Share Button

الدكروري يكتب عن رحلة العلامة ابن كثير إلي دمشق

بقلم / محمـــد الدكـــروري  

 

ذكرت المصادر أن شيخ الإسلام ابن كثير قد انتقل إلى دمشق سنة سبعمائة وستة من الهجرة، وهو في الخامسة من عمره، وتفقه على الشيخ إبراهيم الفزازي الشهير بابن الفركاح وسمع بدمشق من عيسى بن المطعم ومن أحمد بن أبي طالب وبالحجار، ومن القاسم بن عساكر وابن الشيرازي واسحاق بن الآمدى ومحمد بن زراد ولازم الشيخ جمال يوسف بن الزكي المزي صاحب تهذيب الكمال وأطراف الكتب الستة وبه انتفع وتخرج وتزوج بابنته، وقرأ على شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا ولازمه وأحبه وانتفع بعلومه وعلى الشيخ الحافظ بن قايماز وأجاز له من مصر أبو موسى القرافي والحسيني وأبو الفتح الدبوسي وعلي بن عمر الواني ويوسف الختي وغير واحد، وقيل إنه تعلم العبرية. 

 

ويقول الشيخ العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى عن رحلته إلى دمشق بصحبة أخيه عبد الوهاب، فيقول “ثم تحولنا من بعده أي بعد وفاة الوالد، في سنة سبع وسبعمائة إلى دمشق، صحبه كمال الدين عبد الوهاب، وقد كان لنا شقيقا، وبنا رفيقا شفوقا، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسر الله تعالى منه ما يسر، وسهل منه ما تعسر” واستقر ابن كثير في دمشق، وصار ابنا من أبنائها، وعالما من علمائها، وخطيبا ومدرسا فيها، وأحبها من قلبه فلم يفارقها حتى مات ودُفن فيها، وكان وفيا لها فكتب تاريخها، ووصف أفراحها وانتصاراتها، وبكى أحزانها وأتراحها، وشارك في أحداثها، وكان له دور فاعل في ذلك حتى صار يُشار إليه بالبنان محدثا ومفسرا، ومدرسا ورئيسا.

 

ومصلحا وداعية، ومعلما ومؤرخا، ولقد حبا الله تعالي صورة ابن كثير رحمه الله بكثير من الصفات الحميدة، والشمائل الكريمة، والخلال العذبة، والتي لا يتصف بها إلا العلماء الأخيار الأفذاذ، وكان من هذه الصفات هو الحفظ، فقد وهب الله عز وجل الشيخ ابن كثير حافظة قوية، وذاكرة ممتازة، وموهبة متفوقة، فكان قادرا على حفظ العلوم والمتون، واكتناز المعلومات، وظهر أثر ذلك في مصنفاته، فقد حفظ ابن كثير القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة من عمره، كما صرح بذلك في تاريخه، وحفظ التنبيه في الفقه الشافعي، وعرضه سنة ثماني عشرة، وحفظ مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، وحفظ المتون المتنوعة في العلوم ولذلك وصفه عدد من العلماء بحفظ المتون، فقال شيخه الذهبي. 

 

“ويحفظ جملة صالحة من المتون والرجال وأحوالهم، وله حفظ ومعرفة” وقال عنه تلميذه ابن حجي “كان أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها ورجالها، وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك” وكما كانت من مميزاته هو الاستحضار، حيث اقترنت صفة الحفظ عند ابن كثير بصفة أخرى وهي صفة الاستحضار مما يدل على المنحة الإلهية له بقوة الذاكرة، وقلة النسيان، وهو من أعظم المواهب الإلهية، وأكبر ميزة للعالم والمصنف والفقيه، لذلك كان ابن كثير يستحضر المتون والكتب والعلوم حتى لفت نظر المحققين والمحدثين، فهو ينقل من مصادر عدة، ولكنه يضع المعلومات بصيغته وأسلوبه الخاص به، مما يرجح أنه كان يكتب ويصنف من ذاكرته وحافظته، ويتصرف بذلك حسب مقتضى الحال والمقام.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *