Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

هو بهاء الدين أو شهاب الدين، أبو الفتح محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي المحلى، وهو أديب مصري، وهو صاحب كتاب المستطرف في كل فن مستظرف، في الأدب والأخبار، ونسبته إلى قرية أبشيه أو أبْشواي من قرى محافظة الفيّوم بمصر، وقيل أنه قد أقام في المحلة ، ورحل إلى القاهرة غير مرة، واستمع إلى دروس جلال الدين البُلقيني، وقد درس الفقه والنحو وولي خطابة بلدته بعد أبيه، وقد اشتهر بتصنيف كتاب المستطرف، وغلبت الطرافة وضَعف اللغة على آثاره، وله غير المستطرف كتاب اسمه تذكرة العارفين وتبصرة المستبصرين، وكتاب أطواق الأزهار على صدور الأنهار.

وكما شرع في تأليف كتاب في صنعة الترسل والكتابة، وقد قال شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي في المستطرف في كل فن مستظرف، أنه حكي أن رجلا عبد الله سبعين سنة فبينما هو في معبده ذات ليلة إذ وقفت به امرأة جميلة فسألته أن يفتح لها وكانت ليلة شاتية فلم يلتفت إليها وأقبل على عبادته فولت المرأة فنظر إليها فأعجبته فملكت قلبه وسلبت لبه فترك العبادة وتبعها وقال إلى أين فقالت إلى حيث أريد فقال هيهات صار المراد مريدا والأحرار عبيدا ثم جذبها فأدخلها مكانه فأقامت عنده سبعة أيام فعند ذلك تذكر ما كان فيه من العبادة وكيف باع عبادة سبعين سنة بمعصية سبعة أيام .

فبكى حتى غشي عليه فلما أفاق قالت له يا هذا والله أنت ما عصيت الله مع غيري وأنا ما عصيت الله مع غيرك وإني أرى في وجهك أثر الصلاح فبالله عليك إذا صالحك مولاك فاذكرني، قال فخرج هائما على وجهه فآواه الليل إلى خربة فيها عشرة عميان وكان بالقرب منهم راهب يبعث إليهم في كل ليلة بعشرة أرغفة فجاء غلام الراهب على عادته بالخبز فمد ذلك الرجل العاصي يده فأخذ رغيفا فبقي منهم رجلا لم يأخذ شيئا فقال أين رغيفي فقال الغلام قد فرقت عليكم العشرة فقال أبيت طاويا فبكى الرجل العاصي وناول الرغيف لصاحبه وقال لنفسه أنا أحق أن أبيت طاويا لأنني عاص وهذا مطيع فنام واشتد به الجوع .

حتى أشرف على الهلاك، فأمر الله تعالى ملك الموت بقبض روحه فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة هذا رجل فر من ذنبه وجاء طائعا، وقالت ملائكة العذاب بل هو رجل عاص فأوحى الله تعالى إليهم أن زنوا عبادة السبعين سنة بمعصية السبع ليال فوزنوها فرجحت المعصية على عبادة السبعين سنة، فأوحى الله إليهم أن زنوا معصية السبع ليال بالرغيف الذي آثر به على نفسه فوزنوا ذلك فرجح الرغيف، فتوفته ملائكة الرحمة وقبل الله توبته، والله أعلم.

ولعل قارىء كتاب الأبشيهي الشهير، المستطرف في كل فن مستظرف، تفاجئه تلك الروح الموسوعية التي تغلب على المؤلف والتي تظهر بقوة ، حتى أن مجرد مطالعة عناوين فصول الكتاب تؤكد رغبة الأبشيهي في الإحاطة بمعارف عصره: الدينية والأدبية والعلمية، حتى وصف بعضهم الكتاب بدائرة معارف مصغرة لثقافة العرب، وفي كتاب الأبشيهي تتنقل بسلاسة وعذوبة مع حكاء ماهر ومثقف ملم بأدب المنتخبات كلها بين أربعة وثمانين باباً، يفتتحها بعدة أبواب دينية يتحدث فيها عن أركان الإسلام والعبادات وفضائل القرآن الكريم ويختتمها بباب يتناول فيه فضل الصلاة على النبي.

وبينهما مدونة ضخمة تمتلىء بحكايات ومعلومات عن الأخلاق وطرائق الحكم وأمثال العرب وتاريخهم وتراجم لأعلامهم وعاداتهم في الجاهلية والإسلام، وقصص عن الجن وعجائب المخلوقات وجغرافية الأرض وما تحتويه من معادن، وأنواع الحرف وطوائف المهن المختلفة، والصناعات المتنوعة، والطب وأصناف الأدوية، و الأطعمة المعروفة في عصره، ولا ينسى الشعر والحكم والحب وأشهر قصص العشاق، وحُلي النساء، وأخلاقهن، وما ينبغي أن يفكر فيه الرجل المقدم على الزواج.

والغناء وأبرز المطربين، والحيل والمكائد التي يمارسها السحرة والدجالون، وحتى الأسماء والكنى والألقاب وما استحسن منها يفرد لها بابا خاصا، وإن كتاب الأبشيهي بهذه الموضوعات التي تنتمي إلى فضاءات عدة ومختلفة، وغيرها الكثير يتحول من عمل أراد له صاحبه الإمتاع الأدبي أو على حد تعبيره، ما تشنف بذكره الأسماع إلى موسوعة يستفيد منها المؤرخ وعالم الاجتماع وحتى المفكر، ومن هنا نفهم شهرة الكتاب وإقدام مفكر بوزن هادي العلوي على مجاراة الأبشيهي.

وكتابة عمله الشهير، المستطرف الجديد، وينتمي كتاب الأبشيهي إلى نوعين من المؤلفات، فهو ينتظم في سلسلة المؤلفات الأدبية الكبرى، التي تحاول الإلمام بمعارف شتى بأسلوب أدبي جذاب، وإن كان أقل قيمة من من ناحية الأسلوب والمنهج من العقد الفريد على سبيل المثال، و ينتمي أيضاً إلى تلك المؤلفات الموسوعية التي انتشرت في العصر المملوكي وخاصة بعد اجتياح بغداد على أيدي التتار ورغبة الكثيرين في حفظ التراث العربي من الضياع عبر القيام بما يشبه بتدوين كل المعارف المتواجدة وحفظها من جديد للأجيال المقبلة.

ولكن ميزة كتاب الأبشيهي عن غيره من تلك الكتب المكرسة والمعترف بها من النقاد، دخول الثقافة الشعبية ضمن أولويات المؤلف وهو يجمع ماده كتابه، فكتب ابن عبد ربه والجاحظ والتوحيدي وغيرهم تتوجه إلى النخبة، من خلال طرائق التعبير والمنهجية شبه الصارمة والقضايا المطروحة للنقاش، بخلاف الأبشيهي الذي يسرد المعرفة بروح الحكّاء، ويضمن موضوعاته الكثير من الصور والالتقاطات والقصص التي تتعلق بالبسطاء وتهمهم في حياتهم اليومية، لقد كانت تحدو مؤلفنا الرغبة في نشر المعرفة بين أوسع نطاق ممكن من المتلقين.

وبعد البداية الدينية يتحدث الأبشيهي عن فضل العلم والأدب وفضل العقل، يمدح العقل ويذم الحمق، وهو يذكرك بالجاحظ عندما يقول والسكوت عن الأحمق جوابه، ونظر بعض الحكماء إلى أحمق على حجر فقال: حجر على حجر، ثم يعرج على الآداب والحكم وهنا يتجول بين القرآن الكريم والحديث الشريف والأشعار وأقوال فلاسفة الإغريق وغيرهم، وبعد ذلك ينتقل إلى الأمثال، وفي هذا الباب يظهر النزعة الموسوعية حيث يقسمه إلى فصول: أمثال القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، في أمثال العرب.

وفي أمثال العامة والمولدين، في الأمثال من الشعر مرتبة على حروف المعجم، وفي الأمثال السائرة بين الرجال والنساء مرتبة على حروف المعجم، فكأنك أمام كتاب مستقل في الأمثال، وهو كتاب لا يميز بين الأمثال التي تمتلئ بها الكتب المعروفة في هذا المجال وموجهة إلى المثقفين والأمثال الشعبية المكتوبة باللغة العامية، يقول مثلا: فرحت حزينة خربت مدينة، وماشطة وتمشط بنتها، وغيرك يقوم مقامك عليش قلبي أعذبه، ويخصص باباً كاملاً في ذكر سرقات الشعراء وسقطاتهم، وبابا آخر للفصاحة والبلاغة.

وبابا ثالثا للأجوبة المفحمة للخصم، ويسرد فيه حكايات ونوادر من هنا وهناك تدل على قوة بعضهم في استخدام الحجج والقدرة على الجدل، وقيل أنه قد ولد محمد بن أحمد بن منصور في عام سبعمائه وتسعين من الهجره في قريه أبشويه، إحدى قرى محافظة الغربية في مصر، فنسب إليها، والمعلومات عن حياته ضئيلة جداً، منها مثلاً حفظه للقرآن الكريم كاملاً وهو ابن عشر سنين، وتوليه الخطابة بعد رحيل والده في أحد مساجد مدينة المحلة الكبرى، ووفاته في عام ثمانى مائه وخمسين من الهجره.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *