Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع نبى الله هود عليه السلام، ولما لم يفلح هود في ثني قومه عما هم فيه من الضلال والغي، واجههم بالعاقبة التي سيؤول إليها أمرهم، فقال لهم فيما حكاه القرآن عنه كما جاء فى سورة الأعراف “قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب” وقد أخبر القرآن الكريم عن العذاب الذي حلّ بقوم نبى الله هود عليه السلام بعبارات متنوعة ومعبرة، ونجى الله نبى الله هود عليه السلام والذين آمنوا معه، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين” وقال تعالى فى سورة هود “وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود”، وقال عز وجل فى سورة الشعراء ” فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم” وقال تعالى فى سورة فصلت “فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون” وقال تعالى فى سورة الأحقاف ” فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم، تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم” وقال تعالى فى سورة الذاريات ” وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم” وقال تعالى فى سورة الحاقة ” وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية” وقال تعالى فى سورة الفجر “فصب عليهم ربك سوط عذاب”

وذهب إليهم وقال لهم انه نبي من الله وقد جاء لهدايتهم وقال لهم أن هناك إلها واحدا للكون وليس هناك غيره وهو الذي يجب أن تعبدوه وتتجهوا إليه بالدعاء طالبين منه الهداية، فالأصنام التي تعبدوها لا تنفع ولا تضر، فمن آمن وعمل صالحا كافأه الله بالجنة ومن كفر به فعقابه جهنم وبأس المصير، وقد حذرهم من إغلاق آذانهم عن الحق والاستماع إلى ما يقوله حتى لا يصيبهم مثل ما أصاب قوم نوح عليه السلام، فقال لهم هود نفس الكلمة التي يقولها كل رسول، لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع، هى كلمة واحدة هي الشجاعة كلها، وهي الحق وحده فقال لوكان قوم عاد يعيشون عيشة رخاء في مكان بالجزيرة العربية يسمى الأحقاف، وتقع تحديدا بين دولتي اليمن وعمان، والأحقاف هي جمع حقف، والحقف هو ما استطال من المرتفعات الرملية واعوجّ شكله ويكاد أن يكون جبلا، أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع، وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام، والطول والشدة، وكانوا عمالقة وأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم، فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم، ورغم ضخامة أجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة، كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها، ويحاربون من أجلها، وقد أنعم الله عليهم بآلاء ونعم كثيرة لاتعد ولا تحصى، منها نعمة الأرض التي يعيشون عليها، فقد كانت أراضيهم تنبت لهم المحاصيل الوفيرة، وأيضا نعمة الصحة والقوة فقد كانت أجسامهم طويلة وضخمة، فقد أنعم الله تعالى عليهم بالنعم التي لم يحصل عليها أحد من الأمم السابقة، ولكنهم لم يحمدوا الله ويشكروه على هذه النعم، وقابلوها بالجحود والنكران لها، فقد كانوا لا يعبدون الله عز وجل، و قاموا بعبادة الأصنام كما فعل قوم نوح عليه السلام من قبل، ولم يكتفوا بهذا بل قاموا بإفساد الأرض وانتشرت بينهم العداوة والبغضاء، فأرسل الله تعالى إليهم نبيه هود عليه السلام، و كان هود عليه السلام رجلا فاضلا في قومه وكان أرجح قومه عقلا، وأمره الله أن يذهب برسالته إلى قوم عاد.هم ” يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ” وقد سأله قومه هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك؟ وأي أجر تريده؟ فإن هذه الظنون السيئة تتكرر على ألسنة الكافرين عندما يدعوهم نبيهم للإيمان بالله وحده، فعقولهم الصغيرة لا تتجاوز الحياة الدنيوية، ولا يفكرون إلا بالمجد والسلطة والرياسة، وقد أفهمهم نبى الله هود عليه السلام أن أجره على الله، وإنه لا يريد منهم شيئا غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة، حدثهم عن نعمة الله تعالى عليهم، وكيف جعلهم خلفاء لقوم نوح، وكيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس، وكيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع، وكيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى به الأرض، وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض.

وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد، فقالوا لنبى الله هود عليه السلام كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟ فقال هود عليه السلام كان آباؤكم مخطئين، فقال قوم هود، هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء، سنعود إلى الحياة؟ فقال نبى الله هود عليه السلام ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله تعالى كل واحد فيكم عما فعل، فانفجرت الضحكات بعد هذه الجملة الأخيرة، ما أغرب ادعاء هود، هكذا تهامس الكافرون من قومه، فإن الإنسان يموت، فإذا مات تحلل جسده، فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتطاير التراب، فكيف يعود هذا كله إلى أصله؟ ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟ لماذا يقوم الأموات من موتهم؟ فقد استقبل نبى الله هود عليه السلام كل هذه الأسئلة بصبر كريم، ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة، وقد أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس، فقال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة، إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض، إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها، فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي، وكثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب، كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحترام والسلطة، أين تذهب شكاة المظلومين؟

وأين يذهب ألم المضطهدين؟ هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟ واستمر قود عاد على عنادهم وتمسكهم بعبادة الأصنام، ومرت الأيام والشهور والسنين، وزادوا استكبارا وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم، وبدئوا يتهمون نبى الله هود عليه السلام بأنه سفيه مجنون، فقالوا له يوما لقد فهمنا الآن سر جنونك إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك، وبسبب غضبها صرت مجنونا، ولم يغضب نبي الله هود عليه السلام من أنهم يظنون به الجنون والهذيان، ولكنه توقف عند قولهم ” وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين ” وبعد هذا التحدي لم يبق لهود إلا التحدي، لم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده، لم يبق أمامه إلا إنذار أخير ينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدا لهم، فكان نبى الله هود عليه السلام الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره، يخاطب نبى الله هود عليه السلام الذين كفروا من قومه، وهو يفعل ذلك رغم وحدته وضعفه، لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله تعالى وهو في حديثه يفهم قومه أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، فإن كفروا فسوف يستخلف الله تعالى قوما غيرهم، سوف يستبدل بهم قوما آخرين، وهذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب، وهكذا أعلن نبى الله هود عليه السلام لهم براءته منهم ومن آلهتهم، وتوكل على الله الذي خلقه، وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه، فهذا قانون من قوانين الحياة.

يعذب الله الذين كفروا، مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة، فانتظر نبى الله هود عليه السلام، وانتظر قومه وعد الله، وبدأ الجفاف في الأرض، ولم تعد السماء تمطر، وهرع قوم هود إليه، ما هذا الجفاف يا هود؟ فقال هود إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم، وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر، وزاد الجفاف، واصفرت الأشجار الخضراء ومات الزرع، وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء، وفرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون” هذا عارض ممطرنا” وتغير الجو فجأة من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس، وبدأت الرياح تهب، وارتعش كل شيء، ارتعشت الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام، واستمرت الريح ليلة بعد ليلة، ويوما بعد يوم، كل ساعة كانت برودتها تزداد، وبدأ قوم هود يفرون، أسرعوا إلى الخيام واختبئوا داخلها، اشتد هبوب الرياح واقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية، فاشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية، وكانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره، ولا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته، وجعلته كالرميم، واستمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط، ثم توقفت الريح بإذن ربها، ولم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت.

مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء، وقد نجا نبى الله هود عليه السلام ومن آمن معه، وأهلك الله قوم عاد الذين تجبروا في الأرض وأشركوا بالله، وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عن عبادته، وبعد هلاك الكافرين من قومه، لحق النبي هود عليه السلام ومن آمن معه بمكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا، وكانت أعمار قوم هود عليه السلام بحدود اربعمائة سنة، وتوفي النبي هود عليه السلام وله من العمر مائة وخمسين سنة، وفد اختلف في موضع قبر نبى الله هود عليه السلام فقيل انه بغار بحضرموت، وقيل أيضا أنه دفن في مكة في حجر اسماعيل عليه السلام أو بالقرب من مكان بئر زمزم، وقد تضمنت قصة نبى الله هود عليه السلام العديد من العبر والعظات، منها أن الغرور والبطر والتباهي بالقوة وشدة البطش يؤدي إلى أسوأ العواقب، وأوخم النتائج، ذلك أن قوم هود كانوا يتفاخرون بقوتهم، ويتباهون ببطشهم، ويتطاولون بشدة بأسهم “وقالوا من أشد منا قوة” ويقولون لرسولهم وهو ينصح لهم كما جاء فى سورة الشعراء ” سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين” فكانت نتيجة تكبرهم وغرورهم، أن أرسل الله عليهم ريحا صرصرا، عصفت بهم عصفا، وجعلتهم عبرة لمن يعتبر، وأيضا مداومة التذكير بنعم الله على عباده، وبيان أن هذه النعم تزداد بشكر الله تعالى، وتنمو بطاعته.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *