Share Button

بقلم / محمـــد الدكــــــرورى

إن الخلاف بين الناس هو أمر طبيعي، ولا يسلم منه أحد من البشر، وكان خيرة البشر حصل بينهم الخلاف فكيف بغيرهم، فقد يكون بينك وبين أخيك الخلاف، أوبينك وابن عمك، أو أحد أقاربك، أو زوجك، أو صديقك شي من الخلاف فهذا أمر طبيعي فلا تنزعج له، فقد قال الله تعالى ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) وإن الشريعة قد رغّبت في جمع القلوب، والإصلاح بين الناس، وأن يكون أمر المسلمين مجتمعا، ولذلك جعلت الأخوة أمرا مرغوبا فيه، مثابا عليه لمن قام بحقه، وكذلك دعت إلى رفع ضده، ومقاومة كل ما يشينه، ولذلك ترى الشريعة قد أمرت بإفشاء السلام، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، وكل ما من شأنه أن يقرب بين المسلمين، ونهت عن الكذب، وعن النميمة، وعن الغيبة، وعن الهمز واللمز.

وأيضا نهت عن السخرية بين الناس، وعن كل ما من شأنه أن يسيء العلاقة، ويقطع المودة بين المسلمين، ومن الإجراءات التي جاءت الشريعة بها لأجل الحفاظ على العلاقات بين المسلمين إصلاح ذات البين، وإن ديننا الإسلام دين عظيم، فهو يتشوّف إلى الصلح، ويسعى له، وينادي إليه، ويحبّب لعباده درجته، فأخبر سبحانه وتعالى أن الصلح خير فقال تعالى ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما والصلح خير) وإصلاح ذات البين، من الأمور العظيمة، والعبادات الجليلة التي تركها كثير من الناس، ورغبوا عنها، ونحن في مجتمعٍ مادي تغلب عليه المادة، وتكثر فيه المعاصي، ولذلك فإن الخلافات لابد أن تكثر تبعا لذلك، والدعاة إلى الله، بل وجميع المسلمين، عليهم واجب إصلاح ذات البين، ومحاولة إزالة ما في النفوس.

وهذا من العبادات العظيمة ولا شك، وقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه ” من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة ” وقال الأوزاعي : ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة من إصلاح ذات البين ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار، وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا أخبركم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين” فالإصلاح بين الناس وظيفة المرسلين ولا يقوم بها إلا أولئك الذين أطاعوا ربهم، وشرفت نفوسهم وصفت أرواحهم يقومون به، لأنهم يحبون الخير والهدوء ويكرهون الشر حتى عند غيرهم من الناس.

ويمقتون الخلاف حتى عند غيرهم، ويجدون في إحباط كيد الخائنين، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلح بنفسه بين المتخاصمين، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن أهل قباءٍ اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك، فقال: ” اذهبوا بنا نصلح بينهم” رواه البخاري، وإن الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة، يحبها الله سبحانه وتعالى، فالمصلح هو ذلك الذي يبذل جهده وماله ويبذل جاهه ليصلح بين المتخاصمين، وقلبه من أحسن الناس قلوبا، ونفسه تحب الخير، وتشتاق إليه، وهو يبذل ماله، ويضيع من وقته الثمين ويقع في حرج مع هذا ومع الآخر، ويحمل هموم إخوانه ليصلح بينهما، فكم بيت كاد أن يتهدّم، بسبب خلاف سهل بين الزوج وزوجه، وكاد الطلاق.

فإذا بهذا المصلح بكلمة طيبة، ونصيحة غالية، ومال مبذول، يعيد المياه إلى مجاريها، ويصلح بينهما، وكم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين، أو صديقين، أو قريبين، وكان ذلك بسبب زلة أو هفوة، وإذا بهذا المصلح يرقّع خرق الفتنة ويصلح بينهما، وكم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال، وفتن شيطانية، كادت أن تشتعل لولا فضل الله عز وجل، ثم المصلحين، ويجب علينا أن نعلم أن الإصلاح بين الناس موضوع له خطره وأثره، فالقائم بالإصلاح بين الناس يتعرض كثيرا للاتهام من الطرفين، لأنه يمثل الحقيقة في وضوحها، ولا يمكن أن يحيد، وقد يحدث أن كلا الطرفين أو أحدهما لا يرضى بالحقيقة، فلا بد له من الصبر الواسع على هذا الأمر العظيم، وله أجر عند ربه سبحانه وتعالى.

فإن إصلاح ذات البين يُذهب وغر الصدور ويجمع الشمل ويضم الجماعة ويزيل الفرقة، والإصلاح بين الناس في دين الله مبعث الأمن والاستقرار، ومنبع الألفة والمحبة، ومصدر الهدوء والطمأنينة، إنه آية الاتحاد والتكاتف، ودليل الأخوة وبرهان الإيمان، وإن فوائد الصلح كثيرة، فإنه يثمر إحلال الألفة مكان الفرقة، واستئصال داء النزاع قبل أن يستفحل، وحقن الدماء التي تراق، وتوفير الأموال التي تنفق للمحامين بالحق وبالباطل، والحماية من شهادة الزور، وتجنب المشاجرات والاعتداءات على الحقوق والنفوس، بل إن الشريعة جعلت للمصلح حقا من الزكاة، أو من بيت المال، لأداء ما تحمله من الديون بسبب الإصلاح، وإن كان قادرا على أدائها من ماله، فقال الله تعالى: ( والغارمين ) وهم من تحملوا ديات.

وكانت لأجل الإصلاح بين الناس، وكف بعضهم عن قتل بعض، وإن إصلاح ذات البين والإصلاح بين المتخاصمين هذه عبادة عظيمة جدا فرط فيها الكثير، ولذلك عمت الفرقة والشتات في كثير من طبقات المجتمع ونواحيه، وتفككت كثير من الأسر، وإن من أعظم أنواع الصلح بين الناس، هو الصلح بين المسلمين المتقاتلين، لأن إراقة الدماء بين المسلمين من أعظم الكبائر، ومما يفرق الصفوف أشد تفريق، وإن من أعظم أنواع الصلح بن الناس أيضا، هو الصلح بين الزوجين المتخاصمين، فإن الأسر تقوم على المحبة والألفة، وتدوم بدوامها، فإذا انتهت المحبة والألفة، وحل الشقاق، صار الفراق، ولابد للمصلحين من القيام بواجبهم تجاه الأسر المتفككة، والسعي في الإصلاح بين الأزواج.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة ” أي درجة الصيام النافلة وصدقة نافلة والصلاة النافلة ” فقال أبو الدرداء : قلنا بلى يا رسول الله، قال : إصلاح ذات البين ” فلما كان نفع إصلاح ذات البين متعديا، وخيره عميما، وفائدته شاملة، صار أجره عظيما، وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في فضله ” كل سلامى من الناس عليه صدقة، وكل مفصل من مفاصل الإنسان من هذه العظام عليه حق واجب، يجب على العبد أن يؤديه لربه، لأنها نعمة ” فكل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، فيعدل بين الناس صدقة، فإذا أصلح ، بينهما وعدل بينهما، أتى بصدقة من هذه الصدقات، وأدى بعض ما عليه من الحق.

وقد يقول قائل منا : أريد أن أذهب إلى فلان لأصالحه، ولكني أخشى أن يردني أو لا يستقبلني أو لا يعرف قدر مجيئي إليه، وأقول لك تذكر أن نبيك الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يخبرك ويقول : ” اذهب إليه ولو طردك، ولو تكلم عليك، اذهب إليه المرة الأولى، والثانية، والثالثة، وسارع إليه بالهدية، وابتسم في وجهه، وتلطّف معه” ويقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم:” ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ” وهذا الحديث رواه البخارى ومسلم ، فأنت إذا عفوت زادك لله عزا، وإذا أصلحت زادك الله عزا، وإن طردك ولم يفتح لك الباب ورجعت، فإن هذه أمنية يتمناها سلف الأمة، لأنها دليل على طهارة القلب وزكاته، فقال الله تعالى:(وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) فتنبّه أيها المؤمن لذلك.

ولا تجعل للشيطان مدخلا إليك، وجرب الصلح هذا اليوم، اتصل بمن بينك وبينه خصومة، وتلطّف معه، لعل هذا الاتصال أن يكون سببا بعد رحمة الله لمغفرة ذنوبك: (أَلَا تُحِبُّون أَن يَغْفرَ الله لَكُم وَالله غَفُور رَحِيم) وبالصلح تُستجلب المودات وتعمر البيوتات، ويبث الأمن في الجنبات، ومن ثَم يتفرغ الرجال للأعمال الصالحة، يتفرغون للبناء والإعمار بدلا من إفناء الشهور والسنوات في المنازعات، والكيد في الخصومات، وإراقة الدماء وتبديد الأموال، وإزعاج الأهلِ والسلطات، وقد أمر الله تعالى بإصلاح ذات البين وجعله عنوان الإيمان، فقال تعالى فى مطلع سورة الأنفال: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُم مُؤْمِنِين).

وإن من فقه الإصلاح، هو صلاح النية، وابتغاء مرضاة الله، وتجنب الأهواء الشخصية والمنافع الدنيوية، فإذا تحقق الإخلاص حلَ التوفيق، وجرى التوافق، وأُنزل الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، أما من قصد بإصلاحه الترؤس والرياء وارتفاع الذِكر والاستعلاء فبعيد أن ينال ثواب الآخرة، وحري ألا يحالف التوفيق مسعاه، وليعلم المصلح أن الشر لا يطفأ بالشر، كما أن النار لا تطفأ بالنار، ولكنه بالخير يُطفأ، فلا تسكن الإساءة إلا بالإحسان، ولهذا فقد يحتاج المتنازعان إلى أن يتنازلا عن بعض الحق فيما بينهما، فاللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد والغش، واللهم أصلح بيننا وبين أقاربنا، واللهم أصلح بيننا وبين أحبابنا، واللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر برحمتك يا أرحم الراحمين.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *