Share Button

فى طريق النور ومع فقهاء الصحابة ( الجزء الأول )
إعداد / محمـــد الدكــــرورى

إن الصحابي في عرف الفقهاء هو من لقي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وآمن به ولازمه حتى عرف الفقه والنظر، وتعرف هذه الصحبة بالتواتر والاستفاضة، وأما التابعي فهو من لقي الصحابي وأخذ عنه، وكذلك من عاصر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يلقه فلا يسمى صحابيا حتى وإن كان فقيها وإنما يعتبرون من التابعين، علما بأن عصر التابعين هو متداخل مع عصر الصحابة, رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وإن صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، ومفرده هو الصحابى، وهو مصطلح إسلامي يقصد به حملة رسالة الإسلام الأولين، وهم أنصار النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهم المدافعين عنه، والذين صحبوه وآمنوا بدعوته وماتوا على ذلك، والصحبة في اللغة هي الملازمة والمرافقة والمعاشرة، وقد رافق الصحابة الكرام رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

في أغلب فترات حياته بعد الدعوة، وساعدوه على إيصال رسالة الإسلام ودافعوا عنه في مرات عدة، وكان بعد وفاة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، قد قام الصحابة بتولي الخلافة في الفترة التي عرفت بعهد الخلفاء الراشدين، وتفرق الصحابة في الأمصار لنشر تعاليم الإسلام والجهاد وفتح المدن والدول، وقاد الصحابة الكرام العديد من المعارك الإسلامية في بلاد الشام وفارس ومصر وخراسان والهند وبلاد ما وراء النهر، وأما المقصود بفقه الصحابة الكرام، فهو أرائهم التي أدلو بها في مسألة لم يرد بها نص صريح قطعي الثبوت والدلالة، وقد تعددت آراء الصحابة الكرام، بل وتعدد رأي الصحابي في المسالة الواحدة، وبعبارة أخرى ففقه الصحابة والتابعين هي الفتاوى التي تصدر منهم غير مقرونة بالدليل، ومن أصول أهل السنة والجماعة الإقتداء بالصحابة في العقيدة والشريعة والأخلاق.

وقد كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في عهد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، تعرض عليهم وقائع وهم بعيدون عن المدينة، فكانوا يطلبون الحكم في كتاب الله تعالى، وهم عرب فصحاء عارفين بدلائل الألفاظ، فإن لم يجدوا فى كتاب الله، بحثوا فيما ورد عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أن السنة كثيرا ما تستقل ببيان أحكام لم ترد في القران الكريم، فإن أعياهم ذلك عملوا آراءهم غير غافلين عن مقاصد الشريعة إلى أن يلقوا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أما أن يقرهم عليها وإما أن يبين حكمها، وخير دليل على ذلك حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاضيا على اليمن فقال له صلى الله عليه وسلم ” بم تقضي يا معاذ إن عرضت عليك قضية فقال بكتاب الله، فقال صلى الله عليه وسلم ” فان لم تجد ” قال فبسنة رسوله، فقال صلى الله عليه وسلم ” فإن لم تجد “

قال اجتهد رأيي ولا آلوا، فضرب صلى الله عليه وسلم، على صدره وقال ” الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله إلى ما يحب الله ورسوله ” وبعد وفاة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم تتجاوز مناهج البحث كتاب الله وسنة نبيه، ومن ثم إعمال الذهن قدر المستطاع على الاستنباط، وكان هناك جملة من القراء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذت عنهم الفتيا، واخذ عنهم الدين كعمر وعلي وابن مسعود وعائشة وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر، فأشتهرت بعض المدارس لبعض الصحابة فأهل المدينة علمهم عن أصحاب زيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأهل مكة علمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس، وأهل العراق عن أصحاب عبد الله بن مسعود، ثم صارت الفتوى بين أصحاب هؤلاء من كبار التابعين كسعيد بن المسيب، راوية عمر وحامل علمه، وإن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الذين صحبوه ولازموه كانوا فقهاء، وذلك أن طرق الفقه في حق الصحابة، هو خطاب الله تعالى، وخطاب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وما عقل منهما، وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عقل منها، فخطاب الله عز وجل هو القرآن الكريم، وقد أنزل ذلك بلغتهم، وعلى أسباب عرفوها، وقصص كانوا فيها، فعرفوا مسطوره ومفهومه ومنصوصه ومعقوله، ولهذا قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ” وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز “وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتهم، يعرفون معناه، ويفهمون منطوقه وفحواه، وأفعاله التي فعلها من العبادات والمعاملات، والسير والسياسات، وقد شاهدوا ذلك كله وعرفوه، وتكرر عليهم وتبحروه” وقال الزركشي في كتابه البحر المحيط في أصول الفقه “اعلم أن الخلفاء الراشدين الأربعة لا شك في حيازتهم هذه الرتبة.

وقد ألحق بهم أهل الشورى الذين جعلهم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وأما ابن مسعود فكان فقيه الصحابة، ومنتدبا للفتوى وكذلك ابن عباس، وزيد بن ثابت، ممن شهد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بأنه أفرض الأئمة، والمعتبر تصديه لهذا المعنى من غير نكير، أو شهادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومراجعة الأولين له، وقد كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، خير سلف لنا، فقد كانوا يتسابقون إلى معرفة كلام الله تعالى على لسان رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، حينما ينزل عليه الوحي، كما كانوا يتنافسون في حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحركاته وسكناته، ويتسابقون أيضا إلى طاعة الله ورسوله، ويبذلون كل طاقاتهم في سبيل الله فبرز منهم رواة الحديث، والفقهاء، والقراء، فكانوا بلا شك أئمة الحديث والفتيا والتبليغ عن الله ورسوله لأمة الإسلام من بعدهم جيلا بعد جيل وحتى يومنا هذا.

وقد ذكر ابن قيم الجوزية، أن علماء الدين هم الدعاة إلى الله والتبليغ عن رسوله صلى الله عليه وسلم، منحصرة في قسمين، فأحدهما هم حفاظ الحديث، وجهابذته، والقادة الذين هم أئمة الأنام، وزوامل الإسلام، الذين حفظوا على الأئمة معاقد الدين ومعاقله، وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله، ثانيهما هم فقهاء الإسلام، وهم من دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجاتهم إلى الطعام والشراب، ثم يصف لنا ابن قيم الجوزية الشروط التي تجب فيمن يبلغ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ونلخصها في العلم والصدق، أي يكون عالما بما يبلغ، صادقا فيه ثم يضيف إلى ذلك بأن يكون حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله.

ثم يسرد لنا ابن قيم الصفات المختلفة ليذكر أن أول من قام بالتبليغ عن رب العالمين هو رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين، ثم قام بالفتوى بعده صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ورغم أن ابن حزم، قد ذكر لنا أن عدد صحابته قد بلغ بلا شك أكثر من ثلاثين ألف إنسان غير وفود الجن وأخذوا عنه صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم وشرائع الإسلام، إلا أنه يذكر لنا أن عدد من روى عنه الفتيا قليل فيقول ” ثم لم ترو الفتيا في العبادات والأحكام إلا عن مائة ونيف وثلاثين منهم فقط من رجل وامرأة بعد التقصي الشديد، فكيف يسع من له رمق من عقل، أو مسكة من دين وشعبة من حياء أو يدعي عليهم الإجماع فيما لا يوقن أن جميعهم قال به وعلمه ” وإذا كان أهل الحديث يخصون الصحابي بمن صحب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قليلا أو كثيرا، ويرون عنه، فإن فقهاء الصحابة هم الذين طالت صحبتهم.

لرسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق التتبع والأخذ منه وعرفوا بالفقه والنظر، وهم الذين حفظت عنهم الفتوى، وكانوا يسمون بالقراء، بل ظل هذا لقب أهل الفتيا فترة طويلة في صدر الإسلام، ويقول ابن خلدون ” ثم إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم، وإنما كان ذلك مختصا للحاملين للقرآن، العارفين بناسخه ومنسوخه، ومتشابهه ومحكمة، وسائر دلالته مما تلقوه عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أو ممن سمعه منهم من عليتهم، وكانوا يسمون لذلك القراء، أي الذين يقرءون الكتاب، لأن العرب كانوا أمة أمية، فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ، وبقي الأمر كذلك صدر الملة، ثم عظمت أمصار الإسلام، وذهبت الأمية من العرب، بممارسة الكتاب، وتمكن الاستنباط وكمل الفقه، وأصبح صناعة وعلما” وقد ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين أن الذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏‏جلوس‏‏، ‏نص مفاده '‏‎REDMI NOTE PRO 64MP QUAD CAMERA‎‏'‏‏‏
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *