Share Button

فى طريق النور ومع فقهاء الصحابة ( الجزء الثانى )
إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع فقهاء الصحابه وقد توقفنا عندما قلنا أنه قد ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين أن الذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مائة ونيف وثلاثون نفسا، ما بين رجل وامرأة، وجعل منهم المكثرين والمقلين، ويحوز الصحابة الكرام، وبالأخص من كان من المهاجرين والأنصار فوق من أسلم بعد عام الفتح، وإن كانت مكانة الصحابة ككل دون مرتبة أهل البيت على كل حال، وأن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من يستحق المراتب العليا وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة بأشخاصهم وزكاهم، ولقد كان هؤلاء الصحابة الكرام ممثلين صادقين لتراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الخلقي، ودعاة الإسلام في المستقبل، وحملة تعاليم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، التي بلغها إلى أهل التقوى والورع، ولقد رفع بهم اتصالهم المستمر برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحبهم الخالص له، إلى عالم من الفكر والعواطف لم يشهد محيط أسمى منه وأرقى مدنية واجتماعا والواقع أن هؤلاء الصحابة الكرام، كان قد حدثت فيهم تحولات ذات قيمة كبيرة من كل زاوية، وأثبتوا فيما بعد في أصعب مناسبات الحروب أن مبادئ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، إنما بذرت في أخصب أرض أنبتت نباتا حسنا، وذلك عن طريق أناس ذوي كفاءات عالية جدا، فكانوا حفظة الصحيفة المقدسة وأمناءها، وكانوا محافظين على كل ما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كلام أو أمر، ولقد كان هؤلاء قادة الإسلام السابقين الكرام الذين انجبوا فقهاء المجتمع الإسلامي وعلماءه ومحدثيه الأولين، وهكذا فإنه يطلق لفظ الصحابي على كل من لقي رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأسلم وبقي على الإسلام حتى مات، وأما عن تعريف الصحبه، فالصحبة في اللغة هى الملازمة والمرافقة والمعاشرة.

وفي حديث قيلة خرجت أبتغي الصحابة إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، والصاحب المرافق ومالك الشيء والقائم على الشيء، ويطلق على من اعتنق مذهبا أو رأيا فيقال أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي، وأما عن الصَاحبة فهى الزوجة، وقد قال تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الجن ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) فنعلم جميعا أن الصحابى هو من رأى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وآمن به ومنهم من ولد قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم من ولد في حياته، صلى الله عليه وسلم، وعن أبي سعيد الخدرى يقول ” أن رسول الله قال “الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد أذاني، ومن أذاني فقد أذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه” وهذا الحديث متفق عليه، فعلى أي حال قال ابن الصلاح.

“ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى، أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، وجميع ما ذكرنا يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاجون مع تعديل الله ورسوله لهم إلى تعديل أحد من الناس، وقد نقل ابن حجر عن الخطيب في الكفاية، أنه لولم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء، والأبناء, والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع بتعديلهم، والاعتقاد بنزاهتهم، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم، ثم قال هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتمد قوله، وروى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال.

“إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله محمد فاعلم أنه زنديق، ذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة” وإن الصحابة هم الذين عرفوا من أحوال رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ما جعلهم يهرعون إليه ويضعون مقاليدهم بين يديه ينغمسون في فيضه الذي بهر منهم الأبصار وأزال عنهم الأكدار، وصيرهم أهلا لمجالسته ومحادثته ومرافقته ومخالطته، حتى آثروه على أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأولادهم، وبلغ من محبتهم له وإيثارهم الموت في سبيل دعوته للإسلام أن هان عليهم اقتحام المنية كراهة أن يجدوه في موقف مؤذ أوكربة يغض من قدره، فالصحابة ذاك المصطلح التاريخي الذى يطلق على من آمن بدعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

ورآه ومات على ذلك الإيمان، وكذلك فإن الصحبة هي الملازمة والمرافقة والمعاشرة، ولقد رافق الصحابة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، في أغلب فترات حياته بعد الدعوة، وساعد بعضهم على إيصال رسالة الإسلام إلى البشريه كلها، ويعد فقه الصحابة الكرام رضي الله عنهم هو اصدق معبر عن الفقه الاسلامي، حيث يمثل المرحلةَ الاولى في حياة الامة، وقد اتصف بالرصانة وقرب الاستدلال وقوته, فهو المعبر الاول عن النص الشرعي وكيفية التعامل معه, ومن هذا التعامل مع النص انبثق المنهج الاسلامي بصورته الاولى، فأصبح اللبنة التي بُني عليها علم المتأخرين، ومن اصوله تفرعت الفروع، ولما فتحت الفتوحات وانتشر الصحابة في البلدان، ودخل الناس دين الله افواجا وكثرت المستجدات، فقد احتاج الصحابة للاجتهاد، ومن المؤكد ان ينتج عن هذا الاجتهاد خلاف وتعدد في الاراء.

ومن هنا يجد الباحث في كتب الفقه وكتب الاثار التي عُنيت بجمع اقوال الصحابة أقوالا مهجورة لم يجر عليها العمل، واقوالا مرجوحة صح الدليل على خلافها، ومسائل تعددت الاقوال فيها وظهر في بعضها تكافؤ الادلة، على ان اكثر ما جاء عنهم مما تقدم وصفه من حيث قوة الاستنباط وقربه وصحة الاستدلال، واما عن فقه التابعين، فهو بمنزلة فقه الصحابة من حيث جودته وقربه من الدليل عموما فقد تلقوا عن الصحابة الكرام، واخذوا العلم عنهم مما اورثهم قدرة كبيرة على التعامل مع النص الشرعي وقد جمعوا اطراف الحديث الذي ناسب حجم التغيير الذي المَّ بالأمة ، مما اعانهم على حسن معالجة المستجدات والنوازل، ومن هنا كثرت الاجتهادات وتعددت الاقوال وان كانت من حيث الجملة معتبرة الا انها احتوت على نسبة غير قليلة من الاقوال الشاذة او المخالفة للدليل، ومنها ما تكافأت ادلته واحتاج الى ترجيح

وهنا يكمن ان ننتقل الى موقف المذاهب من هذا الفقه، وكيف تعاملت معه، وان المتأمل فيما سطره العلماء في كتب تاريخ الفقه الاسلامي يجد ان مدرسة الصحابة التي نشأت في العهد الاول من عمر الامة المسلمة قد انقسمت الى ثلاث مدارس جمعت فقه الصحابة بميزاته المتقدمة، فمدرسة ابن مسعود رضي الله عنه في الكوفة ، ومدرسة ابن عباس في مكة, ومدرسة زيد بن ثابت في المدينة، حيث تمثل هذه المدارس النواة الاولى للمذاهب الفقهية، فقد اخذ اهل الكوفة عن ابن مسعود, ومنهم علقمة , والاسود وبعدهم منصور بن المعتمر, وابراهيم النخعي وعنهم الثوري وابو حنيفة رحم الله الجميع, واما مدرسة زيد بن ثابت في المدينة، فقد ظهر فيها نخبة من الفقهاء الافذاذ منهم الفقهاء السبعة كخارجة بن زيد، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر، وغيرهم من الفقهاء, وقد جمع علم هؤلاء الامام الزهري محمد بن مسلم رحمه الله.

وعنه اخذ الامام مالك, واما مدرسة مكة فقد اشتهر فيها تلاميذ ابن عباس مثل عكرمة وعطاء وطاووس وسعيد بن جبير وعنهم اخذ عمرو بن دينار وابن جريج وعبد الله بن دينار وهؤلاء من اشياخ الامام مالك, وعن مالك اخذ الشافعي امام العربية في وقته ومقعد علم الاصول, كما أَخذ عن محمد بن الحسن تلميذ الامام ابي حنيفة, وعن الشافعي اخذ الامام احمد وبه تأثر, وان كانت نزعة الثوري، وأما عن فقهاء الصحابة فهم أئمة الصحابة المجتهدون في الدراسة الفقهية، الذين كانت اجتهادات ومذاهب فقهية، وتميزوا بكونهم أعلم الصحابة وأفقههم في الدين، بما اجتمعت فيهم من الصفات والخصائص، وقد وردت فيهم أحاديث نبوية شريفه، تدل على مكانتهم العلمية، ومن أشهر فقهاء الصحابة هم الخلفاء الراشدين الأربعة وهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، رضى الله عنهم أجمعين.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *