Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

أم الأبطال، كبشة بنت رافع الأنصارية، وهي كبشة بنت رافع بن معاوية بن عبيد بن الابجر خدرة، وهى صحابية جليلة وهى أم الصحابى سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن، وكان دارها هى دار بني عبد الأشهل من أوائل دور الأنصار الذين دخلوا في الإسلام، فهى الصادقة الصابرة المحتسبة، وهى صاحبة هذه السيرة العطرة، وهى واحدة من المسلمات المجاهدات اللاتي حظين بصحبة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ورافقن الرسالة النبوية الشريفة، منذ اشرقت أنوارها في المدينة المنورة، ففي ثنايا بيتها فاحت روائح الطيب في طيبة، الطيبة فانتشر فيها الإسلام فكانت خيرًا وبركة على أرجاء المعمورة، ففي هذا الجو الإيماني العظيم وفي ظل التقوى نشأت هذه الصحابية الجليلة.

ونهلت من معين الإسلام الصافي النقي، فأعطت الكثير الكثير، فكانت أمًّا لشهيدين عظيمين، وبطلين مباركين من ابطال الإسلام، فهي أم حارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، في يوم بدر، وحامل راية الأنصار أيضًا ، وواحد من مجلس شورى النبي صلى الله عليه وسلم يومذاك، وابنها هذا هو الصدّيق الثاني بعد أبي بكر رضي الله عنه، وهو خليفة أبي بكر رضي الله عنه، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المدينة في غزوة بواط، حقا إنها أم الأبطال، إنها أم سعد بن معاذ، كبشة بنت رافع، وهى واحدة من النساء الفاضلات اللاتي قدمن الخير في جميع المجالات، وهي واحدة ممن شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالصدق، ودعا لها بالخير والأجر العظيم .

وكانت السيده كبشة قد تزوجت من معاذ بن النعمان الأشهلي فولدت له سعد بن معاذ وعمرًا وإياسًا وأوسًا وعقرب وأم حزام بني معاذ بن النعمان، وكانت السيده كبشه بنت رافع، أمها هى الربيع بنت مالك بن عامر فهيرة بن بياضة، وقد أسلمت كبشة وبايعت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وماتت بعد ابنها سعد بن معاذ، وقد قامت بواجبات عظيمة ومباركة نحو الإسلام والمسلمين ففي بيتها ترعرعت نواة الإسلام، وكان لها كبير الأثر في تاريخ الإسلام فها هي المدينة تستضيف شابًا وسيمًا من مكة هو مصعب بن عمير رضي الله عنه، سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة ليعلّم أهلها القرءان، ويفقههم في أمور الدين، وهكذا بدأ الإسلام ينتشر في دور الأنصار حتى وصلت الدعوة إلى دار يني الاشهل

فاسلم سيد الأوس سيد بن الحضير، وسعد بن معاذ الذي وقف أمام قومه بني عبد الاشهل، ثم قال رضى الله عنه، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وافضلنا، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام أي أمنع نفسي من ذلك، حتى تؤمنوا بالله ورسوله فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلمًا أو مسلمة، وسارعت أم سعد إلى إعلان إسلامها، وسعدت بنعمة الإيمان سعادة عظيمة، بل ازدادت سعادتها عندما أضحت دارها مقرًا ومكانًا لسفير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها انبعثت نسمات الإيمان تعطر أرجاء المدينة والدنيا كلها، وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صفة الصفوة، أن أول دار أسلمت من دور الأنصار هى دار بني عبد الأشهل، فأكرم بها من دار.

وذكر ابن حجر رحمه الله في كتابه الإصابة، فقال: أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم أم سعد بن معاذ وهي كبشة بنت رافع بن عبيد، وأم عامر بنت يزيد بن السَّكن، وليلى بنت الخطيم، وكم كان سرور أم سعد عظيمًا حينما ترامى إلى سمعها قول النبي صلى الله عليه وسلم يذكر دارها ودور الأنصار بخير، فقال:” خير دور الأنصار بنو النجّار ثم بنو عبد الأشهل ، ثم بنو الحارث الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير” وقد قيل أن أختي كبشة قد اسلمتا وبايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما: الفريعة أو الفارعة بنت رافع، وسعاد بنت رافع وهي أم أسعد بن زرارة أحد النقباء الأخيار، وهو ابن خالة سعد بن معاذ رضي الله عنهم جميعًا، وكانت السيده كبشه رضي الله عنها، من السابقات في الخير.

وأول من بايع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولها مواقف تدل على إيمانها وجهادها وصبرها، ففي غزوة أُحد خرجت مع النساء تطمئن على سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصلها خبر استشهاد ولدها عمرو بن معاذ، وعندما وصلت أرض المعركة وعلمت بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حمدت الله تعالى واعتبرت مصيبتها هينة، وفي غزوة الخندق أُصيب ولدها سعد إصابة خطيرة، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيادته، فلقيه في لحظاته الأخيرة، فأخذ رأسه ووضعه في حجره قائلاً: “اللهم إن سعداً قد جاهد في سبيلك، وصدّق رسولك وقضى الذي عليه فتقبل روحه بخير ما تقبلت به روحاً” وكان مصاب أمه كبشة في ولدها عظيماً.

ولكن عزاءها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: “ لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ” ولم تذكر كتب التاريخ يوم وفاة الصحابية الجليلة كبشة بنت رافع، التي أعلت كلمة الحق والدين، وكانت مثالاً يحتذى للرأي والحكمة والعقل والشجاعة والصبر، رضي الله عنها وأرضاها، وقد سجّل التاريخ لأم سعد صفات وفضائل كريمة، ومواقف إيمانية تشير إلى مكانة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، في نفسها، وتقديم الأبناء شهداء في سبيل الله سبحانه وتعالى، ففي غزوة بدر خرج ولداها سعد بن معاذ، وأخوه عمرو ابن معاذ رضي الله عنهما وجاهدا في سبيل الله ، وابلى كل واحد منهما بلاء حسنًا، وعادا مع المسلمين إلى المدينة يحملون بشائر النصر، ففرحت الأم المؤمنة بنصر الله.

وأما في غزوة أُحد فقد خرجت أم سعد رضي الله عنها مع من خرج من النساء ينظرن إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن وردت الأخبار إلى المدينة باستشهاد عدد من المسلمين ، وكان من بين الشهداء ابنها عمرو بن معاذ رضي الله عنه، ولكن هذه الصحابية الجليلة كانت ترجو سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقبلت بسرعة نحو أرض المعركة فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم، سالمًا حمدت الله وقالت:” أما إذا رايتك سالمًا فقد اشوت، أي هانت المصيبة، فعزّاها النبي صلى الله عليه وسلم، بابنها عمرو، وفي إحدى الساعات الحرجة التي زاغت فيها الابصار وبلغت القلوب الحناجر وعلى وجه التحديد في غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب حظيت أم سعد بشهادة الصدق مختومة بختم رسول الله

صلى الله عليه وسلم، فقد كان ابنها سعد يرتدي درعًا قصيرة قد ظهرت منها ذراعه فمرّ من أمام حصن بني حارثة وكان فيه النساء والأطفال، ومن بينهم عائشة أم المؤمنين وأمّه كبشة رضي الله عنهما، فقالت له أمه تستعجله: الحق برسول الله يا بني فقد والله تأخرت، وقد أرادت رضي الله عنها أن لا تفوته لحظة دون أن يحظى بمعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت السيدة عائشة : والله يا أم سعد لوددتُ أن درع سعد أطول على يده ممّا هي فقالت أم سعد: يقضي الله ما هو قاض، فقضى الله أمرًا كان مفعولا وأصيب سعد بسهم قطع منه الأكحل، وهو عرق في الذراع يُسمى عِرق الحياة، رماه به حبّان بن العرقة، وتوجه سعد بن معاذ، بالدعاء إلى الله قائلا:

” اللهم إن كنت ابقيت من حرب قريش شيئًا فابقني لها، فإنه لا قوم أحبّ إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم ءاذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستجاب الله له فالتحم جرحه، وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم، خيمة في المسجد ليعوده من قريب، ونقض يهود بني قريظة العهد مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعندها نزلوا عند رغبتهم،
فحكم عليهم بأن تُقتل رجالهم وتُسبى نساءهم وذراريهم، ولما نُفّذ حكم سعد فيهم انفتق جرحه فمات شهيدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن سعد: ” اهتز عرش الرحمن عز وجل لموت سعد بن معاذ”.

والمعنى هى أن انتعش العرش وحاملوه فرحًا بقدوم روحه رضي الله عنه، وفي هذا دليل علوّ مقامه ورفيع مكانته، لأن العرب تنسب الشىء العظيم لأعظم الاشياء، فتقول: أظلمت الأرض لموت فلان، واهتزت له الجبال، واحتسبت أم سعد ابنها الثاني شهيدًا عند الله، لعلمها بمكانة الشهيد وللبشرى التي بشرها بها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان ابنها هو سعد بن معاذ، وهو صحابي جليل، وكان سيدًا للأوس في يثرب قبل الهجرة النبوية، وقد أسلم سعد على يد مصعب بن عمير الذي أرسله النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى يثرب ليعلم أهلها دينهم، فأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل كلهم، وبعد هجرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، شهد سعد بن معاذ معه غزوات بدر وأحد والخندق التي أصيب فيها

إصابة بليغة، ولما حاصر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بني قريظة، قبلوا بالاستسلام على أن يُحكَّم فيهم سعد بن معاذ، فحُمل إليهم وهو جريح، فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي النساء وتقسيم أموالهم وأراضيهم على المسلمين، بعد غزوة بني قريظة، انتقض جرح سعد، ولم يلبث إلا يسيرًا ومات، وكانت السيده كبشه بنت رافع ابنها هو عمرو بن معاذ وهو ممن شهد بدرا، واستشهد بأحد، وقَتله ضِرار بن الخطاب الفهري، وقال حين طعنه فأنفذه: لا تعدمن رجُلًا يزوجك من الحور العين، قاله استهزاء، وذاك قَبل إسلام ضِرار، وكان له حينئذ اثنتان وثلاثون سنة، وقيل أنه قد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين عمرو بن معاذ وبين عمير بن أبي وقّاص أخو سعد بن أبي وقاص.

وكانت للسيده كبشه بنت رافع بشارتها بالجنة، فقد قال الله تعالى: (الذين صبروا وعلى ربّهم يتوكلون ) فهذه الصحابية الفاضلة ضربت أروع آيات الصبر والتوكل في تاريخ النساء وكانت تحث على مرضاة ربها ومرضاة نبيه، وتؤثر محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل غالٍ ونفيس من مال وولد، لقد صبرت عندما استشهد ولدها عمرو وأخوه سعد رضي الله عنهما وفي السنّة إشارات كثيرة ودلائل واضحة تبشر بالجنة لمن صبر ابتغاء مرضاة الله، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” مَن احتسب ثلاثة من صُلبه دخل الجنة” فقامت امرأة فقالت أو اثنان؟ فقال:” أو اثنان” فقالت : يا ليتني قلت واحدة، فكانت هذه نفحات ندية من سيرة صحابية جليلة فقد صبرت ابتغاء مرضاة الله تعالى فرضي الله عنها وأرضاها لأنها ضربت الأمثلة في الصبر والوفاء.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *