Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

هو المؤرخ تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي الشافعي الأثري، وهو من أعلام التاريخ، وقد سار شوطا بعيدا في حدود الفكر والعقل، وبحث في أصول البشر وأصول الديانات، وكانت له دراية بمذاهب أهل الكتاب، وكان حسن الخلق، كريم العهد، كثير التواضع، عالي الهمة فيمن يقصده لنيل العلم والدراسة، محبا للذكر والمداومة على التهجد والأوراد وحسن الصلاة ومزيد الطمأنينة، ملازما لبيته، ويقول فيه الإمام الكبير ابن حجر العسقلاني: له النظم الفائق والنثر الرائق، وقال عنه أحد المؤرخين: إن المقريزي كان متبحرا في التاريخ على اختلاف أنواعه، ومؤلفاته تشهد له بذلك.

وقد تنوعت ما بين الكتب التاريخية الشاملة، وكتب البلدان والخطط، والكتب التي خصصها لدراسة دولة بعينها، والرسائل ذات الموضوع الواحد، وكتب التاريخ الإسلامي العام، ومن يتصفح مؤلفات الإمام المقريزي فإنه يستطيع الحكم بأنها تتسم بسمتين لا ثالث لهما: الأولى: سمة الموسوعية، والثانية: سمة التخصصية، ومنها: إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع ، منتخب التذكرة ، ضوء الساري في معرفة خبر تميم الداري ، الأخبار عن الإعذار والإشارة والكلام ببناء الكعبة بيت الحرام ، تاريخ الأقباط ، التنازع والتخاصم في ما بين بني أمية وبني هاشم ، تاريخ الحبش ، شذور العقود في ذكر النقود .

وتجريد التوحيد المفيد ، نحل عبر النحل ، مجمع الفرائد ومنبع الفوائد ، المقاصد السنية في معرفة الأجسام المعدنية ، الأوزان والأكيال الشرعية ، الخبر عن البشر وقد ذكر فيه القبائل لأجل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة وقد ذكر فيه من مات بعد مولده إلى يوم وفاته، الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام ، الطرفة الغريبة في أخبار حضرموت العجيبة ، مختصر الكامل لعبد الله بن عدي ، في معرفة ما يجب لآل البيت من الحق على من عداهم ، في ذكر من حج من الخلفاء والملوك.

والدرر المضية في تاريخ الدولة الإسلامية وهو تاريخ عام يختص بتاريخ الخلفاء حتى نهاية الدولة العباسية، وكان المقريزي يتمتع بشخصية مرموقة بين سائر المؤرخين الإسلاميين المصريين من حيث دقته في الرواية ونشاطه الواسع وعمله الدءوب وسعة دائرة أبحاثه ودراساته واهتمامه الفائق بالجانب الاجتماعي والإحصائيات السكانية التاريخية، ويمكن عده إلى حد ما مؤسسا لمدرسة تاريخية كان لها ازدهارها في مصر آنذاك وبزغت منها أسماء مشرقة كالعيني وابن حجر من معاصري المقريزي، وأبي المحاسن ابن تغري بردي، تلميذه ونده بعد ذلك، ثم السيوطي.

وابن إياس الذي شهد الفتح العثماني، وكان المقريزي ولعا بالتاريخ، واشتهر ذكره في حياته وبعد موته في التاريخ، حتى صار يضرب به المثل، قال ابن تغري بردي: وفى الجملة هو أعظم من رأيناه وأدركناه في علم التاريخ وضروبه، مع معرفتي لمن عاصره من علماء المؤرخين، والفرق بينهم ظاهر؛ وليس في التعصب فائدة، وكان أهم ما يميز المقريزي عن معاصريه، وعمن جاءوا بعده هو منهجه في عرض الأحداث التاريخية وقدرته التحليلية الرائعة: فقد وصف لنا الحوادث التي عاصرها بعبارة حية، وأسلوب بديع زاده جمالا إدراكه للعلاقة السببية بين الظواهر التاريخية.

فقد كانت ملاحظاته الذكية على الحياة اليومية في القاهرة زمن سلاطين المماليك، وموقفه المنحاز إلى الناس وهم صناع الحياة الحقيقيين، سابقة بعدة قرون على ما نسميه اليوم التاريخ الاجتماعي، وقيل فى الترجمه التي ترجم بها لزوجته، فقد كان فيها شيء كثير من المعاني الحسان، سواء في وفائه هو نحوها، أو في حسن أخلاقها وحسن تبعلها لزوجها ورعايتها لأولادها؛ حتى أخذت بلب زوجها مع صغر سنها، ولا شك أن للزوجة الأثر الكبير في حياة زوجها، وقد وردت ترجمة المقريزي لزوجته سفرى في كتابه درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة.

حيث قال: هى سفرى ابنة عمر بن عبد العزيز بن عبد الصمد، وُلِدت بالقاهرة في صفر سنة سبعين وسبعمئة، وعقدتُ نكاحها يوم الخميس خامس عَشري شوال سنة اثنتين وثمانين وسبع مئة، وبنيتُ عليها بعد ذلك، ووُلِد لي منها ابني أبو المحاسن محمد في يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وسبع مئة، ثم طلّقتها حادي عشر شهر رمضان من السنة المذكورة، فقدّر الله سبحانه مراجعتها والبناء عليها ثانيا في ليلة الأربعاء ثاني عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وسبع مئة، ثم وُلِد لي منها ابني أبو هاشم علي في يوم الأحد رابع عشري ذي الحجّة سنة تسع وثمانين وسبع مئة.

فلمّا كانت في شهر ربيع الأول سنة تسعين وسبع مئة مرِضت، فبتّ مُنَكد الخاطر، فاستيقظت وقد غلب على ظني أنها تموت من مرضها، فكان كذلك، وماتت عشية الأربعاء من السنة المذكورة رحمها الله، ولقد كان المقريزي مثالا متكررا للمثقف الموسوعي الذي أنجبت الحضارة العربية الإسلامية المئات من أمثاله، ولم يزل المقريزي ضابطا حافظا للوقائع والتاريخ إلى أن توفي يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان سنة ثمانى مائه وخمسه واربعين من الهجره، ودفن من الغد بمقبرة الصوفية البيبرسية خارج باب النصر من القاهرة، رحمه الله تعالى.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *