Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

السيده فاطمه، وهى المرأه الصابره التى عندما تولي زوجها الخلافة، فى عهد الدوله الأمويه، فقد استوقفها قليلا، وخيرها بين البقاء معه مع تحمل تبعات الخلافة، أو الطلاق، فاختارت أن تكون معه على كل حال، وهى المرأه الصالحه التى قد أودعت ما تملكه من ذهب أو حلى ببيت المال، وكان يدخل عليها زوجها، فيسألها أن تقرضه من مالها، وذات مرة استقرضها درهمًا ليشتري عنبًا لها، فلم يجد عندها شيئًا، فقالت له: أنت أمير المؤمنين، وليس في خزانتك ما تشترى به عنبًا فقال: هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكال غدًا في نار جهنم، فمن هى فاطمه ؟ ومن هذه المرأه الصالحه، إنها فاطمة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموية.

وقد كان أبوها هو أحد أمراء بني أمية، وأمها أم المغيرة بنت خالد بن العاص المخزومية، وقد تزوجها عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد، وهي أم بعض بنيه، وقد كانت عونا له على حياة الورع والزهد، وصبرت معه على تقشفه وزهده، وروت عنه كثيرا من العلم، وقد رد حليها لبيت مال المسلمين، ولما توفي عرض عليها أخوها يزيد بن عبد الملك أن يرده إليها أو يرد لها ثمنه فأبت رحمها الله تعالى، وقالت: إنها أعطته لله فلن ترجع إليه، وهي التي يقول فيها الشاعر: بنت الخليفة والخليفة جدها، أخت الخلائف والخليفة زوجها، فقد كان أبوها وجدها خليفتين من خلفاء بنى أمية، وقد ولي الخلافة زوجها عمر بن عبد العزيز، ووليها أربعة من إخوتها وهم: الوليد وسليمان ويزيد وهشام.

وقد ذكر الزبير بن بكار والسيوطي أنه لم يحصل هذا لغيرها من النساء، وقيل انها قد تزوجت بعد عمر بن عبد العزيز أحد أبناء عمومتها وكان اسمه: داود بن بشر كما في تاريخ دمشق، وقد توفيت في خلافة هشام بن عبد الملك، وقد أنجبت لعمر بن عبد العزيز، أولاده إسحاق ويعقوب وموسى، ثم لما توفاه الله، يقال أنه خلف عليها دادود بن بشر، أو قيل سليمان الأعور بن داود بن مروان وأنجبت له هشام وعبد الملك، وقد ذكر جلال الدين السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء: قال فرات بن السائب: قال عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة لامرأته فاطمة، وكان عندها جوهر أمر لها به أبوها لم ير مثله، وقال لها اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك.

فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت: لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه، فأمر به فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين، فلما مات عمر واستخلف يزيد قال لفاطمة: إن شئت رددته إليك، قالت لا والله، لا أطيب به نفسا في حياته وأرجع فيه بعد موته، فكانت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ، امرأة عريقة النسب عالية الخلق عظيمة في عقلها، لذلك تهافت نحوها الأمراء الأمويون راغبين في الزواج منها، لكن والدها عبد الملك تاقت نفسه لأفضلهم عقلا وأكثرهم عزا وأنبلهم خلقا وهو ابن أخيه عمر بن عبد العزيز، وقد زوجها والدها خليفة المسلمين لابن أخيه ، حيث رأى فيه كل ما يجعله يسعى لتزويجه بها فقال له: قد زوجك أمير المؤمنين ببنته فاطمة.

فرد عليه عمر: وصلك الله يا أمير المؤمنين فقد أجزيت وكفيت ، لقد عاشت فاطمة مثل الشجرة الباسقة طيبة الريح ، عظيمة الأثر في رغد وحب وعطاء مع زوجها تجمع السكينة والألفة بين نفسيهما ليكون زواجهما نموذجا مثاليا جميلا في التضحية، وقدر الله لفاطمة بنت عبد الملك أن يجتمع لها ما لم يجتمع لنساء الأرض من العظمة والسؤدد والجاه والزواج السعيد ، كما أنها كانت حفيدة لخليفة وابنة خليفة وأختا لأربعة خلفاء ، وحين توفي أخوها سليمان بن عبد الملك ترك الخلافة لزوجها عمر بن عبد العزيز، فأصبحت زوجة لخليفة ، فقد توجت لها أقدار السماء نعيما لم يسبق لامرأة، وعندما آلت الخلافة الى زوجها عمر بن عبد العزيز لم يكن راغبا فيها ولا آبها لتيجانها أو زخرفها.

بل استقبلها بوجل واعتبرها هماً كبيراً وقع على عاتقه ، فحينما سمع بهذا النبأ ذهب للجامع الأموي معتليا المنبر يخاطب الناس بصوت متحشرج ويتوسل اليهم أن يعفوه من الخلافة، ولكن ازداد الناس تمسكا به كخليفة لما رأوا فيه من رجاحة عقله وسمو اخلاقه وحلو صفاته ، وعندما وصل بيته وقد حمل هما وحزنا مما يقع على أكتافه من أعباء ومصاعب الخلافة، في ذلك الوقت كانت فاطمة زوجته سعيدة بما حباهما الله به، فخرجت اليه مبتهجة سارة، لتفاجأ به مهموما يذرف الدموع ولا يقوى لسانه على وصف الحال فتهدئ من نفسه وتسأله عما اصابه وهو اليوم خليفة للمسلمين الآمر المطاع، فيجيبها بصوت يملؤه البكاء: يا فاطمة لقد أصبت كربا ففكرت بالفقير الجائع والمسكين الضعيف والمظلوم المقهور، فعلمت أن الله عز وجل سائلي عنهم يوم القيامة.

في ذلك الوقت استوعبت ما به وما فُرض عليه من متاعب الخلافة وعلمت أنه في هذا الأمر مكلف لا محب له، وأنها تقف أمام حفيد عمر بن الخطاب الذي فرق الحق عن الباطل، مقبلة على حياة لن تسعد كثيرا من النساء، وقتذاك بادرها زوجها عمر محدثها عن رد الضيع والهبات التي وصلته وهو امير الى بيت مال المسلمين فلم يبق معه الا ما كان له من حر ماله، وارتضى أن يكون بيته متواضعا بسيطا، ولكن آلمه أن تعيش ابنة عمه سليلة الأمجاد والقصور في هذا البيت وهذه العيشة من الزهد والمشقة، فأراد أن يخيرها في أمرها بين هذه الحياة أو أن تعود لبيت أبيها كما اعتادت العيش في نعيم، فتأبى فاطمة أن تفارق زوجها وتختار مقاسمته الدنيا بكل ما فيها من حلوها ومرها لتتوج حبها في الجنة.

وتصبح من اجمل الحوريات وأحبهن الى قلب زوجها، في ذلك الوقت رأى عمر بن عبد العزيز أن مصاغ زوجته ما هو الا جمار من نار فاستأذنها بأن يضعها في بيت المال وهي راضية النفس بكل ما يراه زوجها صالحا، وكما نرى عظمة سيدة القصور فاطمة حين تحولت حياتها من سيدة منعمة الى امرأة بسيطة تغسل ثوب زوجها الاوحد الذي لا يملك سواه وتعجن وتطهو الطعام، راضية النفس سليمة الضمير سعيدة باختيارها، وفى فترة وجيزة تغير نظام الحكم الأموي ايجابا، وخلال عامين عم الخير على أرجاء البلاد من أقاصي الشرق عند نهر سيحون الى أقاصي الغرب في المغرب والأندلس حتى ان هذا العهد كان العاملون على توزيع الصدقات يطوفون في البلاد فلا يجدوا من يقبلها.

وهذا العصر من أزهى عصور الخلافة فلم يكن هناك فقير أو محتاج، هذا هو حفيد عمر الفاروق، ويذكر انه جاءت اعرابية تريد لقاء الخليفة فدلها الناس على بيته فطرقت بابه فاذا بامرأة يدها به العجين، فسألتها الاعرابية عن الخليفة، فطلبت منها الانتظار للحظات حتى يأتي، واذا بجانب الحائط رجل يصلح الجدار وفى يديه وثوبه بقع الطين، فنظرت الأعرابية اليه متعجبة من جلوس هذه المرأة امامه وهى تعجن ولم تستتر منه، فبادرتها بالسؤال عن هذا الرجل وكيف لم تستر نفسها أمامه؟ فأجابتها ضاحكة: انه أمير المؤمنين الخليفة عمر بن عبد العزيز وأنا زوجته فاطمة، ولقد عاشت فاطمة سعيدة هانئة بزوجها العادل البسيط الزاهد في متاع الدنيا ، وحينما توفى عمر وآلت الخلافة الاموية الى اخيها يزيد بن عبد الملك.

والذى اعاد اليها جواهرها ، وقال لها: هذه جواهرك التي وهبها عمر لبيت المال قد ردت اليك ، فأجابته وقد تملكها الحزن على وفاة زوجها: والله لا أطيعه حيا وأعصيه ميتا، وهذه سيدة بني أمية سليلة النسب العريق التي حفرت في أعماق التاريخ بصماتها الجميلة لحسن اختيارها لحياتها ، فكانت قدوة يقتدى بها نساء المسلمين الى افضل مثال لنساء الأرض وعظمة التضحية وسمو الأخلاق، وهكذا كانت فاطمه فمن صفات المرأة المسلمة، هو طاعتها لزوجها وتأدية حقوقه كاملة فيما يرضي الله تعالى، فحق الزوج على زوجته عظيم، فالواجب عليها أن تطيعه إذا أمرها مالم يأمرها بإثم وأن تحفظه في نفسها وماله وولده، وأن تحترمه عند كلامها معه، ومن صفات المرأة المسلمة أيضا هو قرارها في بيتها.

وعدم خروجها منه إلا لحاجة، مثل صلة رحم وعيادة مريض، وفاطمه بنت عبد الملك فى زهدها وورعها وصبرها وعبادتها فهى تذكرنا بفاطمه أخرى ألا وهى فاطمة الزبَيرية التي لم تتخلّ عن صلاة الليل، وصلاة التطوع مع نزول البلاء عليها، وهذه الامرأة صار لها شهرة بالتقوى والصلاح والعلم ثُم عميت سنتين ثم ذات ليلة أرادت أن تتوضأ لصلاة الليل ثُم تزحلقت على درج فانكسر ضلعان من أضلاعها ومع ذلك تكلّفت وصلّت ثُم نامت فرأت الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وابا بكر الصديق وعمر بن الخطاب، رضى الله عنهم أجمعين، مقبلين من جهة الكعبة، وباب بيتها كان مواجهًا للكعبة، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فبصق على طرف ردائه وقال لها امسحي به عينيك فأخذت الرداء فمسحت به عينيها فأبصرت في الحال، ثُم وضعته على موضع الكسر فتعافى بإذن الله تعالى، وقد توفيت السيده فاطمه بنت عبد الملك أثناء خلافة أخيها هشام بن عبد الملك.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *