Share Button

لغة الإشارة

بقلم : د. مجدي إبراهيم

ليست لغة الإشارة كلغة العبارة، وليس من يؤسس لغته على الحُبّ والذوق والتجربة والتحقيق؛ كمن يؤسسها – استشرافاً لا تحققاً – على النقل والنظر والقراءة والتقليد.

فإذا كانت لغة الإشارة تقوم على مواريث القلوب ومواجيد الأحوال؛ فرمزُ العبارة العادية قد يتعمَّد فيه صاحبه التّعمية والتضليل لمجرد التعمية أو التضليل، ثم يزعم لنا، على الغفلة، أن وراءها أسراراً بكراً لا تفض.

وما هكذا تكون تجارب أهل الله، ولا هكذا تكون طبيعة كتاباتهم، ولا هكذا تجيء دروبها المنوعة وأسرارها المُعبّقة سلفاً بعمق التجربة الروحيّة.

تظهر الإشارة الصوفية في أكثر أبعادها عمقاً لدى النّفريّ (ت 354هـ) فإنّ تجربته في الكتابة الصوفية لتستدعي الحديث عنها من الوهلة الأولى إذا ما ذُكرت لغة الإشارة، ولا يمكن بوجه عام الحديث عن النِّفَّريّ بدون التعرّض لمذاق تجربة الكتابة الصوفية وطبيعتها المُفارقة؛ كون لغتها مفتوحة على الملأ الأعلى غير مغلقة ولا هى بالمحدودة بحدود العبارة العادية.

لم تكن لغة النِّفريّ مُجرد تأويلات يستخدمها العقل أو ينتجها الفكر فيما تدورُ به مجالاته المنوعة، ولكنها “تنزلات” تحصل في بطن التجربة، وليست هى من جنس التأويلات.

أنا شخصياً لم أرْ أعجب للعجب ولا للدهشة من محاولات الباحثين أن يجعلوا عبارة النفري تأويلاً يأخذه بعيداً عن مقصوده؛ لينحرف به خارج ما يكتب، وهو لا يكتب من منطقة الحرف القريبة، ولا من مورد اللغة العادية بل بالحضور والتنزلات الإلهية : مواقف كانت أو مخاطبات.

إذا نحن لصقنا التأويل بالنّفريّ لصقاً أفسدنا تجربته أو بالأحرى أفسدنا فهمنا لها، ولم نعد نفهم مسارها عبر طوايا الشعور وخلجات التفكير الأعلى؛ إذ التأويل صناعة عقليّة، وفيه جانب من العقل المحدود صرف، لا يجوز استخدامه في المواطن التي يستخدم فيها النّفريّ لغته، وهى بلا شك مواطن التنزلات الخاصّة بسيادة المواقف كلها أو المخاطبات جميعها في إطار تجربته الصوفية، وهو نفسه القائل في أحد مواقفه :” وقال لي : إذا جاءك التأويل فقد جاءك حجابي الذي لا أنظر إليه، ومَقْتِي الذي لا أعطف عليه”.

فالتأويل في بطن التجربة حجاب، والرؤية شهود. ومن مواقف الشهود يحدّثنا النِّفَّريَّ بلغة سُكْرَى منتشية بسطوات الإدراك.

وللحديث بقيّة

د. مجدي إبراهيم

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏‏‏نظارة شمسية‏، ‏نظارة‏‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *