Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

عندما نتكلم عن حياة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في المرحلة المكية فى بلده مكه المكرمه والتى كانت موطنه ومسقط رأسه صلى الله عليه وسلم، قبل الهجرة، فكانت هي صفحة مؤلمة على النفس، وفيها قد تعرّض النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لأشد أنواع الإيذاء على يد سفهاء قومه من المشركين الذين ناصبوه العداء، فحاربوه ووقفوا في طريق دعوته، وقد تعددت وسائل محاربتهم للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ولدعوته، فمنها الحرب النفسية والدعائية والإعلامية، ومنها الحرب المادية والإيذاء الجسدي، وكذلك استخدم المشركون السخرية والاستهزاء بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك كي يثنوه عن دعوته، فقد اتهموه بالجنون تارة، وبالسحر تارة، وبالكذب أخرى، وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الاتهامات الباطلة.

وكان لهذا الاستهزاء وتلك السخرية أثر في نفس النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، وهو الأمين، وهو المشهود له برجاحة العقل، وقد كان من وسائلهم في تلك الحرب المعنوية إثارة الشبهات والدعايات الكاذبة والباطلة، ولقد تعرض النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، للإيذاء الجسدي على يد السفهاء من الكفار والمشركين وهو صابر محتسب، وكان من أجلنا ومن أجل إيصال الدين إلينا فقد تحمّل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أشد أنواع الإيذاء، وكان من الذين آذوا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو عقبة بن أبي معيط ، وهو من كبار مشركي قريش وكان يضع سلا الجزور وهى الأوساخ التي تخرج مع الجمل الصغير أثناء الولادة، بطريق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وحاول مرة خنقه وقتله بيده.

وعقبه بن معيط، هو عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وقد كان عقبة بن أبي معيط من وجهاء قريش وكان خليلا لأمية بن خلف الجمحي، وأمية بن خلف هو أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الجمحي المكي، وهو أحد رؤوس قريش وكبارهم، وقد قُتل في غزوة بدر في العام الثاني الهجري على يد الصحابي بلال بن رباح، وكان أمية بن خلف من سادات قريش، وقد حارب دعوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في بدايتها، وصد عنها ووقف في وجه كل من يتبعها خاصة الفقراء والمستضعفين.

وكان من بين هؤلاء المستضعفين الصحابي بلال بن رباح، الذي دخل في الإسلام خفية بدون علم أمية بن خلف، وفي يوم جاء رجل مشرك إلى أمية بن خلف وهو في مجلس لقريش وناداه قائلا: أو ما بلغك الخبر، لقد شهدت عبدك بلالًا يختلي مع محمد وصحبه، فقام أميه من مجلسه ودخل داره منتظراً رجوع بلال، ولما قربت الشمس على الغروب، دخل بلال على أمية فقال: ما هذا الذي بلغني عنك أيها العبد الحبشي، أحقاً أنك اتبعت دين محمد، فأجاب بلال: أما وأنه بلغك أمري وعلمت بإسلامي فإني لا أخفي عليك أني آمنت بالله ورسوله وأنا من جنوده، فأجابه أمية: لست أيها العبد إلا مملوك، لا تملك من أمرك شيئًا، وأقسم أن يذيق بلالا صنوف العذاب ليرغمه على الرجوع إلى الكفر والشرك كما كان، فأعد الحبال وشد بها أقدام بلال وقيدت يداه إلى الخلف، وجر على الأرض وسط الصحراء.

وكان يترك بلال في الصحراء من الظهيرة إلى غروب الشمس، ويأتيه قائلا: ما رأيك الآن يا بلال، أذقت العذاب، وهل آن لك أن ترجع إلى عبادة اللات والعزى، وكان بلال يقول: أحد أحد، وأبى أن يعود إلى الشرك، وقد مضت الأيام وبلال يُعذب، حتى مر أبو بكر الصديق يومًا فآلمه ما رأى من عذاب بلال، فقال لأمية: متى تترك هذا المسكين، فقال أمية: إنه عبدي وملكي، وإذا كنت مشفقًا عليه فاشتره، فاشتراه أبو بكر الصديق، واعتقه، وأما عن عقبه بن معيط فكان عقبة بن معيط، يجالس النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بمكة لا يؤذيه، وكان رجلاً حليماً، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان قد صنع وليمة فدعا إليها قريشا، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأتيه إلا أن يسلم، وكره عقبة أن يتأخر عن طعامه من أشراف قريش أحد فأسلم ونطق بالشهادتين.

فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل من طعامه وكان خليل أبي معيط أمية بن خلف غائبا عنه بالشام فقالت قريش: صبأ أبو معيط، ولما قدم خليله من الشام ليلاً، قال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالوا: صبأ، فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط، فحياه، فلم يرد عليه التحية، فقال: مالك لا تردّ عليّ تحيتي؟، فقال: كيف أرد عليك تحيتك، وقد صبوت؟ قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال: نعم، فقال عقبة: رأيت عظيما ألا يحضر طعامي رجل من أشراف قريش، فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا قال أبو معيط: فما يبريء صدرك إن أنا فعلته؟ فقال له خليله: لا أرضى حتى ترجع تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه، وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم وتبصق في وجهه وتطأ عنقه وتقول كيت وكيت، ففعل عدو الله ما أمره به خليله، طاعة لخليله وإرضاء له.

ولما بصق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع بصاقه في وجهه وشوى وجهه وشفتيه، حتى أثر في وجهه وأحرق خديه، فلم يزل أثر ذلك في وجهه حتى قتل، فنذر النبي صلى الله عليه وسلم، قتله، فلما كان يوم بدر، وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: أخرج معنا، قال: وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحمل به جمله في جدود من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيراً في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط، فقال: أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال: ” نعم بما بزقت في وجهي “، فأنزل الله في أبي معيط: ( ويوم يعض الظالم على يديه،يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا ) من سوره الفرقان.

فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا، وهى غزوة بدر، وهي غزوة وقعت في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة، بين المسلمين بقيادة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي، وتعد غزوة بدر هى أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر هى بئر مشهورة تقع بين مكة والمدينة المنورة، وأما عن أميه بن خلف، فقد قتل أمية في المعركة أيضا فكان هذا من دلائل نبوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر عنهما بهذا فقتلا على الكفر، وقيل أن الذي قتله هو الصحابي عاصم بن ثابت لما فعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال الرسول ما كان يفعله عقبة ابن أبي معيط معه.

وأما عن عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح، فهو صحابي من الأنصار، وهو من بني ضبيعة بن زيد من الأوس، وقد بايع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بيعة العقبة، وشهد معه غزوتي بدر وأحد، وقُتل يوم الرجيع، وقد كان عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بن عصمة من السابقين من الأنصار إلى الإسلام، وهو من بني ضبيعة بن زيد من الأوس، وأمه هي الشموس بنت أبي عامر بن صيفي ضبيعة، ولما هاجرالكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى يثرب، آخى بينه وبين عبد الله بن جحش، وقد شهد عاصم مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، غزوتي بدر وأحد، وكان ممن ثبتوا معه يوم أحد، وقد عُرف عنه مهارته في الرماية، وشجاعته، فقد رُوي أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، سأل من معه ليلة العقبة أو ليلة بدر، فقال: ” كيف تقاتلون؟ ”

فقام عاصم بن ثابت فأخذ القوس والنبل، وقال: ” إذا كان القوم قريبًا من مائتي ذراع كان الرّمي، وإذا دنوا حتى تنالهم الرّماح كانت المداعسة حتى تقصف، فإذا تقصّفت وضعناها وأخذنا بالسيوف وكانت المجالدة “، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ” هكذا نزلت الحرب، من قاتل فليقاتل كما يقاتل عاصم ” وقد أبلى عاصم يوم أحد بلاء حسنًا، وقتل يومها من أصحاب اللواء من بني عبد الدار بن قصي الحارث ومسافع ابني طلحة بن أبي طلحة، فنذرت أمهما أن تشرب الخمر في رأس عاصم، وجعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة، فقدم ناس من بني لحيان من هذيل على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فسألوه أن يوجه معهم نفرًا يقرئونهم القرآن ويعلمونهم شرائع الإسلام، فوجه في صفر سنة أربعه من الهجره، معهم سرية مرثد بن أبي مرثد وفيهم عاصم.

فلما قدموا بلادهم اجتمع عليهم نحو مائة من بطون رعل وذكوان ولحيان، فقالوا لهم: ” استأسروا فإنا لا نريد قتلكم، وإنما نريد أن ندخلكم مكة فنصيب بكم ثمنًا، فأبى عاصم إلا القتال، فرماهم حتى فنيت نباله، ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه، فقاتلهم بالسيف، وقال: ” اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره “، فجرح منهم رجلين وقتل واحدًا، ثم قتلوه، فأرادوا أن يحتزوا رأسه، فإذا بالدبر تحميه، ثم أمطرت السماء في الليل مطرًا كثيفًا حمله، فلم يصلوا إليه، وقد توفي عاصم وله من الولد محمد وأمه هى السيده هند بنت مالك بن عامر من بني جحجبا بن كلفة، وهكذا كانت الدعوة الإسلامية في بداية أمرها تتخذ مجرى السرية، فقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم، بأمر من الله بتبليغ الرسالة للأقربين سرا، دون علم المشركين، وكان مقر الدعوة التي استمرت بشكل سري مدة ثلاث سنين في مكة المكرمة، إلى أن جاء الأمر من الله تعالى، بالجهر بتبليغ الرسالة.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *