Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نكمل الجزء الثالث ومع نبى الله شيث بن آدم عليهما السلام، وقد قيل أن موقع قبر نبى الله شيث في بلدة النبي شيث في جبال وادي البقاع في لبنان، حيث يوجد مسجد باسمه وصفه الجغرافي ابن جبير في القرن الثاني عشر، وفي روايات أخرى من جغرافيي القرون الوسطى العرب الذين عاشوا منذ القرن الثالث عشر فيها يصفون وجود قبر النبي شيث في بلدة بشيت جنوب غرب بلدة الرملة، والنبي شيث قيل أنه وُلد بعد وفاة هابيل، فسماه آدم بهذا الاسم، فلما قتل قابيل هابيل حسدا واستكبارا، وفرّ مع زوجته من الجبال، حيث كان يسكن آدم وأبناؤه، إلى السهول، اصطفى الله تعالى من بني آدم شيثاً عليه السلام، فكان يعين أباه في أمر الدعوة والنصح والإرشاد، لا سيما مع ازدياد البشرية.

وتناسل وتكاثر بني آدم، وكما ذكر في قصته، فإن آدم عليه السلام، عاش قرابة الألف سنة، فرأى من بنيه وبني بنيه الكثير، وحين حضرت الوفاة لأبو البشر آدم عليه السلام، عهد لولده شيث بأمر بنيه، وأوصاه على أمورهم والقيام بشؤونهم، فتولى شيث عليه السلام أمر المسلمين، وعندما توفيت أمه حواء بعد وفاة زوجها بسنة، تكفل بأعمال دفنها بالطريقة التي علمتهم إياها الملائكة عندما دفنت أباه، ثم أخذ يشرِّع للبشرية أمور الدين، ويبين لهم الحلال والحرام، وقيل أن الله سبحانه وتعالى أنزل عليه خمسين صحيفة، وصار الناس يمتثلون إلى شريعته وشريعة أبيه عليهما السلام، ومما شرع لهم تحريم الاختلاط بقوم قابيل، لما كان من فساد أمرهم، وسوء أخلاقهم، والتزموا بأمره بعدم التوجه إلى السهول والاختلاط بقوم قابيل.

وكان ذلك امتثالا لهذا التشريع الرباني من نبي الله شيث، الذي بقي الناس ممتثلين له، حتى توفاه الله تعالى، فعُهد أمر الناس بعده إلى ابنه أنوش، ولم يبعث الله تعالى نبيا بعده مباشرة، بل بقي الناس دون نبي، متبعين ما شرع لهم هذا النبي الكريم، وأبوه آدم عليهما السلام، ومع غياب الأنبياء بعد وفاة أنوش، أراد الشيطان أن يوقع المعاصي في بني آدم، ويستميلهم ليعصوا الله تعالى، ويطيعوا هوى أنفسهم، ليكون ذلك بداية العصيان في الأرض، والخروج عن أمر الله تعالى، فذهب إلى قوم قابيل في السهول لِما يُعرف عنهم من ميل للباطل، وبعد عن القوم الصالحين، فتشكل لهم بهيئة غلام، وعمل أجيرا، لدى رجل منهم، وبعدها بزمن أخذ يبتكر لهم الأمور الغريبة، وأشكال اللباس المتنوعة، فكان هو من يبتكر لهم موضة الملابس.

ثم جعل لهم عيدا يجتمعون فيه، فتتبرج النساء للرجال، وصنع لهم مزمارا، كمزامير الرعاة، وأخذ يزمر فيه بصوت جميل لم يُسمع مثله من قبل، وفي تلك الأثناء أخذ الصوت ينتقل في الهواء، حتى اقترب من الجبال، فسمعه بعض قوم آدم من ضعيفي النفس، ولفتت غرابته انتباههم، فأخذوا يقتربون من ديار قوم قابيل، ويراقبونهم من بعيد، ويستمعون إلى مزاميرهم، لكنهم انتهوا عن عصيان ما في شريعة شيث عليه السلام، واكتفوا بالاستماع والمشاهدة من بعيد، وفي إحدى المرات تجرأ رجل من قوم شيث عليه السلام، ودخل بين قوم قابيل في عيدهم، فتعجب من حسن نسائهم، وطريقة تبرجهن، حيث كانت نساء السهول من قوم قابيل صَباح الوجوه، وفي رجالهم دمامة، فيما كان رجال الجبال من قوم آدم صباح الوجوه وفي نسائهم دمامة.

ثم رجع ذلك الرجل إلى رفاقه، وأخبرهم بما رأى من حسن وجمال وتبرج، حتى أغراهم بما قال ووصف، فعصوا شيثاً عليه السلام، ودخلوا في عيدهم، واختلطوا بنسائهم، وافتتنوا بحسنهن، وافتتنت النساء بحسنهم، فتحلقوا حولهم، وحدث اللقاء بينهم، ليكون ذلك أول زنا يقع في تاريخ البشرية، وبعد تلك الحادثة تسامع ضعفاء الإيمان من قوم شيث ما حدث، فهفت نفوسهم إلى المعاصي والافتتان بالنساء، وأخذوا يهاجرون من الجبال إلى السهول، حتى بدأ يقل عدد أصحاب شيث عليه السلام مقابل زيادة عدد قوم قابيل، ودب الفساد والفسق والفواحش في قوم قابيل ومن هاجر إليهم، وامتد فحشهم إلى خارج قراهم، فأخذوا يهجمون على المؤمنين فيؤذونهم ويقتلون منهم، وبعد هذا الفساد والكفر في قوم قابيل.

والفتنة التي أصابت قوم شيث، أرسل الله تعالى نبيه إدريس عليه السلام، وكان اسمه أخنوخ، لكنه سمي إدريس لكثرة عبادته ودراسته لكتاب الله تعالى، وهو إدريس بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم، وقد ولد عليه السلام في حياة آدم، وعاش معه مائة وعشرون سنة، وتلك حكمة الله وقدرته بأن كانت أعمارهم طويلة، فيعاصر الأب من نسله الخلق الكثير، واقتراباً من مناقب إدريس عليه السلام، فقد كان عابدا، كثير التأمل في خلق الله سبحانه وتعالى، وكان طويل البنية، وكثيف اللحية، وكثير النظر إلى الأرض في مشيته، وفي عينيه مسحة حزن، إذا غضب احتد، وإذا تكلم حرك سبابته، وكان من أكمل شريعة شيث عليه السلام، وقد أرسل الله تعالى إدريس عليه السلام ليقضي على الشر والفساد الذي خلفه قوم قابيل في الأرض.

فكان أول من شرع القتال في سبيل الله تعالى، وأول من سبى، حيث جهز الجيوش، وهجم على قوم قابيل بالخيول والمشاة فهزمهم وقتل وسبى منهم، فكان سبباً في تقليل شرهم على الدنيا، وكما كان له عليه السلام، فضل على البشرية، لأنه أول من خط بالقلم، وكتب، وعلم الناس الكتابة، وقد أكرمه الله تعالى بأن رفع قدره في الدنيا والآخرة، فقال تعالى ( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبيا، ورفعناه مكانا عليا ) فمن الأمور التي أعلى الله قدره بها، أن جعله في السماء الرابعة، وقد التقاه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في رحلة الإسراء والمعراج فيها، وذكر أن الله تعالى أكرمه في الدنيا بأن جعل له من الأجر في كل يوم بمقدار أجر البشرية جمعاء ممن كان في عصره، ومن الإسرائيليات.

أنه جاء في الكتب عن تفسير الآية الكريمة التي ذكرت إدريس عليه السلام، قصة ذكرت في الإسرائيليات التي أمرنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن لا نصدقها ولا نكذبها، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يستأنسون بما لم يأت به قرآن ولم تبينه السنة، فروي أن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سأل كعب الأحبار عن قوله تعالى ( ورفعناه مكاناً علياً ) وكونه مطلعاً على علم أهل الكتاب مما عند بني إسرائيل، فذكر أن الله تعالى أكرم إدريس عليه السلام، بأن له من الأجر كل يوم بقدر عمل بني آدم في ذلك الزمان، ولكي يزيد إدريس في الأجر، أراد أن يؤخر عمره شيئاً من الزمن، وكان له مَلك خليل له وذكر له ما يريد، فحمله على جناحه وصعد به إلى السماء ليلتقي بملك الموت ويكلمه في ذلك.

فالتقى المَلَك بملك الموت في السماء الرابعة وسلم عليه، وأخبره بما يريد إدريس منه، فقال له: وأين هو؟ فقال الملك: هو ذا على ظهري، فتعجب ملك الموت، وقال: سبحان الله، إن الله تعالى أمرني أن أقبض روح إدريس في السماء الرابعة، وكنت في حيرة من أمري، إذ كيف سأقبض روحه في السماء الرابعة وهو على الأرض، فقبض إدريس عليه السلام، مصداقاً لقول الله تعالى ( ورفعناه مكاناً عليا ) والقصة نسيج لحدث يحكي عبرة، ويوصل فكرة وقد حث القرآن الكريم عليه، ولقد قص علينا القرآن الكريم حكاية أمم غابرة يذكرنا بحالهم ومآلهم فذكرنا بأحوال قرى آمنت وأخرى عتت عن أمرربها، وأردف القرآن بقصص للأنبياء لا غنى للذاكرة عنها فذكرها وأعرض عن أخرى وقصص الأنبياء في القرآن عبر وحكم يستنير بها الضال ويسترشد بها فشأن القصة تثبيت الأفئدة وعظة من حكم الزمان

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *