Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع الخليفه الراشد عمر بن عبد العزيزوكان قيل عن عمر بن عبد العزيز، أنه ألغى مرسوم معاوية بلعن علي بن أبي طالب في صلاة الجمعة، ولكن قد أنكر أهل السنة هذا المرسوم من أساسه، وقيل أنه لا يصح ذلك، ولكن قال اليعقوبي عن عمر: وترك لعن علي بن أبي طالب على المنبر، وكتب بذلك إلى الآفاق، وقد أعطى بني هاشم الخمس، ورد فدكاً وكان معاوية أقطعها مروان فوهبها لابنه عبد العزيز فورثها عمر منه فردها على ولد فاطمة، فلم تزل في أيديهم حتى ولي يزيد بن عبد الملك فقبضها، وأما عن نظرة النصارى لعمر بن عبد العزيز، فيُذكر أن عمر بن عبد العزيز قد مَنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم.

فقد كتب إلى بعض عماله: أما بعد، فإنه بلغني أن في عملك كاتبا نصرانيا يتصرف في مصالح الإسلام، والله تعالى يقول: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين أتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء وأتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) فإذا أتاك كتابي هذا فادع حسان بن زيد، وهو يعني ذلك الكاتب، إلى الإسلام، فإن أسلم فهو منا ونحن منه، وإن أبى فلا تستعن به ولا تتخذ أحدا على غير دين الإسلام في شيء من مصالح المسلمين، فأسلم حسان وحسن إسلامه، وكما أسقط عمر بن عبد العزيز، الجزية عن أهل الذمة الذين دخلوا الإسلام، وكان الخلفاء الأمويون من قبله يجبرونهم على دفعها، فقد كتب عمر إلى حيان عامله على مصر باعتماد ذلك.

فكتب إليه حيان: أما بعد يا أمير المؤمنين، فإنه إن دام هذا الأمر أي إسقاط الجزية عن المسلمين، في مصر أسلمت الذمة، وبطل ما يؤخذ منهم، فأرسل إليه رسولاً وقال له: اضرب حيان على رأسه ثلاثين سوطاً أدباً على قوله، وقل له: من دخل في دين الإسلام فضع عنه الجزية، فوددت لو أسلموا كلهم، فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم، داعياً لا جابياً، ولذلك قال ميخائيل السرياني في صدد عمر بن عبد العزيز: منذ توليه الحكم، أخذ عمر يسيء إلى المسيحيّين لسببين، أولاً: رغبة في تعظيم الشريعة الإسلامية، وثانياً: لفشل المسلمين في احتلال القسطنطينيّة، وكان يشدد الخناق على المسيحيين ليكرههم على اعتناق الإسلام، فأصدر قراراً يقضي بإعفاء من الجزية كل مسيحي يعتنق الإسلام.

فأسلم الكثيرون، كما قرر عدم قبول شهادة المسيحي على المسلم وعدم تولية مسيحي في أي مجال، كما منع المسيحيين من رفع أصواتهم في الصلاة، ومن لبس الأخضر وركوب حصان مسرّج، وإذا قتل مسلم مسيحياً لا يُحكم بالقتل بل بدفع ديته خمسة آلاف درهم، ومنع تقدمة النذور للأديرة والرهبنات، لا بل صادر قسماً من أملاك الكنائس والأديرة والفقراء، إلا أن بعض الروايات عن النصارى الذين عاصروا عمر بن عبد العزيز تتناقض مع ذلك، فقد روي عن الأوزاعي أنه قال: شهدت جنازة عمر بن عبد العزيز، ثم خرجت أريد مدينة قنسرين، فمررت على راهب فقال: يا هذا، أحسبك شهدت وفاة هذا الرجل، أي عمر بن عبد العزيز، فقلت له: نعم، فأرخى عينيه فبكى سجاماً.

فقلت له: ما يبكيك ولست من أهل دينه؟ فقال: إني لست أبكي عليه، ولكن أبكي على نور كان في الأرض فطفئ، ويُروى أن عمر بن عبد العزيز، قد بعث وفداً إلى ملك الروم في أمر من مصالح المسلمين، وحق يدعوه إليه، فلما دخلوا إذا ترجمان يفسر عليه وهو جالس على سرير ملكه، والتاج على رأسه والبطارقة على يمينه وشماله، والناس على مراتبهم بين يديه، فأدى إليه ما قصدوه له، فتلقاهم بجميل وأجابهم بأحسن الجواب، وانصرفوا عنه في ذلك اليوم، فلما كان في غداة غد أتاهم رسوله، فدخلوا عليه، فإذا هو قد نزل عن سريره ووضع التاج عن رأسه، وقد تغيرت صفاته التي شاهدوه عليها، كأنه في مصيبة، فقال: هل تدرون لماذا دعوتكم؟ قالوا: لا .

قال: إن صاحب مصلحتي التي تلي العرب جاء في كتابه في هذا الوقت: أن ملك العرب الرجل الصالح قد مات، فما ملكوا أنفسهم أن بكوا، فقال: ألكم تبكون أو لدينكم أو له؟ قالوا: نبكي لأنفسنا ولديننا وله، قال: لا تبكوا له، وابكوا لأنفسكم ما بدا لكم، فإنه خرج إلى خير مما خلف، وقد كان يخاف أن يدع طاعة الله، فلم يكن الله ليجمع عليه مخافة الدنيا ومخافته، لقد بلغني من بره وفضله وصدقه ما لو كان أحد بعد عيسى يحيي الموتى لظننت أنه يحيي الموتى، ولقد كانت تأتيني أخباره باطناً وظاهراً فلا أجد أمره مع ربه إلا واحداً، بل باطنه أشد حين خلوته بطاعة مولاه، ولم أعجب لهذا الراهب الذي ترك الدنيا وعبد ربه على رأس صومعته، ولكني عجبت من هذا الذي صارت الدنيا تحت قدمه فزهد فيها حتى صار مثل الراهب، إن أهل الخير لا يبقون مع أهل الشر إلا قليلاً.

وهذا عمر بن عبد العزيز، الذى لما أفضت الخلافة إليه وفدت إليه الشعراء كما كانت تفد على الخلفاء من قبله، فأقاموا ببابه أياماً لا يؤذن لهم في الدخول حتى قدم عدي بن أرطأة عليه وكان منه بمكانة فتعرض له جرير، وهو جرير بن الخطفي، ويقال: ابن عطية بن الخطفي، واسم الخطفي، هو حذيفة بن بدر بن سلمة عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، أبو حرزة الشاعر البصري، وقد قدم دمشق مرارا، وامتدح يزيد بن معاوية والخلفاء من بعده، ووفد على عمر بن عبد العزيز، وكان في عصره من الشعراء الذين يقارنونه الفرزدق والأخطل، وكان جرير أشعرهم وأخيرهم، فلما دخل عدى بن أرطأه على عمر بن عبد العزيز.

قال: يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك، وألسنتهم مسمومة، وسهامهم صائبة، فقال عمر : ما لي وللشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح فأعطى، وفيه أسوة لكل مسلم، قال: صدقت، فمن بالباب منهم؟ قال: ابن عمك عمر بن أبي ربيعة القرشي، قال: لا قرب الله قرابته ولا حيا وجهه، قال عمر أليس هو الذى قال كذا وكذا، فليته عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا، ثم يعمل عملاً صالحاً، والله لا يدخل علي أبداً، فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟ قال جميل بن معمر العذري، قال عمر أليس هو الذى قال كذا وكذا، والله لا يدخل علي أبداً، فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟ قال: كثير عزة، قال عمر أليس هو الذى قال كذا وكذا، أبعده الله، فو الله لا دخل علي أبداً، فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟

قال: الأحوص الأنصاري، فقال عمر: أبعده الله، والله لا يدخل علي أبداً، أليس هو القائل؟ وقد أفسد على رجل من أهل المدينة جاريته حتى هرب بها منه، فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟ قال: همام بن غالب الفرزدق، فقال عمر : أليس هو القائل يفتخر بالزنا، والله لا يدخل علي أبداً، فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟ قال: الأخطل التغلبي، قال: أليس هو القائل كذا وكذا، ويخبر الأخطل أنه لن يصوم، ولن يأكل لحم الأضاحى كالمسلمين، ولن يسوق إبله ليذهب الى مكة للحج، ولن يقوم ليؤذن ويصلى الفجر، ولكنه سيشرب خمرا شمولا، ويسجد للشمس عند شروقها، وكان الأخطل شاعرا نصرانيا، فقال عمر : أبعده الله عني، فو الله لا دخل علي أبداً، ولا وطىء لي بساطاً، وهو كافر.

فمن بالباب غيره من الشعراء ممن ذكرت؟ قال: جرير، فقال عمر : أليس هو القائل: طرقتك صائدة القلوب وليس ذا، وقت الزيارة فارجعي بسلام، فقال عمر، فإن كان ولا بد، فهذا، فأذن له، فقال: يا جرير، ما أرى لك هاهنا حقاً، فقال: بلى يا أمير المؤمنين، أنا ابن سبيل ومنقطع بي، فقال له عمر: ويحك يا جرير، لقد ولينا هذا الأمر وما نملك إلا ثلثمائة درهم، فمائة أخذها عبد الله ومائة أخذتها أم عبد الله، يا غلام أعطه المائة الباقية، فأعطاه من حرِّ ماله مائة درهم، وقال عدى : فأخذها وقال: والله لهي أحب مما اكتسبته إلي، قال: ثم خرج فقال له الشعراء: ما وراءك؟ قال: ما يسوءكم، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء، ويمنع الشعراء، وإني لراض.

وأنشأ جرير يقول: رأيت رقي الشيطان لا تستفزه، وقد كان شيطاني من الجن راقيا، وهذه هي حقيقة هذه الدار التي سماها الله سبحانه وتعالى متاع الغرور فحياتها عناء ونعيمها ابتلاء وملكها فناء العمر فيها قصير والخطر المحدق كبير والمرء فيها بين حالين: حال قد مضى وسُطر وانقضى وأجل قد بقي لا ندري ما الله سبحانه وتعالى قاض لنا فيه، وتم عمل ضريح له وهو يقع في قرية دير شرقي الواقعة شرق مدينة معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب في سوريا، وكان بناء الضريح الأساسي عبارة عن بناء قديم يعود إلى العهد المملوكي، وموقع الضريح عبارة عن دير يعود إلى القرن الخامس الميلادي، حيث كان يسكنه الراهب سمعان وعندما أصبح الخليفة عمر بن عبد العزيز والياً على خناصرة.

وهى قرب حلب نشأت علاقة قوية بينه وبين الراهب سمعان، حيث كان الخليفة عمر يكثر من زيارة هذه المنطقة حيث أراضي أمه وأخواله، وحين أصبح عمر بن عبد العزيز خليفة المسلمين استمرت هذه العلاقة، وتطورت هذه العلاقة حتى اشترى من الراهب سمعان مكانا في الدير لكي يدفن فيه، وقد أصر أن يدفع ثمنه للراهب الذي أراد أن يعطيه إياه هدية حباً بجواره، ولما توفي دفن مع زوجته فاطمة بنت عبد الملك في هذا القبر، فيجب علينا أن نعلم أنه من تعلق قلبه بالدنيا لم يجد لذة الخلوة مع الله، ومن تعلق قلبه باللهو لم يجد لذة الأنس بكلام الله، ومن تعلق قلبه بالجاه لم يجد لذة التواضع بين يدي الله، ومن تعلق قلبه بالمال لم يجد لذة الاقراض لله، ومن تعلق قلبه بالشهوات لم يجد لذة الفهم عن الله، ومن تعلق قلبه بالزوجة والولد لم يجد لذة الجهاد في سبيل الله، ومن كثرت منه الآمال لم يجد في نفسه شوقا إلى الجنة.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *