Share Button

بقلم : د. مجدي إبراهيم
هذا العنوان هو أحد الكتب التي أعدّها وكلما هممتُ بالانتهاء منها أرجأتها إلى حين، ظناً مني إنه لم يحن بعدُ الصفاء الذي يناسبها والإخلاص الذي يُصاحبه في تناول موضوع من أجلِّ وأكرم الموضوعات وأحبها إلى قلبي؛ وبخاصّة أنه دراسة ذوقية لأدب الخطاب النّبوي.
عندي أنه : ليس للدين ولا للعقيدة قيمة ذات أثر يُذكر ما لم يكن النزوع العملي فيها يتلازم بالضرورة مع الفكرة النظريّة؛ فليست المعرفة المُجرّدة بكافية عن لواحق السلوك والتطبيق بل جوهر الدين ولبُّه هو العمل؛ هو الحياة. انظر إلى قوله صلوات الله وسلامه عليه :” اعْلموا ما شئتم أن تعلموا, ولكنكم لن تؤمنوا حتى تعملوا”؛ انظر كيف قَرَنَ صلوات الله عليه الإيمان بفضائل العمل، وفصل بين العلم الذي لا عَمَلَ فيه عن الإيمان، مع أنه أعطى الحق لمشيئة العالم في أن يعلم ما يشاء كيف يشاء، ولكن هذا كله شيء، والعلم الذي يتحوّل فيه العمل إلى إيمان شيء آخر؛ لكأنما الفكرة النظريّة يقولها المتكلم أو الكاتب كلاماً مجرّداً عن الفاعلية العمليّة أو عن الممارسة التطبيقية تجيء لا لتكون حياة حيّة بل لتكون ضرباً من النظر الأجوف الذي لا طائل من ورائه؛ إنمّا هى لغو فضول وترهات عجائز.
هنالك يتحوّل الفكر إلى صنم يعبد ليس فيه حرية، يمارسه سدنة الكهانة ولا يمارسه الأحرار من المفكرين. شرط ممارسة الفكر هو إتاحة أكبر قسط من الحرية. أما الأصنام والكهانة فهى ضد عمل العقول المفكرة. أنا شخصياً يُخَيّل إليَّ أننا لا نعبد الله على الحقيقة بل نحن عبدة أصنام وأوثان!
وأن قلوبنا بحاجة شديدة إلى تفرقة الأصنام عنها ممّا لحق بها من عبادة الصنم بعد الصنم : صنم السّلطة، وصنم المال، وصنم العلم، وصنم الدين، وصنم الجاه، وصنم النفوذ، وصنم الزعامات الموبوءة، وصنم السّطوات الضاغطة على الطبيعة البشرية، وأصنام كُثر وأوثان كُثر وأرباب كُثر؛ فكما أن لكل صنمه يتمثله فيعبده ويتوسّل إليه صباح مساء بوسائل القربات؛ فلكل ربه يتخذه من دون الله معبوداً على هواه.
أما سيّد الخلق الذي وَهَبَ الحريّة للإنسانيّة وحطّم الأصنام والكهانة فهو نفسه – صلوات ربي وسلامه عليه – مَنْ أستقل بكرامة الإنسان عن سطوات الأغيار والأصنام، وعن أغلال قيودها المستبدة، ومضى يُبصِّره بكشف حقيقته الإنسانية كشفاً من جديد في ضوء البذرة الإلهية فيه، وفتح ضميره مستقلاً عن التعلق بغير الله والعمل من أجله، واستغلال الطاقة الإنسانية والعمر البشري في تحصيل ما بقى من كرامة الفرد في رحاب الله.
من خطب معلم البشرية صلوات الله وسلامه عليه.
أيها الناس:
“إنّ لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم؛ فإنّ العبد بين مخافتين : أجل قد مضى لا يدري ما الله فاعل فيه، وأجل باق لا يدرى ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه ﻵخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الممات، فوالذي نفس محمد بيده : ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلّا الجنّة أو النار”.
(وللحديث بقيّة)
بقلم : د. مجدي إبراهيم

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *