Share Button

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء السابع مع فضل الحديث، وتعتبر السنة أو الحديث عند أهل السنة والجماعة هما المصدر الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن، فمكانة السنة رفيعة ولها قوة تشريعية ملزمة، واتباعها واجب، وعليها يقوم جزء كبير من كيان الشريعة، ومعنى المصدر الثاني أي في العدد وليس في الترتيب فإذا صحت السنة، أو إذا صح الحديث من حيث السند، عما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان بمنزلة القرآن تماما في تصديق الخبر والعمل بالحكم وهذا ما أجمع عليه العلماء قديما وحديثا، من السلف ومن جاء بعدهم، وتتبين منزلة السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي في عدد من النقاط، أبرزها هو أن السنة النبوية مبينة للقرآن، فقد كلّف النبي صلى الله عليه وسلم، بمهمة تبيين ما نزل إلى الناس، وتأدية الرسالة، وتبيين المراد من آيات الله، كما جاء في سورة النحل ” بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ” وكذلك فإن السنة مفصلة لمجمل القرآن، ففي القرآن آيات تأمر بالصلاة والزكاة أمرا مجملا، كما جاء في سورة النور فى قوله تعالى ” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ” فتأتي السنة النبوية الشريفة فتفصل عدد الصلوات، وأوقاتها، وعدد ركعاتها، ومبطلاتها، وتدل على شروطها وأركانها، كما تفصّل السنة النبوية ذكر الأموال التي فيها زكاة.
والتي لا زكاة فيها، والأمثلة على تفصيل السنة لما ورد في القرآن مجملا كثيرة، كأحكام الصوم والحج والبيع وغيرها، وعن عمران بن حصين رضى الله عنه ” أنه كان جالسا ومعه أصحابه، فقال رجل من القوم لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له ادن، فدنا، فقال أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا، وصلاة العصر أربعا، والمغرب ثلاثا تقرأ في اثنتين؟ أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا والطواف بالصفا والمروة؟ ثم قال أي قوم، خذوا عنا، فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن” وإن في السنة أحكام عليها جمهور المسلمين لم تأت في القرآن، كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، وحد شرب الخمر، ورجم الزاني المحصن، وقال الشوكاني “إن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية ولا يخالف في ذلك إلامن لا حظ له في الإسلام” وفي السنة تخصيص لعموم محكم القرآن، ومن ذلك تخصيص الحديث فقال صلى الله عليه وسلم “لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم” وأن هناك نصوص قرآنية عديدة تلزم المسلم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وامتثال أمره فمن ذلك قوله تعالى فى سورة آل عمران ” قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين “
فدلت هذه الآيات على أن السنة في رتبة تشريعية ملزمة، والقرآن نفسه يرد إلى السنة، ويوجب على المسلمين أن يطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعُد طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، هو طاعة لله سبحانه وتعالى، كما جاء في سورة النساء ” من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا” ويقرر القرآن أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة لكل من آمن بالله واليوم الآخر، فيقول الله تعالى فى سورة الأحزاب ” لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ” وقد أوجب الله تعالى في القرآن الكريم النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، في كل خلاف، وأقسم الله على نفي الإيمان عن كل من لا يحكمه ولا يرضى بحكمه، حتى يحكمه ويرضى بحكمه، فقد جاء في سورة النساء ” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ” وقد أخبر الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم، أوتي القرآن والحكمة التي هي السنة، ليعلم الناس أحكام دينهم ويزكيهم، وتطلق السنة لغة على السيرة حسنة كانت أم قبيحة، وعن هذا الإطلاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم في صحيحه.
” من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء” كما تطلق على الطبيعة، وعلى حكم الله سبحانه وتعالى وتدبيره، ومنه قوله تعالى ” سنة الله فى الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ” وهي في لسان علماء الشريعة الإسلامية في اصطلاح رجال الحديث وبخاصة من كتب في السير والمغازي وتطلق على كل ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو سيرة، أو خلق، أو شمائل، أو أخبار، أو صفات خلقية، دون نظر إلى ما قد يثبت به حكم شرعي، أو ما لا يثبت به حكم، وسواء في ذلك ما كان بعد البعثة، وما كان قبلها، وفي اصطلاح الأصوليين تطلق على أقواله صلى الله عليه وسلم وعلى أفعاله وتقريراته، مما يدل على حكم شرعي، وكثيرا ما يستعملها الفقهاء بهذا المعنى، كما يستعملونها في كل ما ثبت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يكن فرضا ولا واجبا، فتطلق على ما ندب فعله، مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يداوم عليه، وهي بهذا المعنى تقابل الفرض والواجب وغيرهما من الأحكام الخمسة، وبهذا الإطلاق قيل صلاة ركعتين قبل صلاة الصبح سنة.
وصلاة ركعتين بعد صلاة الظهر سنة، وقد تطلق في لسانهم أيضا على ما يقابل البدعة، مثل قولهم طلاق السنة كذا، وطلاق البدعة كذا، وهذا وقد يستعمل اسم الحديث أو الأثر أو الخبر، حيث يستعمل اسم السنة وهو استعمال يقتضي بيان معانيها، وما قد يكون بينها من اختلاف فالحديث والأثر كلاهما يرادف السنة بالمعنى العام الذي يستعملها فيه المحدثون، وهذا عند الجمهور، ومن المحدثين من يرى أن الحديث أعم من السنة، إذ الحديث عنده ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء أكان عليه العمل أم لا، أما السنة فلا تطلق إلا على ما كان عليه العمل المأثور في الصدر الأول، ولذا قد يرد من الأحاديث ما يوصف بأنه يخالف السنة المعمول بها، فيدعو ذلك إلى التوفيق أو الترجيح بينهما، أما الخبر فيستعمله المحدثون فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين من الأحاديث المرفوعة، أو الموقوفة، أو المقطوعة، ويراه الجمهور مرادفا للأثر، إذ يستعملون كلا منهما فيما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أضيف إلى الصحابة والتابعين مما سبق بيانه ولكن فقهاء خراسان يسمون الموقوف أثرا، والمرفوع خبرا، وكثيرا ما يقصر الأثر على ما يروى عن الصحابي مضافا إليه دون رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأن يروى عن الصحابي أنه كان يقول كنا نفعل كذا.
من غير أن يضيف ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي نخبة شيخ الإسلام يطلق الأثر على الموقوف والمقطوع، والفقهاء يستعملون اسم الأثر أحيانا فيما يروى من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا أو موقوفا أو غير ذلك، وأحيانا يستعملونه مضافا إلى سببه كقولهم أثر العقد، وأثر الفسخ، وأثر الإقرار، وهذا استعمال لغوي، وجملة القول إن استعمال هذه الأسماء على العموم لم يكن على وضع تتحدد به معانيها، وتتميز به بعضها من بعض، وإنما كان استعمالها في لسان المحدثين والفقهاء أحيانًا قائما على أساس اشتراكها في المعنى والدلالة، إما نتيجة لترادفها فيما يرى بعضهم، وإما نتيجة لما بينها من عموم وخصوص، وأما عن أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في محيط التشريع من قول، أو فعل، أو تقرير لأمر رآه، وبلغه عمن يكون مطيعا منقادا في ظاهر حاله لما جاء به صلى الله عليه وسلم وهي على هذا المعنى إنما تكون فيما تناولته سيرته وطريقته في حياته صلى الله عليه وسلم مما كان له فيه اختيار بين أمرين أو أكثر، فاختار ما رآه أنه الأفضل، ولا تكون فيما كان يأتيه صلى الله عليه وسلم بطبيعته وإنسانيته، مما لا اختيار له فيه، ولا يختص به دون سائر الناس بل يشاركه فيه جميع الناس لأنه من مقومات الحياة وضروريات الوجود ولا اختيار فيه للبشر، كالأكل، والشرب، والنوم، واللبس.

ونحو ذلك، أما ما يتعلق بتلك الأعمال ويتصل بها من كيفيات وأوضاع ووسائل ونحو ذلك، فإنه يعد من سنته صلى الله عليه وسلم ويتناوله اسم السنة بالمعنى الذي نريد لأن له فيه اختيارا، كان من آثاره تفضيل وضع على وضع، وإقدام على ما هو الأفضل والأنفع، فجاز أن يكون في ذلك إرشاد وهداية وتشريع، وعند ذلك يكون سنة تشريعية، كما يحتمل أن يكون ذلك قد حدث بحكم العادة الجارية والإلف المرغوب، والميل الوقتي، انقيادا للظروف والملابسات، مما يبعده عن أن يكون من قبيل الإرشاد والهداية والسنة التشريعية، وإنما يعرف ذلك بالنظر والاجتهاد ولذا فإنا نريد بالسنة هنا ما صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هداية للناس وشريعة لهم، فلا تتناول إلا ما أوحي به إليه، مما ليس بقرآن، أو وصل إليه بنظره وعرفه باستنباطه، فأقره الله عليه، وجماع ذلك ما جاء به صلى الله عليه وسلم بيانا لعقيدة، أو تعليما لعبادة، أو إرشاد إلى قربة، أو تهذيبا لخلق، أو إصلاحا لمعاملة، أو أمرا بِمعروف، أو نهيا عن منكر، أو إبعادا عن فساد، أو تحذيرا من سوء، فكل ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم في هذه النواحي يعد سنة وشريعة يطلب إلى الناس اتباعها، أما ما لا يتصل بذلك فلا يعد شريعة يطلب إلى الناس اتباعها، وإن عدّ من السنة بمعناها العام ذلك لأنه إنما صدر منه صلى الله عليه وسلم على أنه من الأقوال أو الأعمال.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *