Share Button

و تظهر فى الأفق لقطة رائعة بخروج يوسف من محبسه فى تطور درامى متصاعد فأهداه الملك ملابسا فاخرة وتاجا وأمر الوزراء باصطحابه فى موكب مهيب فاغتسل وودع زملاء السجن و دعيٰ لهم ثلاث دعوات قال
” اللهم عطف على المسجونين قلوب العباد اللهم إدفع عنهم شدة الحر والبرد اللهم آتهم بالأخبار فى كل يوم من سائر البلاد ”
ثم كتب على باب السجن هذا قبر الأحياء وروى أن يوسف سأل جبريل عن سر معاودته يوما واحدا فى الشهر فى محبسه بينما كان يؤنس وحدته فى الجب كل يوم ؟؟ !فأوحى الله تعالى إليه أما غيابة الجب فقدرى وأما السجن فدعوتك .
فلما مر موكبه بالمدينة نادت زليخا بصوت جهوري سبحان من جعل العبيد ملوكا فداعبت الكلمات أذنيّ يوسف فأمر الموكب بالتوقف ليعود القهقرى إليها وابتدرها بالسؤال ماذا قلتِ يا أمة الله ؟!! قالت قلت سبحان من جعل العبيد ملوكا بعز طاعتهم لله وجعل الملوك عبيدا بذل معصيتهم فقال من أنتِ يا أمة الله .. ؟؟ قالت أنا التى أكرمت مثواك صغيرا ورجلت شعرك فتى فتعجب من هول المفاجأة إذ رأى امرأة إحدودب ظهرها وذهب جمالها وانطفأ نور بصرها وتغير أكثر محاسنها وذهبت نضارتها وصارت حطاما وفنيت بهجتها وغاض الماء الذى كان يُرى كالسيف الصقيل فلم يبق إلا البعض المنبئ عن الكل ونزل جبريل يُنهى إليه أمر السماء بزواجه منها ورد الله تعالى عليها نور عينيها ونضارة جلدها وشبابها وجمالها ووجدها يوسف بعد زواجه منها بكرا جزاء وفاقا لتوبتها و ندمها و إسلامها و كرامة ليوسف الصديق ومكثت معه أربعين سنة ورزق منها بولدين هما إفراثيم وميثا وخلت حال زليخا وقد نالت وصلا بعد طول إنقطاع وهو لها حظ رفيع ومرتبة ثرية ودرجة عالية وسعد طالع بل هو الحياة المجددة والعيش السنى والسرور الدائم والصفاء بعد الكدر والفرح الذى لا شائبة فيه ولا حزن معه وكمال الأماني ومنتهى الأراجى فصارت أصفى من الماء وألطف من الهواء وأشد إمتزاجا من اللون فى الملون و أضوأ من الشمس وأثقب من النجم وأعجب من الدهر وأحسن من البر و ألذ من العافية وأحلى من المنى وأدنى من النفس وأرسخ من النقش فى الحجر ولقد جُرِبت اللذات على تصرفها وأُدرِكت الحظوظ على إختلافها فما للدنو من السلطان ولا للمال المستفاد ولا الوجود بعد العدم ولا الأوبة بعد طول الغيبة ولا الأمن بعد الخوف ولا التروح على المال من الموقع فى النفس ما للوصل لا سيما بعد طول الإمتناع وحلول الهجر حتى يتأجج عليه الجوى ويتوقد عليه لهيب الشوق وتتضرم نار الرجاء فالوصل هو أمان المحب الظمآن الذى تستروح إليه الحياة المجهودة التى تكاد تتنفس وتبترد عنده الأحزان الملتهبة وتصغر لديه كل المصائب (يراجع كتاب طوق الحمامة لابن حزم )
إن الفرقة بين يوسف الصديق و أبيه دامت خمسين عاما وقيل سبعين وذكر السدى أن سبب بلاء يعقوب أنه ذبح بقرة ولها عجل مرضع بين يديها فلم يتنبه لوجوده فجعل العجل الصغير يصيح ألما كل يوم على أمه ولم تنمحى من ذاكرته تلك الفاجعة فذاق يعقوب من ذات الكأس وعانى من ويلات الفراق جزاء ما قدم وإن من أجمل ما وقعت عيناى عليه بالقصة تلك الرسالة التى بعث بها صفي الله يعقوب إلى عزيز مصر لما إحتجز إبنه بنيامين بدعوى سرقة السقاية التى وجدت برحله فكتب صفي الله يعقوب يقول
” من يعقوب نبي الله إبن إسحاق إبن إبراهيم خليل الله أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء فمنا من وضعت السكين على حلقه وأما جدى إبراهيم عليه السلام فوضع فى المنجنيق فألقى فى النار وأما أنا فكان لى ولد يسمى يوسف وكان أحب أولادى إليَّ فذهب مع إخوانه فأُتى بقميصه ملطخا بالدم وقالوا إن الذئب أكله فبكيت منذ سنين حتى إبيضت عيناى وأما إبنى بنيامين فقلت أنك وجدته وسقايتك فى رحله وحزته عندك فنحن من أهل بيت لا يسرق ولا نلوذ بمن يسرق فارحم تُرحم وأردد عليَّ ولدى فإن فعلت ذلك فالله يجزيك خيرا وإن لم تفعل ذلك دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك ”
( يراجع كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور للعلامة :
محمد بن أحمدبن إياس )
وقال يعقوب خذوا هذا الكتاب واذهبوا به إلى عزيز مصر
” عسى الله أن يأتينى بهم جميعا ”
فلما ذهبوا بالكتاب أخذه يوسف ودخل بيته وقبله وقرأه واغرورقت عيناه بالدموع فبكى طويلا و شريط من الذكريات يمر بخاطره كالبرق الخاطف يستعرض كل ما مضي من حياته وقال لأولاده هذا كتاب جدكم وأعلن عفوه عن بنيامين و أوفاهم كيلا وأعلن عن نفسه فى عتاب مهذب رقيق وأنه كان على خد يوسف خال أسود وفى وجهه شامة بيضاء تتلألأ بالنور فعند ذلك تحققوا أنه يوسف
🌹المستشار : عادل الرفاعى 🌹

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *