Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الأشتر النخعى، وهو مالك بن الحارث النخعي، وقد توقفنا عندما قام مالك بن كعب الأرحبي فندب الناس إلى امتثال أمر الإمام علي والسمع والطاعة له‏، فانتدب ألفان فأمر عليهم مالك بن كعب هذا، وقال له الإمام علي‏ رضى الله عنه،‏ سر فوا لله ما أظنك تدركهم حتى ينقضي أمرهم فسار بهم خمسا ثم قدم على الإمام علي جماعة ممن كان مع محمد بن أبي بكر الصديق بمصر فأخبروه كيف وقع الأمر وكيف قتل محمد بن أبي بكر وكيف استقر أمر عمرو بن العاص فيها فبعث إلى مالك بن كعب فرده من الطريق وذلك لأنه خشي عليهم من أهل الشام قبل وصولهم إلى مصر واستقر أمر العراقين على خلاف علي فيما يأمرهم به وينهاهم عنه والخروج عليه والتنقد على أحكامه وأقواله وأفعاله لجهلهم وقلة عقلهم وجفائهم وغلظتهم وفجور كثير منهم فكتب الإمام علي عند ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنه وهو نائبه على البصرة يشكو إليه مايلقاه من الناس من المخالفة والمعاندة فرد عليه ابن عباس يسليه في ذلك ويعزيه في محمد بن أبي بكر ويحثه على تلافي الناس والصبر على مسيئهم فإن ثواب الجنة خير من الدنيا ثم ركب ابن عباس إلى الكوفة.

وذهب إلى الإمام علي رضى الله عنه واستخلف على البصرة زيادا وكانت السنة التي حكم فيها محمد بن أبي بكر الصديق وغيره على مصر وهي سنة سبع وثلاثين من الهجرة‏‏ فيها كانت وقعة صفين بين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين معاوية بن أبي سفيان‏، وفيها قتل عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة المدلجي العبسي أبو اليقظان وكان من نجباء الصحابة وشهد بدرا والمشاهد كلها وقتل في صفين وكان من أصحاب الإمام علي رضي الله عنه‏، وفيها توفي خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة التيمي مولى أم سباع بنت أنمار‏، وكنيته أبو عبد الله‏، وكان من المهاجرين الأولين‏، وقد شهد بدرا والمشاهد بعدها وروي عنه أحاديث‏،‏ وفيها أيضا قتل بصفين من أصحاب الإمام علي رضي الله عنه أويس بن عامر المرادي القرني الزاهد وهو سيد التابعين كنيته أبو عمرو‏،‏ وقد أسلم في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏، وفيها قتل في وقعة صفين من أصحاب الإمام علي رضي الله عنه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري‏، وفيها توفي عبيد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما‏، وفيها قتل كريب بن صباح الحميري أحد الأبطال من أصحاب معاوية‏ بن أبى سفيان.

وقد قام بولاية مصر مره ثانيه الصحابى عمرو بن العاص وفي هذه المرة من قبل معاوية بن أبى سفيان وكان دخوله إلى مصر في شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين من الهجرة وجمع إليه معاوية الصلاة والخراج في ولايته هذه‏، ويرجع سبب انتماء عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبى سفيان هو أن عمرو بن العاص كان لما عزله الخليفة عثمان بن عفان عن مصر بعبد الله بن سعد بن أبي سرح قد توجه عمرو بن العاص وأقام بمكة منكفا عن الناس حتى كانت وقعة الجمل‏،‏ فقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي، قال جويرية بن أسماء حدثني عبد الوهاب ابن يحيى بن عبد الله بن الزبير حدثنا أشياخنا‏ أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش له نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاص وما زال مقيما بمكة ليس في شيء مما فيه الناس حتى كانت وقعة الجمل فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال‏‏ إني قد رأيت رأيا ولستما باللذين ترداني عن رأيي ولكن أشيرا علي إني رأيت العرب صاروا عنزين يضطربان وأنا طارح نفسي بين جزاري مكة ولست أرضى بهذه المنزلة فإلى أي الفريقين أعمد قال له ابنه عبد الله‏‏ إن كنت لا بد فاعلا فإلى الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنه.

قال‏ إني إن أتيت عليا قال‏ إنما أنت رجل من المسلمين وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره فأتى معاوية‏ بن أبى سفيان، وعن عروة وغيره قال‏‏ دعا عمرو بن العاص ابنيه فأشار عليه عبد الله أن يلزم بيته لأنه أسلم له فقال محمد‏ بن عمرو‏ أنت شريف من أشراف العرب وناب من أنيابها لا أرى أن تتخلف فقال عمرو بن العاص لابنه عبد الله‏‏ أما أنت فأشرت علي بما هو خير لي في آخرتي وأما أنت يا محمد فأشرت علي بما هو أنبه لذكري‏، وارتحل عمرو بن العاص فارتحلوا إلى الشام غدوة وعشية حتى أتوا الشام‏،‏ فقال‏ يا أهل الشام إنكم على خير وإلى خير تطلبون بدم عثمان بن عفان خليفة قتل مظلوما فمن عاش منكم فإلى خير ومن مات فإلى خير، فما زال مع معاوية بن أبى سفيان حتى وقع من أمره هذا، وقد دخل مصر ووليها بعد محمد بن أبي بكر الصديق ومهد أمورها‏، ثم خرج منها وافدا على معاوية بالشام واستخلف على مصر ولده عبد الله بن عمرو وقيل خارجة بن حذافة، وحضر أمر الحكمين ثم رجع إلى مصر على ولايته ودام بها إلى أن كانت قصة الخوارج الذين خرجوا لقتل علي ومعاوية وعمرو هذا‏،‏ فخرج عبد الرحمن بن ملجم لقتل الإمام علي رضي الله عنه.

وقيس إلى معاوية ويزيد إلى عمرو بن العاص وسار الثلاثة كل واحد إلى جهة من هو متوجه لقتله وتواعد الجميع أن يثب كل واحد على صاحبه في السابع عشر من شهر رمضان فأما عبد الرحمن فإنه وثب على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتله، وأما قيس فوثب على معاوية وضربه فلم تؤثر فيه الضربة غير أنه جرح وأما يزيد فإنه توجه إلى عمرو بن العاص هذا فعرضت لعمرو علة تلك الليلة منعته من الصلاة فصلى خارجة بالناس فوثب عليه يزيد يظنه عمرا فقتله وأخذ يزيد وأدخل على عمرو بن العاص فقال يزيد‏،‏ أما والله ما أردت غيرك فقال عمرو‏ بن العاص ولكن الله أراد خارجة فصار مثلا،‏ أردت عمرا وأراد الله خارجة‏،‏ وأقام عمرو بعد ذلك مدة طويله حتى مات بها، وقيل‏ إنه لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له ابنه عبد الله‏‏ أتبكي جزعا من الموت فقال‏‏ لا والله ولكن مما بعده وجعل ابنه يذكره بصحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتوحه الشام فقال عمرو‏‏ تركت أفضل من ذلك‏‏ شهادة أن لا إله إلا الله إني كنت على ثلاثة أطباق ليس منها طبقة إلا عرفت نفسي فيها‏ كنت أول شيء كافرا وكنت أشد الناس على رسول صلى الله عليه وسلم.

فلو مت حينئذ لوجبت لي النار فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنت أشد الناس منه حياء ما ملأت عيني منه فلو مت حينئذ لقال الناس‏ هنيئا لعمرو أسلم على خير ومات على خير، أحواله ثم تلبست بعد ذلك بأشياء فلا أدري أعلي أم لي فإذا أنا مت فلا يبكى علي ولا تتبعوني نارا وشدوا علي إزاري فإني مخاصم فإذا أوليتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها أستأنس بكم حتى أعلم ما أراجع به رسل ربي‏،‏ وفي رواية‏ أخى قيل‏ أنه بعدها حول وجهه إلى الجدار وهو يقول‏‏ اللهم أمرتنا فعصينا ونهيتنا فما انتهينا ولا يسعنا إلا عفوك‏، وفي رواية‏ أخرى أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال‏ اللهم لا قوي فأنتصر ولا بريء فأعتذر ولا مستكبر بل مستغفر لا إله إلا أنت فلم يزل يرددها حتى مات رضي الله عنه‏، وعن عبد الله بن عمرو أن أباه قال‏‏ اللهم أمرت بأمور ونهيت عن أمور فتركنا كثيرا مما أمرت ووقعنا في كثير مما نهيت‏، اللهم لا إله إلا أنت‏، ثم أخذ بإبهامه فلم يزل يهلل حتى توفي‏، وقال الشافعي رضي الله عنه دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال‏‏ كيف أصبحت قال‏ أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلا وأفسدت من ديني كثيرا‏.

فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت‏، ولو كان ينفعني أن أطلب لطلبت ولو كان ينجيني أن أهرب لهربت‏، فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي فقال‏ هيهات يا أبا عبد الله‏، فقال‏ اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك فخذ مني حتى ترضى‏،‏ وكانت وفاة عمرو المذكور في ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين فصلى عليه ابنه ودفنه ثم صلى بالناس صلاة العيد‏، وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه من أدهى العرب وأحسنهم رأيا وتدبيرا، وقيل‏ إنه اجتمع مع معاوية بن أبي سفيان مرة فقال له معاوية‏‏ من الناس؟ فقال‏‏ أنا وأنت والمغيرة بن شعبة وزياد، قال معاوية‏‏ كيف ذلك قال عمرو‏‏ أما أنت فللتأني وأما أنا فللبديهة وأما المغيرة فللمعضلات وأما زياد فللصغير والكبير فقال معاوية‏ أما ذانك فقد غابا فهات بديهتك يا عمرو قال‏‏ وتريد ذلك قال نعم، قال‏‏ فأخرج من عندك فأخرجهم معاوية فقال عمرو‏‏ يا أمير المؤمنين أسارك فأدنى معاوية رأسه منه فقال عمرو‏ هذا من ذاك من معنا في البيت حتى أسارك‏،‏ ولما مات عمرو ولي مصر عتبة بن أبي سفيان من قبل أخيه معاوية‏ بن أبى سفيان،‏ وأما عن مالك بن الحارث النخعي المشهور بالأشتر فكان كوفي من مقاتلي العرب الأشداء.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *