Share Button
إعداد / محمـــد الدكـــروى
ونكمل الجزء الثانى عشر مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات، ولقد حثنا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على الأخلاق مع الوالدين فقال في معاملة الوالدين وبرهما، والاهتمام بهما وتقديهما على غيرهما فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك” رواه مسلم، وفي معاملة الزوجة خاصة، والمرأة عامة سواء كانت أم أو أخت أو بنت أو زوجة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” رواه الترمذي، و قال صلى الله عليه وسلم” استوصوا بالنساء خيرا” رواه البخاري، وحفاظا على المجتمع من انتشار الرذيلة واعتيادها كان صلى الله عليه وسلم، يأمر بالستر وينهى عن الفضيحة فيقول” من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” رواه البخارى، وإن الأخلاق الحسنة تضاعف الأجر والثواب، فمن منا لا يريد أن تبلغ درجاته عند الله درجة الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر، فمن أراد هذه الدرجة العظيمة التي يتمناها كل مسلم، فعليه بحسن الخلق كما قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجةَ الصائمِ القائم” رواه أبو داود وأحمد، وقد رسم النبي صلى الله عليه وسلم صورة لرجل من أمته كان يصلي وينفق ويصوم، ولكن أخلاقه لم تستقم، فأخبر أنه سيأتي يوم القيامة لا ليدخل الجنة بل ليدخل النار، فيقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” أتدرون من المفلس؟
قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” إن المفلس من أمتى يأتى يوم القيامه بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى وقد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح فى النار” رواه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم، يا رسول الله “إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” لا خير فيها، هي من أهل النار، قالوا وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأثوار أى قطع من الأقط، وهو لبن جامد، ولا تؤذي أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من أهل الجنة” رواه أحمد وابن حبان، وما يوفق لهذه الأخلاق وهذه الخصال الحميدة إلا الذين صبروا نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحب الله عز وجل، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟ فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثَل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيد شيئا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه هان عليه الأمر متلذذا مستحليا له لكونه من خصال خواص الخلق التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق، ولا عجب أن رأينا أحد محققي علماء الإسلام مثل ابن القيم يقول “الدين هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق، زاد عليك في الدين”
ولذلك يُعتبر الخلق الحسن صفة من صفات الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أفضل أعمال الصديقين، وشطر الدين، والثمرة التى يجاهد بها المتقون، ورياضة المتعبدين، على عكس الأخلاق السيئة، التي تعد بمثابة السموم القاتلة للنفس، ولذلك لا بد من التخلق بأخلاق الإسلام، والابتعاد عن المعاصي والآثام، حيث ورد في الحديث النبوي ” وجدت الحسنةَ نورا في القلب، وزينا في الوجه، وقوة في العملِ، ووجدت الخطيئة سوادا في القلب، وشيئا في الوجه، ووهنا فى العمل” وإن هناك أحاديث لرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تدعو إلى حسن الخلق لإنه أساس هذا الدين العظيم هو مكارم الأخلاق ومحاسنها، فقد روى البيهقي أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وإن كلمة البر هي الجامعة لمعاني الدين، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم” البر حسن الخلق” رواه مسلم، وقد اتصف النبي صلى الله عليه وسلم، بما وصفه به الله سبحانه وتعالى، وأثنى عليه بحسن الخلق، فقال عز وجل كما جاء فى سورة القلم” وإنك لعلى خلق عظيم” ومن الأحاديث الواردة في حسن الخلق وهي كثيرة، ومنها ما وراه الإمام مالك في الموطأ بلاغا أن معاذ بن جبل قال” آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز أن قال” أحسن خلقك للناس يا معاذ ” وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال” إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم”
وقال صلى الله عليه وسلم” إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا” رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم” ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ” رواه أصحاب السنن، ولو نظرنا إلى أخلاق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه” إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ” رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم” إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون هلا وُضعت هذه اللبنة؟ قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ” رواه البخارى، ويقول عبد الله بن عباس رضى الله عنهما إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته ” وقال القاضي عياض عن الأخلاق” وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم” وقد بعث الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وذلك لأهميتها للفرد والأسرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ” رواه أحمد، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال” لما بلغ أبا ذر الغفارى مبعث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال لأخيه” اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبى يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ” رواه البخاري، وأما عن أخلاقه العامة فقد قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “خياركم أحاسنكم أخلاقا” رواه الترمذي، وقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” إن من أحبّكم إليّ أحسنكم أخلاقا” رواه البخاري، ولقد جعل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثته النبوية أخلاقية، حيث قال إنما بعثت لأتمم عليكم مكارم الأخلاق، وهذا يدل على أهمية الأخلاق الحميدة، بالرغم من أنه ليس أهم شيء بُعث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من أجله، فالعقيدة أهم منه، والعبادة أهم منه، ولكن هذا أسلوب نبوي لبيان أهمية الشيء، وإن كان غيره أهم منه، ولم يعدّ الإسلام الأخلاق الحميدة مجرد سلوكات يجب أن يتصف بها الفرد، بل اعتبره عبادة يؤجر عليها الإنسان، ومجالا للتنافس بين العباد، فقد جعله الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أساس الخيرة والتفاضل يوم القيامة، حيث تعد الأخلاق الحميدة من أساسيات بقاء الأمم، فالأخلاق هي المؤشر على استمرار أي أمة أو انهيارها، فالأمة التي تنهار أخلاقها يوشك أن ينهار كيانها.
كما قال الشاعر احمد شوقي وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا، وتعد الأخلاق الحميدة من أجمل الجمالين، فالجمال ينقسم إلى نوعين، حسن والذي يتمثل في الشكل والهيئة والزينة والجاه والمنصب، والنوع الثاني جمال معنوي، يتمثل في النفس والسلوك والذكاء والفطنة والعلم والأدب، فقد قيل أنه ليس الجمال بأثواب تزيِننا إن الجمال جمال العلم والأدب، فإن حسن الخلق يعد سببا لصلاح المجتمع وسعادته، بل هو من أهم عوامل قوة الأمة ورفعتها، كما أن انتشار الأخلاق الذميمة فى مجتمع ما سبب لفساده وانهياره، والباحثون يعدون العامل الأخلاقي عامل نمو وحفاظ على الحضارات، وإن في كيفية اكتساب الأخلاق الحميدة هو التقرب من الله سبحانه وتعالى حيث يعد الإيمان والتقرب من الله تعالى منبعا للأخلاق الحميدة وتزكية للنفس وتهذيبا للسلوك، وكذلك مجالسة أصحاب الخلق الحسن، حيث إنّ أكثر الأمور تأثيرا على الأشخاص خاصة في الناحية الخلقية، مجالسة ومصاحبة الأشخاص، حيث لهم دور كبير في التأثير على شخصية الإنسان، لذلك قيل “عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى” وأيضا محاسبة النفس، فالنفس أساسا خلقت أمارة بالسوء، فمن الواجب معاتبة النفس وإصلاحها إلى الأفضل دائما، فالنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم، وأيضا قراءة سير السلف الصالح، فإنها من الأسباب المعينة على التخلق بالأخلاق الحسنة، فالحديث عن العلماء ومحاسنهم فيه آدابهم وأخلاقهم.
وقد اتفق علماء النفس والتربية على أن القصص والأخبار والسير من أقوى عوامل التربية السليمة للنفس، وأيضا الدعاء، حيث يعد الدعاء من أعظم الأسباب الموصلة إلى محاسن الأخلاق، وقد كان خير البشر رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يدعي الله تعالى أن يهديه لأحسن الأخلاق، فيقول الإمام الغزالي رحمه الله “حُسن الخلق هو الإيمان، وسوء الخلق هو النفاق، وقد ذكر الله تعالى صفات المؤمنين والمنافقين في كتابه، وهي بجملتها ثمرة حسن الخلق وسوء الخلق، فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق، ووجود بعضها دون بعض يدل على البعض دون البعض” فالله تعالى لم يجعل خير الأمم مقرون بإيمانها فحسب، بل جعل نهوض الأمم وتطورها مرتبط بآداء الدور الأخلاقي المنوط بها، والوصول بهذا الدور إلى الناس أجمعين، في بلاد المسلمين وفي غيرها، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” فبأحسن الأخلاق يقوم المجتمع ويهتدي نحو الصواب، وبالعكس من ذلك تخرب المجتمعات وتدخل فى سلسة من التخلف قد لا تنتهي إلى أن تصل بها إلى الحضيض، وإنه تعالى يفتح طريق التوبة للمذنب، بل ويأمر صاحب المعصية أن يستر على نفسه، ولا يجهر بمعصيته أو يفتخر ويحّدث بها، فيقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “كل أمتي معافى، إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه” رواه البخارى.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *