاً وسائل الإعلام ، عمان ، دار الفكر ، طبعة 2014 وأنظر فى الفقه الأجنبى :

– Davis.J and Kaufman.E,Second track-citizen diplomacy (New York: Roman and illus trated publishers,inc,2002).

– Bhandari.R and Belavina.R,evaluating and measuring the impact of citizen diplomacy, institute of information education,2010

– US Center for citizen diplomacy, citizen diplomacy organizations throughout out the world,Nov,16-19,2010

– the US Center for citizen diplomacy,understanding citizen diplomacy 2011

– Paris.R,the digital diplomacy revolution,Candian defence and foreign affairs institute (CDFI),june,2013

– Grincheva.Natalia,Digital diplomacy rhetoric,UK: University London,2012

– Paris.Roland,The digital diplomacy revolution,Candian defence and foreign affairs institute,june,2013

– Geneva E diplomacy day,Opportunities and challenges for diplomacy in the internet era,16 Nov 2012

– The international Conference on innovation in diplomacy,Malta,19-20 Nov.2012

– Stockholm.R and Belavina.R,evaluating and measuring the impact of citizen diplomacy,USA: institute of information education education,2010

– US Center for citizen diplomacy,citizen diplomacy organizations throughout the world,Nov ,16-19,2010

– Gonesh.A and Melisen.J,Public diplomacy Improving practice,Netherlands: institute of information Relations,2005

(10) سهيل حسين القتلاوى ، الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق ، ط1 ، عمان ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، طبعة 2010م ، ص151 . وأيضاً سمير أمين ، مناهضة العولمة ، الناشر مكتبة مدبولى ، القاهرة ، طبعة 2004م ، ص85

(11) جمال بركات ، الدبلوماسية ، ماضيها وحاضرها ، مستقبلها ، الرياض ، 1985م ، ص118 . وكذلك أحمد محمد جمعة ، الدبلوماسية فى عالم العولمة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ص127

(12) محمد صالح ، فن النظرية الدبلوماسية ، ط1 ، السودان ، 1993م ، ص99 وما بعدها .

(13) سموحى فوق العادة ، الدبلوماسية الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط1 ، 1973م ، ص120 وما بعدها .

(14) بشير البكرى ، دبلوماسية القرن القادم ، المجلة السودانية للدراسات الدبلوماسية ، العدد الأول ، 2000م ، المجلد الأول ، ص118

(15) الدبلوماسية الذرية ، زكى فاضل ، مجلة السياسة الدولية ، العدد 43 لسنة 1976 ، الأهرام ، القاهرة ، ص117

(16) لمزيد من التعمق حول هذا الموضوع ، راجع بصفة عامة :

– المعتز بالله عبد الفتاح ، الدبلوماسية الشعبية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ، ورقة بحثية مقدمة إلى ندوة الدبلوماسية العامة الأمريكية تجاه العالم العربى ، جامعة القاهرة ، كلية الإقتصاد والعلوم السياسية ، برنامج حوار الحضارات 18 مايو 2006م

– هويدا عدلى ، فعالية مؤسسات المجتمع المدنى وتأثيره على بلورة سياسة اتفاق الخدمات الإجتماعية ، ورقة بحثية مقدمة لندوة الرفاهية الإجتماعية ، مركز الوحدة العربية ، الإسكندرية ، مصر ، نوفمبر 2005م .

– نادية محمود مصطفى ، الدبلوماسية العامة الأمريكية تجاه العالم العربى ، برنامج حوار الحضارات ،

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *